على مدار الساعة

المدير السابق للقسم العربي لإذاعة الصين الدولية يكتب عن تجربة أول صحفي موريتاني في القسم

26 يوليو, 2018 - 13:14
عبد الرحمن ولد سيدي محمد أول صحفي موريتاني يدخل الفضاء الإعلامي الصيني بوصفه خبيرا

تجربة أول صحفي موريتاني يعمل في الصين: مهنية عالية وتفاني في الرفع من مستوى العلاقات الصينية الموريتانية

بقلم: ليويوانبى المدير السابق للقسم العربي لإذاعة الصين الدولية

خبير موريتاني يتألق في الفضاء الإعلامي الصيني

في أوائل  خريف عام 2012 استقبل القسم العربي بشبكة إذاعة الصين الدولية الشاب الطموح عبد الرحمن ولد سيدي محمد أول صحفي موريتاني يدخل الفضاء الإعلامي الصيني بوصفه خبيرا، وسبق أن شغل عدة مناصب في إذاعة موريتانيا الرسمية، رئيس تحرير لإحدى الفترات الاخبارية، ورئيسا لقسم البرمجة، وكان آخر منصب يشغله قبل قدومه للصين مديرا للموقع الإلكتروني لإذاعة موريتانيا، وقد كان انضمامه لفريق إذاعة الصين الدولية له صدى كبيرا في أداء القسم وانفتاحه على الجمهور العربي والمغاربي بشكل خاص.

 

كما سبق أن عمل الاعلامي الشاب عبد الرحمن ولد سيدي محمد خريج المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط،، مراسلا دوليا في موريتانيا، ومحررا لوكالة نواكشوط للأنباء، وأجرى عدة حوارات مع شخصيات موريتانية ودولية، وزار العديد من دول العالم لتغطية بعض الأحداث، ويواصل مشواره الإعلامي حاليا في شبكة إذاعة الصين الدولية مشرفا على التحرير ومقدما للأخبار، ولبرنامج تبادلات ودية الذي يستضيف كبار الشخصيات في الوطن العربي، وقد أوفدته الإذاعة للعديد من المدن الصينية لإعداد تقارير متنوعة، كما أنه عضو في لجنة مسابقة الخطابة التي يشارك فيها المئات من طلاب الجامعات الصينية الدارسين باللغة العربية والتي تنظم سنويا، وكذلك عضو في لجنة التقييم لترقية الاعلاميين الصينيين الناطقين بالعربية داخل القسم العربي لإذاعة الصين الدولية، وقد تم تكريمه خلال الاحتفالية التي نظمت في بكين بمناسبة الذكرى الـ50 لإقامة علاقات دبلوماسية بين الصين وموريتانيا، لدوره في الرفع من مستوى هذه العلاقات من خلال أنشطته الاعلامية والحوارات التي أجراها مع شخصيات سامية من ضمنهم الرئيس الموريتاني والعديد من الوزراء، وكذلك مشاركته في الكثير من الندوات في الصين عرف خلالها بموريتانيا وما تزخر به من فرص للاستثمار.
 

