على مدار الساعة

للإصلاح كلمة في اليوم العالمي للغة العربية المبعدة من الإدارة الموريتانية

11 مارس, 2017 - 11:17
بقلم الأستاذ / محمدو بن البار

كلمة الإصلاح كانت قد قرأت في هذه الأيام كثيرا من العناوين تتعلق باليوم العالمي للغة العربية، وكل هذه العناوين تشيد بهذه اللغة العربية وأصالتها ولصوقها العضوي بالدين الإسلامي حيث اختارها الله وعاء واسعا وطاهرا لكلامه جل جلاله في آخر رسالة منه إلى كل الإنسانية في الدنيا وحتى تـلقي هذه الإنسانية ربها يوم القيامة ليجازيها بامتـثال أو عدم امتـثال ما جاء في هذه الرسالة معبرا عنه باللغة العربية من الله مباشرة إن خيرا فخير وإن شرا فـشر.

 

ولكن ما يلفت النظر من ما هو خاص بموريتانيا هو هذا التصميم المميت لعقول وألسنة وفكر المسؤولين في الإدارة الموريتانية، دون العمل أو تطوير أو إدخال هذه اللغة في مكاتبهم مع أن كل ما تـقدم في هذا العنوان من الالتصاق العضوي بين هذه اللغة والدين الإسلامي ينطبق على العقيدة الموريتانية كل الموريتانيـين حتى من ناحية عروبتهم التي سجلوها رسميا بمجرد اعتراف الدول العربية بوجود الدولة الموريتانية، وأدخلوا جسم الدولة دون إدارتها في ما كان يسمى بالجامعة العربية التي أصبحت الآن أثرا بعد عين وأصبحت أحسن أسمائها هو أشلاء دول عربية تحت اسم الجامعة العربية.

 

فعروبة موريتانيا نـتيجة تمسك كل شعبها بالدين الإسلامي ولغـته أشهر من أن تذكر.

 

فإن لكل الشعب الموريتاني من التمسك بهذا الدين ما كان يمنع أبناءه المسيرين لهذه الإدارة من رؤساء ووزراء ومدراء ورؤساء مصالح وكتاب عامون وخصوصيون إلى آخره العاملين في تلك الإدارة الفرنسية في نطقها وكتابتها (الموريتانيون في جنسيتها ومسكنها) من التمسك بالدين الإسلامي هم وآباؤهم ما يجب أن يمنعهم من الانسلاخ العملي والفكري من العمل بهذه اللغة الواسعة الطاهرة في مكاتبهم ويتخاطبون بها أثناء عملهم، ومن المعروف أن المخاطبة بـينهم بلغتهم الحسانية لغة الأغلبية يعد مخاطبة باللغة العربية أثـناء العمل لعدم الفارق بـين اللغتـين.

 

فهذا الإجراء هو السائد في جميع الدول وهو المخاطبة بين أفرادها باللغة المحلية التي تـتـكلم بها الأغلبية في الشعب حتى أن دولة السنغال المجاورة لنا الذين لا لغة لإدارتهم غير الفرنسية لا يتـكلمون فيما بـينهم أثـناء عملهم الإداري إلا باللغة الولفية التي يفهمونها جميعا مع العلم أن لهجاتهم المحلية الشعبـية الداخلية أكثر من عشرين لهـجة.

 

إن الموريتانيـين جميعا لا يعرفون ولا يعرف آباؤهم إلى كثير من القرون خلت غير الدين الإسلامي وغير اللغة العربية التي أخذتها العقول الموريتانية بقوة وتمسكوا بها تمسكا لا يفرق بـينهم وبـينها إلا لقاء ربهم.

 

وبالرغم من هذا التلاحم التـليد بين هذا الشعب كله وبين الشعب الموريتاني والانــتساب إلى العروبة إما بالأصالة أو النطق بالعربية سليقة (كما تعرب بذلك نبي الله إسماعيل عليه السلام الذي لا يمت إلى العروبة بصلة) غير نطقه لها سليقة من صغره بسبب سكناه في قبـيلة جرهم العربية مع أنه هو والد النبي صلى الله عليه وسلم النبي العربي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته.

 

وعلى العموم فإن التصاق هذا الشعب كله بالدين الإسلامي مع نطق غالبية الشعب بالعربية سليقة تجعله كله عربا لصعوبة فصل العروبة عن الإسلام وعن العرب الذين اختارهم الله على علم ليرسل عن طريق واحد منهم وبلغته رسالته الأخيرة إلى العالم.

