على مدار الساعة

تعجل الرئيس فصوت الشيوخ بـ"لا"

21 مارس, 2017 - 17:11
أحمد محمد عبد الحي

وأخيرا رفض مجلس الشيوخ التعديلات الدستورية. وأخيرا أيضا تنفست "شبه" المعارضة عندنا الصعداء وحق لها أن تقول: "ما أبردها على قلبي". وربما زادت: "كج ولد عبد العزيز".

 

ولكن، وبعد أن حصل ما حصل، ألم يكن من السذاجة بمكان أن يطلب من مجلس الشيوخ التصويت على محو نفسه بنفسه من الوجود؟ أليس من طبيعة الأشياء وفطرة الكائن الحي التي جبل عليها ـ سواء كان انسانا أو حيوانا حتى الحشرة ـ غريزة حب الذات وحب البقاء؟

دعونا من المصالح العليا للوطن والمواطن ونكران الذات وتقديم المصلحة العامة على الخاصة والزهد في الدنيا والتفاني في خدمة الأمة.. وما إلى ذلك من خطاب "موسوس ومليء بالألفاظ الرنانة" على حد تعبير ت. س. أليوت(The Love Song of J. Alfred Prufrock 115/116)

 

لا. لا أبدا. لا ترفعوا القوم فوق مستواهم يا سادة. فما يهم غالبية الشيوخ هو بكل بساطة مصالحهم الأنانية الآنية الذاتية الشوفينية الضيقة. ليس إلا. السيارة، الراتب، الحصانة، التسهيلات التي قد تمنحها تلك العبارة شبه السحرية المسطرة على بطاقة من صنع (افتح يا سمسم): "يرجى من السلطات المدنية والعسكرية تسهيل..." وهي، لعمري، عبارة لا تقدر بثمن لأنها تسمح بولوج مكاتب الوزراء والكتاب العامين للوزارات والولاة والمديرين.. وإلى كل مظان المنفعة والمصلحة الشخصية. فبعض أعضاء مجلس الشيوخ الموقر ليس له من عمل إذا أصبح إلا أن يتوجه إلى مكاتب المسؤولين يستجدي هذا ويمني ذلك وربما يهدد ثالثا بأنه يمكن أن يضره إذا هو لم يلب له حاجته. كل ذلك من أجل انتزاع صفقة ما لغير مستحقها أو توظيف لمن لا مؤهل لديه أو الحصول على منحة لود أو حفيد أو قطعة أرض هنا أو هناك أو تشريع أخرى بعد أن تم الاستحواذ عليها بغير وجه حق.

 

تصوروا معي ـ وهذه مسألة كان قد اقترحها أحد سياسيينا المحترمين ـ لو كانت مأمورية الشيخ لا نفعية تطوعية، أي بدون مقابل راتب ولا حتى تلك البطاقة شبه السحرية، إن لم نقل السحرية. كم كان من الشيوخ سيستميت دفاعا عن بقاء هذه الغرفة عديمة الجدوائية كثيرة التكاليف؟ أغلب الظن أن لا شيخ ولا شيخة سيتأسف على اختفائها.

 

الشيوخ ـ دون تعميم ـ يا سادة، رجال ونساء لديهم، على الأقل من الإلهام، ما يعرفون به أين تكمن مصالحهم. فهم، وإن كانوا لا يفقهون شيئا في مشاريع القوانين التي تعرض عليهم لإقرارها، أحرى أن يسن أحدهم مشروع قانون ويعرضه للتصويت كما يفعل المشرعون أحيانا في بلدان أخر، إلا أنهم يدركون أيما إدراك أن من مصلحتهم الشخصية ـ طبعا ـ العمل بنظرية "حفظ الموجود ولا طلب المفقود" هم يعتقدون أن الأولى بهم المحافظة على مجلس الشيوخ علهم يحظون بمقاعد فيه حين الاستحقاقات القادمة وأن ذلك أضمن لهم من المراهنة على الجواد الخاسر الذي هو هنا ولد عبد العزيز ووعوده؟

 

وهكذا، فبما أن ولد عبد العزيز قد أعلن على رؤوس الأشهاد أنه لن يترشح لمأمورية ثالثة، فقد اعتبر ناقضو العهد من شيوخ الموالاة الذين صوتوا ضد التعديلات أن النور الذي كان مع السيد الرئيس يوما ما قد ذهب إلى غير رجعة وأصبح فخامته، بالتالي، "بطة عرجاء" كما يقول الأمريكيون. أما بالنسبة لشيوخ "المعارضة" فإن ولد عبد العزيز لم يكن معه نور أصلا. وعليه فهو كان دائما وما يزال بطة عرجاء، بل وعاجزة أيضا. حتى أن أحدهم حلف ذات مرة على ذلك العجز بالأيمان المغلظة التي قد ترقى إلى درجة اليمين الغموس، والعياذ بالله تعالى.

 

هنا لا بد من الإشارة إلى أن ولد عبد العزيز ومعاونوه قد ارتكبوا خطأ فادحا، إذا كانوا يرغبون فعلا في أن يصوت السادة شيوخ الموالاة (وربما غيرهم من شيوخ المعارضة) لصالح التعديلات الدستورية بالإجماع ودون أن يتخلف منهم أحد. الخطأ يكمن في تعجل السيد الرئيس حين أعلن عن عدم ترشحه لولاية ثالثة قبل تقديم التعديلات المزمعة للتصويت. فلو أنه أخر ذلك الإعلان إلى ما بعد التصويت لأخذ التاريخ مجرى آخر وتسابق القوم ـ على وقارهم ـ إلى صندوق الاقتراع وتصايحوا "لبيك، لبيك يا عزيز. والله، والله ـ وإن شئت زدناك ثالثة ـ نعم للتعديلات الدستورية بما فيها وأد مجلسنا الموقر يا سيادة الرئيس".

 

أما الآن وقد تم ارتكاب ذلك الخطأ الفادح، فإنه من الطبيعي أن يصوت صيادو المصالح الشخصية ضد التعديلات المقترحة. إذ لو كانوا صوتوا لصالحها لصدق عليهم قول الشاعر:

 

وكنت كعنز السوء قامت لحتفها *** إلى مدية تحت الثرى تستحثها

 

شيوخ الموالاة الذين صوتوا بـ"لا" أدرى بمصالحهم وأذكى من عنز سوء مشؤومة على الأقل.