عرفت الصحفي الموريتاني الشاب عبد الرحمن ولد سيدي محمد في مطلع عام 2014 حيث كنت أستعد رفقة صديقان صينيان ودكتورة جزائرية مقيمة في الصين لتأليف كتاب بعنوان "المغترب العربي في الصين". حيث عرضنا عليه أن يشارك في هذا الإنجاز من خلال تقديم معلومات عن تجربته في الصين، وقد شارك في هذا العمل الأكاديمي حول مسار تطور العلاقات الموريتانية الصينية وما تشهد من تطور مستمر على جميع الأصعدة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية، والأسباب التي جعلته يعمل في الصين بوصفه خبيرا بإذاعة الصين الدولية ومندوب إذاعة موريتانيا لدى إذاعة الصين الدولية، حيث يشرف على التحرير ويقدم النشرات والبرامج في هذه الإذاعة حاليا، وعمله في الصين لم يأتي بمحض الصدفة فقبله زارها عدة مرات في مهام مختلفة وكانت أول زيارة في عام 2009 حيث شارك في المؤتمر الثالث للشباب الصيني الإفريقي المنعقد  في بكين في الفترة ما بين 13 و21 من أغسطس 2009 والذي أشرف على افتتاحه في قاعة الشعب الكبرى رئيس مجلس الدولة الصيني السابق ون جيا باو وبحضور سفراء الدول الإفريقية المعتمدين في الصين الشعبية، ووقع كممثل عن الشباب الموريتاني على وثيقة كاملة أعدت من قبل الشباب الصيني الإفريقي تتضمن عدة توصيات من بينها ضرورة تفعيل التعاون بين الشباب الصيني الإفريقي، والتبادل التقني والتجاري والمعلوماتي بين الدول الافريقية وجمهورية الصين الشعبية وتم تقديمها إلى مؤتمر قمة الرؤساء الذي نظم في القاهرة في نفس السنة، وخلال تلك الزيارة التي استمرت نحو ثلاثة أسابيع شاهد ما تزخر به الصين من معالم أثرية وما شهدته من نهضة عظيمة على كل الأصعدة، وقد سافر رفقة الوفد المشارك في هذا المنتدى إلى العديد من المدن الصينية منها مدينة "اليونينك" حيث نظم زيارة للشركة الصينية للبناء، وهي الشركة التي أشرفت على إنجاز ميناء نواكشوط المستقل وقصر المؤتمرات في موريتانيا، ويعتبران من أكبر المشاريع الصينية في المنطقة وتلقى من قبل القائمين على الشركة شروحا تفصيلية عن تلك الأعمال، ومن بين المدن التي زارها أيضا مدينة "هاشان" ومدينة "داليان"، وقد أتاحت له هذه الفرصة التلاقي مع نخبة من الشباب الصيني، وقد عبر عن انبهاره بمستوى النضج الثقافي والعلمي الذي وصلت إليه الصين، كما زار، في عام 2010 الصين خلال ندوة شارك فيها العديد من الاعلاميين من مختلف القارات، وفي بداية شهر مايو من عام 2012 زار الصين كذلك رفقة وفد من الإعلاميين العرب في اجتماعات مع مسؤولين صينيين من ضمنهم وزير الخارجية الصيني ومسؤولين من وزارة التجارة وبعض الشخصيات السامية في شانغهاي وداليان، تلقى خلالها شروحا مفصلة عن السياسات الصينية ومواقفها الداعمة للقضايا العربية وبالخصوص القضية الفلسطينية وتبادل معهم وجهات النظر حول العديد من القضايا التي تهم الصين والعالم العربي، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي.

 

وقد غيرت هذه الزيارات التي نظمها للصين قبل العمل بها وجهة نظره بشكل كامل عن الصين التي كان الإعلام الغربي يصورها بشكل مخالف لما رآه، فوجد أن الصين عملاق اقتصادي يحسب له ألف حساب كما تأكد من خلال ما عبر عنه في مقالاته أن موقف الصين الخارجي يصب في مصلحة الدول العربية، وأنها الداعم الرئيسي لقضاياها العادلة كالقضية الفلسطينية التي تبذل الصين قصارى جهدها لإيجاد حل عادل لها، وفي ما يتعلق ببلده موريتانيا قال ولد سيدي محمد إن الصين من أكبر المساهمين في الرفع من مستوى البنية التحتية في موريتانيا، وقرر أن يكون ناقلا أمينا للدور الحقيقي للصين في البلدان العربية وبالخصوص في موريتانيا وذلك ما جعله يكتب العديد من المقالات في الصحافة الموريتانية والصينية، عن الدور الإيجابي للصين وعن السياسة الصينية المسالمة التي تعتمد على المصلحة المتبادلة المنفعة، وحول نفس الموضوع أيضا قام بإعداد برامج إذاعية في إذاعة موريتانيا عن العلاقات الموريتانية الصينية.

 