 

وبالرغم كذلك من كل هذه الحقائق المتقدمة ـ فإن للإنسانية في الدنيا توجه آخر أذن الله فيه لملعون الدنيا والآخرة اسمه الشيطان ـ وقد أمره الله وأذن له في أن يجلب على هذه الإنسانية بخيله ورجله ويشاركهم في الأموال والأولاد ويعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا.

 

هذا الأمر من الله للشيطان وإذنه في تـفعيله وتأثيره في بعض الإنسانية أخذت منه الإدارة الموريتانية حظا وافرا من التبعية التـنفيذية وهو تـلبسها دائما بجريمة نزع اللغة العربية من مكاتبها وعلى جميع المستويات مع أن هذه اللغة هي المكتوب في دستور هذه الدولة أنها اللغة الرسمية الوحيدة لهذا الشعب كله، وحتى أن لغة المستعمر التي جعلتها الإدارة الموريتانية مكان لغة الدين والوطن لم تذكر في الدستور لا تصريحا ولا تـلويحا.

 

وبناء على هذه المعاملة للمادة السادسة من الدستور المتعلقة بخصوصية جعل اللغة العربية هي وحدها الرسمية دون العمل بها كان يمكن للإدارة التـنفيذية للدولة الموريتانية الآن أن تـترك مادة العلم والنشيد على صيغـتهما الحالية بين مواد الدستور وتجعل خطها الأحمر في العلم وتدخل أبياتها في النشيد بدون حوار شامل أو استـفتاء شعبي مثير أو مجمع برلماني بدون أن تكون هناك أي زوبعة معارضة من غالبية الشعب لهذا الإجراء كما فعلت ذلك بمادة ترسيم اللغة العربية.

 

ومن المؤسف أن هذه الجريمة المستمرة التي تـتـلبس بها الإدارة الموريتانية بلغت الآن 57 سنة وبدلا من أن تـكون بدأت تدخل أرذل العمر وتـتـلاشي من الإدارة الموريتانية فإن من دخل أي إدارة يجدها كأنها بلغت أشدها الآن.

 

فأي فضيحة أعظم من أن وزيرة الإسكان الآن قطعا ولدت بعد الاستـقلال ومع هذا فإن مخاطبتها لجماهير الشعب في قضية تأهيل السكان توحي رؤيتها بأنها بنت عربية موريتانية ولكن نطقها يوحي بأنها تربت في فرنسا من مهدها إلى الآن فأكثر من 50% من مخاطبتها للجماهير هي مصطلحات باللغة الفرنسية لم يـفهم جماهيرها ولا المستمعين لها من ساكني الأحياء الشعبية إلا ما قالته بالعربية الفصحى أو الحسانية ولكن قـليل ما هو، وذلك نـتـيجة أن من دخل وزارتها هي وأمثالها من الوزارات فسوف لا يجد إلا أصحاب الشمال في الكتابة ولا مخاطب إلا باللغة الفرنسية ولا وثيقة معطاة لمن لا يعرف ما فيها إلا بالفرنسية فلو كان الهواء الموريتاني والإدارة الموريتانية زوجين يسكنان في منزل واحد لما تفاهما إلا بالإشارة، وأبشرها بأن أمثالها في موريتانيا كثيرون من الرئيس إلى البواب في الإدارة الموريتانية.

 

فالهواء الموريتاني مليء بالخطابة بالعربية الفصحى سواء عن طريق الإذاعة الرسمية أو الحرة أو الإذاعات المتـلفزة وغيرها وخطابات كل من الرئيس والوزراء والمدراء ورؤساء المصالح حتى يظن المستمع أنه لا يعرف غيرها بمعنى أن من يريد أن يتـكلم بها في أي موضوع خارج مكتبه فلا يتكلم إلا باللغة الفصحى التي تخجل قس من ساعده لفصاحتها ومع ذلك إذا دخـلت إدارة هذا المتكلم فإذا هي الرطانة الفرنسية هنا وهناك نطقا وكتابة لا فرق بين مكاتب إدارتنا ومكاتب إدارة المدن الفرنسية، فالمتفرنسون فكـرا أو ضعف شخصية أو محاكاة أو تبعية: الجميع أخرج الإدارة الموريتانية من محيطها الثـقافي المعبر عنه في الهوى الموريتاني من كثرة المواقع بالعربية والجرائد والمحاضرات إلى آخره.

