على مدار الساعة

هل تُفرط إدارة ترامب في مصالح أمريكا بإفريقيا؟

14 مارس, 2017 - 10:52
سيدي ولد عبد المالك-كاتب و باحث موريتاني متخصص في الشأن الإفريقي

تعتبر ملامح السياسة الأمريكية الجديدة بإفريقيا في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب ومدى تأثير التوجه الجديد على العلاقات الأمريكية-الإفريقية التي عرفت حركة نشطة في المجالات الاقتصادية والعسكرية أحد أهم التحولات الدولية التي من المتوقع أن تطبع علاقة القارة السمراء بباقي قارات العالم وكتله المؤثرة. إذ من المحتمل أن تؤثر سياسة “العزلة” التي يتبناها ترامب على تراجع النفوذ الأمريكي بإفريقيا، بعد أن تعزز هذا النفوذ بالقارة السمراء على مدار العقود الأخيرة.

 

ومع أن ترامب لم يعلن لحد الساعة عن محددات سياسته الخارجية في إفريقيا، فان الاتجاه السائد يُعزز انحسار الدور الأمريكي في إفريقيا، حيث كشفت صحيفة نيويورك تايمز قبل أسابيع عن وثيقة رسمية أكدت توجه الولايات المتحدة الأمريكية لتقليص تدخلها بإفريقيا وخفض المساعدات التي توجه للتنمية بالقارة السمراء، مشيرة أن فريق ترامب تقدم باستبيان لمسئولي السياسة الإفريقية بالخارجية الأمريكية من أجل رسم ملامح السياسية الأمريكية الجديدة تجاه إفريقيا.

 

توجس و ترقب

 

يتوجس القادة السياسيون والنخب الإفريقية لحد الساعة من سياسة ترامب المعروف بسخريته من الأفارقة أثناء حملته الانتخابية، قائلا ساعتها إنهم “بحاجة لإعادة الاستعمار لمائة عام أخرى لأنهم لا يعرفون شيئا عن القيادة والاستقلال”، ووصفهم بـ”الكسل والغباء والشره للطعام والهوس بالجنس والعنف.

 

ويتعزز هذا التوجس في رسائل ترامب السلبية تجاه إفريقيا بعد تنصيبه، كاتصاله المتأخر ببعض القادة الأفارقة (اتصالان هاتفيان لحد الآن برئيسي نيجيريا وجنوب إفريقيا)، وتكذيب فريقه لبيان صحفي صادر عن مكتب رئيس الكونغو دنيس ساسو انغيسو أكد فيه مكتب دنيس ساسو انغيسو قبول ترامب لاستضافة نظيره الكونغولي كأول ضيف خارجي على ترامب بعد فوزه.

 

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: هل إدارة ترامب مستعدة للتفريط في المصالح الأمريكية الجيو-إستراتيجية والاقتصادية المتنامية في قارة يزداد الاهتمام العالمي بها في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ، وتتسابق الدول الكبرى لإحراز مواقع إستراتيجية واقتصادية جديدة، أو لتعزيز الحضور في إفريقيا التي تمتلك الكثير من الخيرات والثروات والموارد البشرية، و باتت وجهة كبار اللاعبين الدوليين من أجل التصدر.

 

براغماتية مكشوفة

 

انتهج ترامب في برنامجه الانتخابي وخطاباته الدعائية أسلوبا يركز على أولويات المواطن الأمريكي على حساب الاهتمامات الخارجية التقليدية للولايات المتحدة الأمريكية. لذا فالاهتمام بإفريقيا لا يبدو حاضرا في أولويات ترامب، الذي يبدو أنه يؤسس لمرحلة جديدة ناظمة وحاكمة للدور الأمريكي بإفريقيا.

 

نمط السياسية الأمريكية الجديدة بإفريقيا يزاوج بين حماية المصالح المباشرة للولايات المتحدة الأمريكية بالقارة الإفريقية من جهة والتكيف مع دبلوماسية جديدة بعيدا عن التورط والتدخل المباشر بالشؤون الإفريقية من جهة أخري تماما كما تفعل بعض القوى العظمى المتدخلة بإفريقيا كالصين مثلا.

 

فوثيقة فريق ترامب لتحديد ملامح السياسية الخارجية الأمريكية بإفريقيا تساءلت من بين أمور أخرى عن مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية في التورط بالقضايا التي لا تشكل خطرا عليها كالمصلحة من تعقب الاستخبارات الأمريكية لزعيم جيش الرب جوزيف كوني بأوغاندا مادام لم يستهدف مصالح الولايات المتحدة الأمريكية.

 

و ترامب نفسه قد أعلن أن خفض المساعدات التنموية الموجهة للخارج، والتي تمثل 1% من الميزانية الفيدرالية، وكانت حصة إفريقيا من هذه المساعدات مرهونة في الغالب باحترام قضايا حقوق الإنسان وتنمية الديمقراطية.

 

و تتجسد هذه الرؤية الأمريكية أكثر فأكثر مع مرور الوقت ويعتبر اختيار ريكس تيليرسون على رأس الدبلوماسية الأمريكية أحد شواهد هذا التوجه، فالرجل يُعد من الأمريكيين القلائل الأكثر خبرة ومعرفة بإفريقيا من زاوية المصالح الاقتصادية بحكم إدارته لعملاق النفط الأمريكي اكسون موبايل وإشرافه على العديد من المشاريع النفطية بإفريقيا.

 

و يُعرف تيليرسون بنظرته البراغامانية حيث استطاع بناء علاقات بزعماء بعض الدول الإفريقية المصدرة للنفط كنيجيريا وأنغولا وتشاد والموزمبيق بغض النظر عن الأحوال السياسية والاجتماعية الداخلية لهذه الدول.

 

و لا يعني تراجع الاهتمام الأمريكي بإفريقيا أو على الأصح مرونة أو عدم اكتراث واشنطن بقضايا التنمية وملفات حقوق الإنسان والديمقراطية بإفريقيا أنها ستتخلى عن الملف الأمني بإفريقيا خاصة ما يتعلق منه بمحاربة الجماعات الإسلامية المتشددة، لأن موضوع “محاربة التطرف الإسلامي” يشكل أحد أولويات برنامج ترامب الانتخابي في إطار سياسته الخارجية، وذلك في الوقت الذي تعزز فيه تدخل الولايات المتحدة الأمريكية العسكري بإفريقيا في الملفات المتعلقة بمحاربة هذه الجماعات وامتلاكها لقاعدة عسكرية بجيبوتي وإنشائها لقاعدة عسكرية جوية مؤخرا في النيجر لتمكينها من رصد الحركات الجهادية الناشطة بمنطقة الساحل.