وعلى الرغم من أنه كان يشغل عدة وظائف في موريتانيا رئيس الموقع الالكتروني لإذاعة موريتانيا ومقدم نشرات وبرامج في الإذاعة، وكذلك محرر في وكالة نواكشوط للأنباء ومراسل لإذاعة البحر الأبيض المتوسط في موريتانيا، إلا أن الإعلامي الشاب عبد الرحمن ولد سيدي محمد قرر أن يساهم في تكريس العلاقات الصينية الموريتانية والانتقال من العمل في موريتانيا إلى الصين، بعد التوقيع على الاتفاق الذي جرى بين إذاعة الصين الدولية وإذاعة موريتانيا والذي من خلاله أصبحت إذاعة الصين الدولية تبث برامجها وأخبارها على موجة "الف م" في موريتانيا ليصبح منتدبا لإذاعة موريتانيا في الصين، وقد وصل إلى الصين للعمل في الشهر التاسع من سنة 2012 وأصبح مشرفا على التحرير ومقدم نشرات وبرامج في إذاعة الصين الدولية ومن أجل مواصلة النهوض بالعلاقات الصينية الموريتانية أجرى عدة حوارات لصالح إذاعة الصين الدولية مع شخصيات سامية وسياسية موريتانية وعربية، من ضمنها الرئيس الموريتاني، ووزير الاقتصاد والتنمية، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة سابقا، ووزيرة التجارة ووزيرة البيطرة، ورئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم ونائب رئيس الجمعية الموريتانية والسفير الموريتاني في الصين و الناطق الرسمي باسم الخارجية الموريتانية.... إلخ، وكانت كل هذه المقابلات تصب في صالح تكريس وتعميق روابط العلاقات الثنائية.

 

وقد أكد ولد سيدي محمد أن إستراتيجية موريتانيا في علاقاتها مع الصين هي الأقوى في سياساتها الخارجية ولا يمكن أن يؤثر فيها أي تقارب مع الدول الغربية، مضيفا أن موريتانيا تعتمد على الصين في مجالات مهمة تعتبر شريان الاقتصاد الموريتاني متمثلة في المعادن والثروة السمكية الهائلة التي تزخر بها الشواطئ الموريتانية وكذلك مجالات البني التحتية خصوصا الطرق والسدود والمنشآت العمومية، معتبرا أن الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تشهده موريتانيا، وما لعبه هذا البلد من أدوار رئيسية في التوسط في النزاعات الدولية خصوصا النزاعات الإفريقية بعد تولي الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز قيادة البلاد، حيث ترأس مجموعة من المنظمات الاقليمية والدولية، فقد تزامن استلامه الرئاسة الدورية لمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي مع اندلاع أزمتي ليبيا والكوت ديفوار وتولت موريتانيا بحكم رئاسة مجلس السلم قيادة لجان الوساطة الإفريقية في هذين البلدين كما نجح الرئيس الموريتاني خلال شهر يونيو عام 2013 في إنهاء الاقتتال بين الأطراف المالية المتصارعة خصوصا بين الجيش وجبهة تحرير أزواد، حيث أقنع الأطراف بالتوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار ولعب دورا بارزا للتخفيف من تبعات تلك الأزمات المستعصية، كل هذه الأدوار تجعل الصين التي تهتم بحل النزاعات بالطرق السلمية وعن طريق المفاوضات تهتم أكثر بتعميق التعاون مع موريتانيا وهو التعاون الذي يزداد باستمرار خصوصا بعد توجه القيادة الصينية حاليا إلى إحياء مسار الحرير وربطه بالمنطقة، خصوصا أن  الصين تهتم بشكل كبير بهذه القارة،و موريتانيا بوصفها دولة فاعلة في المنطقتين العربية والإفريقية وترأست الاتحاد الإفريقي وكذلك الجامعة العربية وتستعد حاليا لتنظيم القمة الإفريقية المقبلة في شهر يوليو المقبل.

 

  مرتاحة للاهتمام الصيني بهذه القارة واستعدادها لمواكبة تطور دول المنطقة والمساهمة في تنميتها من خلال دعمها لمشاريع عملاقة ستغير من وجه القارة.

 

إن الصين يضيف السيد عبد الرحمن ولد سيدي محمد تعتبر بالنسبة للموريتانيين شريكا حقيقيا فاعلا، باعتبار أن هذا البلد الصديق ليست له طموحات استعمارية، بل يتقاسم مع العديد من البلدان العربية والإفريقية نفس الخلفية التاريخية، بوصفه شريكا يقدم دعما مهما بدون أية شروط مسبقة، بل إن الصين تتفهم أولويات شعوب المنطقة، وتحترم خصوصيات وثقافات الآخرين وتعمل جاهدة للمساعدة من خلال تقديم الدعم البشري والمادي، وذلك ما جعل الشعب الموريتاني يثق أكثر في جمهورية الصين حكومة وشعبا.

