على مدار الساعة

ركوب الأمواج  بعد التصويت

22 مارس, 2017 - 12:33
د.محمد ولد الشيخ ولد الرباني ـ باحث بجامعة السوربون

في ظل عالم مهدد بالكوارث يتحكم فيه رأس المال وشركات عملاقة لا تهدف إلا إلى الربح،  عالم على وشك الهاوية بتأثير إفرازات العولمة التي جعلت الشيء يقابله الثمن و الثمن فقط ! بغض النظر عن القيم و المقاييس و المعايير و التقاليد، ففتحت بذلك بابا هي غير قادرة على سده و هي فيه الضحية الأولى من بين الضحايا إذ صار الجميع يلهث وراء مصلحته والدفاع عنها بأنانية مطلقة غير آبه بالآخر و غير واضع في الحسبان أن سعادة الآخرين مكونة مهمة من مكونات سعادة الذات وسعادة البشرية وأن العكس بالعكس. ! بهذا صنعت بؤرة شقاء الإنسان في الحياة.

 

حطت هذه العولمة رحالها بسرعة البرق في وطن بريء هو موريتانيا كما حطت رحالها في جميع بقاع العالم و رمت براثنها في كل مكان وأصبح الإنسان بحاجة إلى أن يعرف كيف يتعامل مع هذا الطوفان الهائل من المنتوجات التقنية والمعدات السوفستيكية التي غصت بها السوق وغصت بها البشرية  وطار طائر الإنسان والتبست عليه الأمور في قيمه و تقاليده و عاداته حتى حاد قطاره اليومي عن السكة المعهودة و لم تعطه الآلة الوقت الكافي ليعرف طريق و مسلك القطار اليومي الجديد أو قل لم تعطه وقتا كافيا لمصاحبة كل هذه التغييرات.

 

 في غالبية بلدان العالم يستشعر الناس الخطر فتتجرد له أقلام المفكرين و المختصين و السياسيين و المثقفين كل من زاويته ليصاحبوا، ما قدروا على ذلك، التطورات و التقلبات موالاة كانوا أو معارضة أو غير موالاة أو معارضة التزاما لمفهوم الوطن. نحن في الغالب عكس ذلك !

 

 فالغريب أن ما يغلب على المشهد عندنا هو هذه الطائفة التي تتحين الفرص لإضعاف النظام و خلق شرخ بين الحاكم و المحكوم في فترة تداعي البنيات وتدهور غير ممهد للأنظمة مثلما تغنىت به ، ببراءة و تصوف، الشعوب العربية على أنه ربيع ليتضح فيما بعد أنها لم تر من الحية إلا بريق جلدها.

 

أين الذين يصيحون اليوم كمنقذين لموريتانيا؟ أينهم في أيام مضت؟

 خرج المارد من قمقمه فجأة،  دخانا مفاجئا و سيعود إلى القنينة بطريقة أشد مفاجأة !   أين دوره في المشهد العام  السياسي و صناعته؟ أين دوره حين كان المشهد العام ضبابيا؟  هل ساعد في تجاوز  جشع و استهزاء أهل المال و الأعمال و سطحية المثقفين وانطوائيتهم و غرور الاقتصاديين و كبريائهم و تسلط البنوك وأهلها وغطرستهم  وعفوية المتفائلين و طيشهم  و سليبة المتشائمين و عدميتهم و انكسار شوكة الضعفاء و الفقراء و تهميشهم هل عالج كل هذا أو بعضا منه؟ هل حضر على الأقل مشجعا أو مواسيا؟!

 

عشنا أمورا استعصت و مواقف استشاطت على أهل الهمم أحرى! و لم نسمع ولم نر هذه الصيحات التي تتعالى اليوم من الشامتين، تتوارد هذه الصيحات من أيادي مرتعشة و أفواه متلعثمة.

 

اليوم خرج المارد من قمقمه و هتف أنا هنا أبرئ الأعمى والأكمه و الأبرص و الأصم  و أحيي الموتى بإذن لله !

