على مدار الساعة

الرقية.. مظهر الأزمات الدينية والحضارية

13 مارس, 2017 - 08:28
المختار نافع حبيب ـ كاتب صحفي

أصبحت ظاهرة ما يسمى "الرقية الشرعية" تنشر في عالم المسلمين اليوم بشكل لافت سواء في ذلك "المحلات" التي تنشر في أحياء المدن جنبا إلى جنب محلات الخدمات المادية، أو في الفضاءات الإعلامية القديمة والجديدة التي أفرزت نجوما يضاهون شهرة نجوم الفن أو يفوقون.

 

هذا الانتشار الواسع في العرض يظل مع ذلك دون مستوى "الطلب" المتزايد يوما بعد يوم، وهذا ما جعل من خدمات "الوساطة" لإيصال العرض إلى أكبر جمهور فرصة استثمارية تشتغل عليها قنوات ووسطاء إشهار يستخدمون الوسائط التقليدية والحديثة.

 

عن الرقية –إذن- بهذا الحجم وعلى هذه الكيفية نتحدث حين نقول إنها إفراز لتراكم الأزمات الدينية والحضارية التي تضرب بكلكلها على واقع الأمة وتنعكس على الأفراد في صورة انتشار للقلاقل النفسية  وتعلق بالأوهام.

 

يعني هذا أيضا أننا لا نتحدث عن حكم هذه الرقية في أصله، فمذاهب العلماء في المسألة معروفة مع أن الواقع الجديد لممارسة الرقية القائم على البزنسة وخلق الأجواء المناسبة لتقدم الروبيضات و نشوء طبقة دينية مخابراتية- هذا الواقع الجديد ينبغي أن يكون مدعاة للعلماء لإحياء المذاهب المشددة في الرقية وخاصة في التكسب بها سدا لذريعة تشويه الدين.

 

أما كون هذه الرقية انعكاسا للأزمات الإيمانية والحضارية التي تعيشها الأمة فمن ذلك:

  • أن الأصل الإيماني أن المسلم لا يحتاج لأي وساطة بينه وبين الله كي يتحقق رجاؤه فالله سبحانه وتعالى قريب مجيب وهو القائل "ادعوني استجب لكم" وهو القائل "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني".

 

نعم! لا يتنافى مع هذا أن يطلب المسلم الدعاء ممن يظن به استجابة الدعاء، ولا يتنافى مع أن يقرأ المسلم على أخيه من القرآن، لكن يبقى ذلك في إطاره المعتاد أما أن يتحول إلى ظاهرة ويصبح لجوء الناس إلى كل من هب في القنوات الفضائية أو دب في المحلات التجارية أقوى من لجوئهم إلى خالقهم فتلك أم الأزمات.

  • أما مظهر الأزمة الحضارية فإن حجم الخيبات الاجتماعية التي تدفع بجموع "المسترقين" إلى البحث عن الملاجئ النفسية عند الغالبية الساحقة من الرقاة الذين لا يعرفون عنهم أي شيئ لهي ظاهرة وثيقة الصلة بالارتكاس الحضاري الذي تعيشه الأمة، وما ينتج عنه من انتشار الجهل الذي يحمل على التصديق بالخرافات، والفقر الذي يضاهي الكفر، والمرض الذي ينشر اليأس.

 

إن هذا الواقع المتردي بأسبابه الوثيقة الصلة بالأزمات الدينية والحضارية، ونتائجه المكرسة للتخلف والجهل والصانعة للرويبضات المتخادمة مع الاستبداد لجديرة أن تلفت نظر الاتجاهات التجديدية والإصلاحية و-حتى الاتجاهات العلمية التقليدية- إلى ضرورة مراجعة إفتاءاتها المتصالحة مع الممارسة الظاهرة للرقية حتى يتميز الحق من الباطل والدجل من الدعاء.