 

لقد ساعدت الصين موريتانيا في بعض المجالات الحيوية من خدمات عامة وبنية تحتية مثل الطرق، ومبانٍ ومستشفيات ومدارس وفي مجالات الطاقة، وتعوَّد الكثير من الناس على سرعة توزيع الخدمات من قبل الشركات الصينية، وشعروا بالمزيد من الرغبة في التعامل معها، كما أن موريتانيا منحت الصين امتيازات مهمة من خلال اتفاقيات تسمح لها في الاستثمار في مجالات التعدين والصيد والطرق والبنى التحتية.

 

وتعتبر الزيارة  التي قام بها الرئيس الموريتاني في شهر دسمبر من عام 2011 للصين إشارة واضحة لترسيخ وتوطيد أواصر هذه العلاقات الممتدة عشرات السنين، حيث حضر الرئيس الموريتاني منتدى التعاون الاقتصادي والتجاري الصيني العربي في نينغشيا باعتباره الزعيم العربي الوحيد الذي حضر هذا المنتدى، وكذلك الزيارة التي قام بها أواخر 2015 للبكين والتي تباحث خلالها مع القيادة الصينية حول سبل تعزيز وتعميق العلاقات الثنائية، وشهدت توقيع العديد من الاتفاقيات المهمة من ضمنها إلغاء التأشيرة على الجوازات الدبلوماسية وجوازات العمل، وهناك تطابق بين موريتانيا والصين في وجهات النظر حول القضايا المهمة إلى جانب التنسيق وتبادل الدعم بينهما فى الشئون الدولية، كما تلتزم موريتانيا بشكل ثابت بمبدأ صين واحدة وترفض إجراء أى اتصال مع سلطات تايوان وتؤيد بشدة احترام سيادة الصين على كامل أراضيها وعدم تدخل الآخرين في شؤونها الداخلية.

 

وسبق للصين وموريتانيا أن وقعتا سلسلة من الاتفاقيات حول اعتراف موريتانيا باقتصاد الصين الموجه للسوق ومنح الصين رسوما تفضيلية لموريتانيا، كما قدمت الصين قروضا ومساعدات مختلفة لموريتانيا. وفى ظل هذه البرامج، ساعدت الصين موريتانيا فى مشروعات من بينها بناء ميناء الصداقة وقصر المؤتمرات ومبنى مكتب الرئاسة بالإضافة إلى مشاريع تتمثل في بناء مبان حكومية ومستشفيات ومدارس، كما شهدت التبادلات التجارية بين البلدين تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة، حيث ارتفع حجمه من 600 مليون دولار سنة 2008 إلى ما يقرب المليارين حاليا، كما أن حوالي 60% من صادرات الحديد الموريتاني تستوردها جمهورية الصين، وقد بدأت الاستثمارات الصينية تدخل مجالات جديدة من بينها تصنيع المنتجات السمكية.

 

كما شهد التعاون في مجال الثقافة والتعليم تقدما كبيرا من خلال البعثات العلمية بين البلدين وكذلك وجود قسم باللغة الصينية في جامعة نواكشوط يخرج سنويا عشرات الطلاب، كما أن الجامعات الصينية تستقبل سنويا عشرات الطلاب الموريتانيين، يدرسون في مختلف التخصصات والشعب.

 

في منتصف  سبتمبر 2017 كان عبد الرحمن سيدي محمد في زيارة مع عدد من  الصحفيين  الصينيين والأجانب  في زيارة لمدينة تشينهوانغداو شمال الصين، وأجرت معه وسائل الاعلام الصينية المحلية عدة حوارات عبر خلالها عن ارتياحه لهذه المناظر الخلابة التي تزخر بها المدينة وما شاهده من معروضات في متاحف المنطقة يبين المستوى الثقافي الذي وصلت له الصين. وقال للمضيف الصيني: "إنه  من المعلوم أن 2/3 من أراضى موريتانيا صحراء. وبالنسبة لنا فإن الأخضر يرمز للحياة والأمل. وحكومة المدينة لديها فكرة جديدة للحكم هي "أن الجبال الخضراء والأنهار الزرقاء هي جبال ذهبية وفضية" فاستفادت من البيئة الطبيعية للبلدة الصغيرة لبناء مجمع الرعاية الصحية، وحولت  الموارد الطبيعية إلى فوائد اقتصادية واجتماعية. وهذا يستحق أن نتعلم ونستفيد منه.