على مدار الساعة

قداسة الرأي خطر يلاحق الدستور

6 مارس, 2017 - 14:11
سيدي محمد محمد يحيى

يعتبر دارسو القانون الدستوري التعديل إجراء طبيعيا يفرض نفسه في بعض الأحيان، لأن الدستور وإن كان ساميا، إلا أن ذلك لا يعني خلوده وصلاحيته لكل زمان، بل على العكس من ذلك فقد تقتضي المستجدات، وتغيير الظروف المحيطة بالمجتم ، تعديل الدستور من أجل التكيف والملاءمة مع تلك المستجدات.

ولكي تكون الدساتير فعّالة لا بد أن تتطور وتتغير بتغير الظروف، ولا يتأتى ذلك إلا إذا تضمنت نصوصا تسمح بمراجعتها من حين لآخر وهو ما جعل المشرع في دستور 1991 المعدل 2006 ينص في الباب الحادي عشر في المواد 99 -100 - 101 على طرق مراجعة وتعديل الدستور آخذا في تلك المواد بمبدأ الحظر الموضوعي.

وحسنا فعل المشرع في هذا الباب لأن الجمود المطلق قد يؤدي إلى تغيير الدستور بالعنف وتلك طامة لا يتحكم فيما ستؤول إليه.

ومن هذا الباب دلف أنصار التعديل الحالي إلى الدستور مرددين عبارة الرئيس الشهيرة "الدستور ماه وحي" متجاهلين أن الدستور من أهم لبنات الديمقراطية الحديثة وأن تغييره لابد له من ضرورة ملحة، معتمدين في ذلك على إجراءات قد تكون سليمة من الناحية القانونية الصرفة، هذا إذا استثنينا طبعا، الطريقة التي قدم بها مشروع المراجعة التي نصت المادة 99 من الدستور على أنها من اختصاص رئيس الجمهورية أو البرلمان وهو ما لم يتبع، حيث تم تقديم المشروع من طرف الحكومة في شكل قانون حمل رقم 117\17 بناء على نتائج ما بات يعرف بالحوار الوطني الشامل. وفي هذه الجزئية بالذات خرق سافر لمقتضيات المادة 99 أعلاه.

ومهما تكن سلامة تلك التعديلات من الناحية القانونية، إلا أنها تبقي السؤال مطروحا: لماذا هذه التعديلات، واللعب برموز وطنية مهمة في تجاهل أزمات موريتانيا الكبرى "السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والترويج للعبث بالدستور بشكل أحادي".

من خلال تلقف أتباع النظام للتعديلات الحالية يتضح جليا أن قداسة الرأي وطبيعة الحكم المطلق يلاحقان الدستور هذه المرة.

حين يكون الحاكم معتدا برأيه، غير آبه بآراء الآخرين، حتما سيقتل داء الاستبداد كل شيء بما في ذلك الدستور والرموز الوطنية، يمكن القول بأن قداسة الرأي بدأت تلاحق الدستور الموريتاني يوم انطلق الأشياع في المدائن شارحين لخطاب النعمة الشهير الذي تحدث فيه الرئيس مغاضبا عن ضرورة إلغاء الغرفة الثانية من البرلمان الموريتاني.

والحقيقة التي يغفل عنها أنصار الاستبداد عموما، أنه لو كانت - قداسة الرأي وعدم احتمال مجانفته الصواب لمجرد أنه رأي القائد الملهم – تنفع، لما سقطت ألمانيا هتلر، وإيطاليا موسوليني، فهؤلاء كانوا زعماء تجري الوطنية في عروقهم مجرى الدم، ولديهم مستوى من العبقرية والإقدام لا يستهان به، ولكن هذه الميزات العظيمة راحت سدى بسبب الاعتداد الأخرق بالرأي بالإضافة إلى فهم الأتباع للزعيم بأنه منحة إلهية وأنه كل شيء.