 

ومن المؤسف كذلك أن هذه التبعية العمياء والتمسك بهذه اللغة الفرنسية في الإدارة لا يكلف التخلص منه إلا الإرادة الوطنية والإدراك المستـنيـر بأن اللغة غير الوطنية أجنبـية على الإدارة وهي جزء من الاستعمار فالإذن لها بالاستمرار داخل الدولة في جميع مفاصل إدارتها يستـلزم التغاضي عن دخول كل أجنبي لوطنـنا بدون استـئذان، فما هو الفرق بين جنسية أو جسم الشخص الأجنبي الداخلي للدولة واللغة التي يتـكلم بها؟ وتغـيـير كل هذا يسير على من يسره الله عليه فكرا ووطنية وعزما وحزما فكل إدارة في الدولة هي عبارة عن مكاتب لا تحتاج لفنية ولا لتخصص.

 

فكل إدارة يسيرها وزير إما بالأصالة أو وصي عليها وتحته مدراء ورؤساء مصالح وكتاب وكل هؤلاء لا يعمل في إدارته بالمعجزات.

 

فالذي أمام هؤلاء يوميا ملفات تدرس وأوامر تعطى مكتوبة أو تسجيل للرسائل الصادرة من الإدارة والواردة عليها، وكل هذا العمل يكفي في إنجازه كل من يحمل شهادة الدروس الابتدائية في أي لغة، أما دراسة الملفات والتـقارير المتعلقة بها فيكفي في إنجازها كل من حصل على الثانوية العامة ولا سيما الشهادة العالمية وهؤلاء كثيرون بالعربية وجاهزون للعمل باللغة العربية ولكن محرومين من ذلك وكأنهم شبه أميـين، أما الأميون المتفرنسون فهم الذين يسيرون الإدارات.

 

أما الأوامر بالتـكليف بأي مهمة فيكفيها كتابة سطرين بالعربية وأما الأرقام والتاريخ فـتستوي في كتابتها كل لغة مثـل التوقيع والطابع.

 

وهنا أضع هذا السؤال: فلماذا هذا كله معرب في إدارة الشؤون الإسلامية وأكثر إدارات وزارة العدل ولم يعرب منه في الوزارات الأخرى كلمة واحدة مثـل الإسكان والمياه والطاقة والرئاسة ورئاسة الوزراء إلى آخره.

 

فمن المعلوم أن كثيرا من حاملي الشهادات العربية المتوسطة التاركين للدراسة في وسطها قادرون بجدارة على تسيـير هذه الإدارات باللغة الوطنية للبـلد كما أنه من الظلم الفاحش لبعض المواطنين أنهم يقدرون على هذا العمل ومحرومون منه بسبب أنه لا يزاول إلا باللغة الأجنبية فإذا كان لا بد من دوام وجود تـلك اللغة في الإدارة فلا بد من قيام دراسة تأخذ للمواطنين الناطقين بلغة وطنهم حقهم من العمل في الإدارة ويمكن بهذه الدراسة أن تخرج بالنتيجة التالية وهي إحصاء أصحاب الشهادات القادرين على هذه الإدارة سواء بالعربية أو الفرنسية وتقسم عليهم إدارات الوزارات بالسوية أو يصدر حل آخر بتبادل العمل باللغتين في كل سنة فسنة لتسيـير الإدارة بالعربية وسنة بالفرنسية مثـل التوقيت الصيفي والشتوي في بعض البلدان، ويكون هذا التبادل عام ومفروض على كل هيئة موريتانية سواء كانت حكومية مثـل الشركات الحكومية أو الخصوصية مثـل عيادات الأطباء والصيدليات وشرائك المواصلات إلى آخره.

 

وهنا أنبه كل موريتاني حتى لا يستـغرب من هذا الواقع المؤلم وهو أن الموريتاني بعد 57 سنة من الاستـقلال ما زالت أسماؤهم تكتب في الرسائل وفي المسابقات ونتائج المسابقات في كل وزارة وفي كل إدارة بالحروف الـلاتنية مثـل: محمد وأحمد وجبريل وفاطمة وعائشة وفات وكامرا إلى آخره، وما زال يعطي لبعض الموريتانيـين صلحا أو تـقريرا في قضية تهمه ولا يعرف ما في هذا الصلح أو التـقرير.

 

ومن هنا أعود إلى الوزراء لأنبه أن الإدارة الأولى لموريتانيا التي استـقـلت وليس في موريتانيا من يحسن الإدارة بالعربية فقد صممت آنذاك على تعريب الإدارة وعلمت أن تعريب الإدارة لا يـبدأ إلا من المسؤول الأول عن تـلك الإدارة فأصبحت تعـين رئاسة بعض القطاعات ومن جميع فـئات الناطقين بالعربية وقالوا آنذاك أن سبب هذا التعـيـين لرؤساء المؤسسات الناطقين بالعربية لأجل التعريب فهم كل ما أخذوا دفعة جديدة بالعربية يفرنسها رئيسها المتفرنس حتى أن أول زيارة للمرحوم المختار بن داداه للجزائر قبـل حرب الصحراء جاء من عندهم بكثير من الشكـليات المعربة في زمن بو مدين الذي عرب الجزائر في زمنه، وفرق الشكليات على الإدارات وعند مجيئه أنشأ إدارة ترجمة تابعة للرئاسة.

 

ومن هنا أعود لمهزلة أو مضحكة ما سمعناه هذه الأيام من إنشاء مركز مغاربي للدفاع عن اللغة العربية وأنه نـقـل مقره إلى موريتانيا، فالذي يجب أن ينـقـل إلى موريتانيا هو مركز إنقاذ وإسعاف اللغة العربية في إدارة موريتانيا خاصة، فدول المغاربة يميزون بين ما هو وطني ولا يكتب إلا باللغة العربية الوطنية فالإدارة التي تـتخاطب مع الشعب يوميا لا مكان للغة الأجنبـية فيها فكان على أعضاء هذا المكتب إذا كانوا يدافعون حقا عن اللغة العربية في موريتانيا أن ينفذوا هذا الاقتراح التالي:

 

أولا: يقومون بإحصاء لحاملي الشهادات باللغة العربية والفرنسية من الابتدائية إلى الدكتوراه وتـقابل اللوائح ويطلبون فتح مسابقة للعمل في جميع أسلاك الإدارة من الإطار إلى نهاية أسلاك الأحرف ويدخلون على كل إدارة داخل حدود موريتانيا سواء كانت عامة أو خاصة ويبحثون عن شهادة عمالها فأيهما أعلى شهادة يكون أحق بذلك العمل.

 

ثانيا: يقومون بـبحث في القوانين لما تعطيه مادة ترسيم اللغة العربية من الهيمنة على اللغات الأخرى داخل الوطن: ما يجوز كتابته باللغة الوطنية وما لا يجوز.

 

ثالثا: يقومون بدراسة منهج التعليم في موريتانيا وما يجب أن يكون عربيا في الوطن يكون هو المقـرر دراسته وتكون دراسة اللغات الأجنبية الأخرى أيا كانت لتعـلم النطق بها فقط، أما المادة العلمية فيستوي العمل بها في كل لغة وكل دولة تـتـعـلمها بلغتها.

 

أما الواقع الحالي فإن هذا المكتب للدفاع عن العربية عندما يدخلون كل إدارة فسيجدون السجلات مفرنسة سواء من الرسائل من أي شكل ويقولون ويسألون هذه الإدارة هل نحن الآن في موريتانيا أو في فرنسا؟ ولكن حذار أن يلبسوا عزيمة الوزير الأول السابق في فعلهم.

 

فهذا الوزير عندما أمر الوزراء بتعريب إداراتهم فتحت في وجهه أعين حمراء ونهروه عن ذلك فرمى لهم الفكرة الوطنية وأخرجها من قلبه نهائيا واعتذرت الدولة عنها أو فسرتها تـفسيرا يغمض الأعين الحمراء، مع أننا سنة89 عندما وقعت الأحداث المؤلمة لا أعاد الله بها لم تـتـكلف الإدارة آنذاك إلا أمرا واحدا بالتعريب فـتعرب كثير من الإدارة حتى البرقيات فيما بين الولايات إلا أنه بعد ذلك ذهبت العربية بتـغيـير التعليم إلى أسفل سافـلين بقرار تفرنس المواد العلمية وكادت أن تذهب الدولة مع العربية إلا أن إعادة بعض الدولة لم تـعـد معها العربية ولم يبق إلا أن أسجل موقفين وطنيـين في شأن اللغة أحدهما وطني والآخر أجنبي، فالوطني هو ما قام به نائب من قبـيلة أدوعيش لا أتذكر اسمه عند الاقـتراع أيام الاستـقلال هل اللغة الرسمية تكون فرنسية أو عربية؟ صوت هذا النائب وحده على العربية قائلا بالحسانية: (أنا لا اروح منها أعشاي) لكني أصوت لها لأنها لغة ديني ووطني.

 

أما الموقف الثاني فإن هنديا شارك بلغة وطنه في مسابقة لجائزة في انـكلترا ونجح هو الأول إلا أنهم قالوا في لندن أن الجائزة لا تعطي إلا باللغة الانـكليزية وعليه أن يترجم عمله إلى الانـكليزية فامتـنع قائلا إن سمعة لغة وطنه يختارها عن الجائزة وفي ذلك فـليتـنافس المتـنافسون.