 

بمجرد  أن يحدث أمر يمكن من خلاله أن ينفث سما في أعماق موريتانيا فيذكي بذلك صراعات أو نزاعات وشجب أو تنديد  وهو يتحين لذلك كل الفرص و يبقى مع ذلك متفرجا!

 

فإن صوتت جماعات الشيوخ  بعفوية جعل من الحبة قبة و إن خرج طلاب من القسم متظاهرون اعتبر ذلك فتحا مباركا لم يسبق له مثيل و إن تظاهر عمال في الشارع أو أمام القصر اعتبر ذلك عصيانا مدنيا.

 

ولكن أين هؤلاء يوم كنا بحاجة إلى الصحة؟ و إلى التأمين؟ و التعليم؟ و إلى محاربة البطالة؟ و تأمين الحدود؟ و تنظيم الحالة المدنية؟ و محاربة الفقر؟ وتسلق الذرى بين الدبلوماسيات الإفريقية و العربية و الدولية؟

 

هنا يقف حمار شيخنا في العقبة وتخرس الأفواه ويرجع المارد فجأة و بلا مبالاة إلى قمقمه!

 

صيحات متتالية من الذين غابوا عن المشهد وهاهم اليوم يعودون وكأنهم صانعو تاريخ ومدافعون شرعيون عن تغييرات محتملة في العلم و النشيد و بعض الأمور الأخرى. 

 

صانعو التاريخ الذين ضحوا بالغالي  و النفيس في سبيل موريتانيا و حموها من كل الأعداء داخليا و خارجيا، حموا مكتسباتها و أموالها و حوزتها الترابية، حموا شعبها و سيادتها و سمعتها و تاريخها، ألا يحق لهم أن يطالبوا بتغييرات يرونها مواكبة و مستحقة أم هي الأمور منزلة من السماء؟!

 

على كل،  أيها الطامحون الطامعون في قيادة البلد و تريدون، و من أجل سواد عيونكم فقط، أن تقدم  لكم  قيادة البلاد في صينية،  عليكم أن تعرفوا أن الأشياء تستحق و أننا ما زلنا نتذكر العاصفة الهوجاء التي أحدثتم في مرحلة   "ارحل يا عزيز" و التي كان حداؤكم فيها وغناؤكم جهودا باطلة و مكايدكم سيزيفية.  

 

و ما زلنا نتذكر المرحلة التي تبعتها و التي استهدفت المس من شخصية الرئيس نفسه و أهله وماله وولده و قبيلته و مجتمعه و نشأته و تربيته ,,,, الخ

 

وهذه مرحلة جديدة تحاولون فيها خلق شرخ بين القمة و القاعدة و سيرتطم زورقكم بصخرة الوجود مرة أخرى و ينقلب السحر على الساحر فالموريتانيون متشبثون اليوم أكثر من أي وقت مضى بالمشاريع الجبارة و النهضة الاقتصادية و العلمية و العمرانية التي تحققت في ظل هذا النظام و رئيسه.

 

و للمشككين نقول، مرة أخرى، بالجد و العمل  و القناعة و ترقب الجزاء من الله فقط، نؤكد لكم مرة أخرى أننا ماضون في سبيل بناء موريتانيا حرة مزدهرة و مستقلة و لن ينخدع الموريتانيون بمارد يخرج فجأة من قمقمه و هم مؤمنون بالبناء و برجال أرادوا لموريتانيا أن تبقى واقفة شامخة الرأس كالقمة الشامخة لا تلين و لا تهين وسط زوابع العولمة و تيارات المد والجزر و الكوارث و الأعداء الشامتين، أصلها ثابت و فرعها في السماء لا يطمسها غبار و لا يخفيها ضباب لا يلهبها حر و لا يرعشها زمهرير، موريتانيا الشناقطة و موريتانيا التعددية التي تحققت منذ أيام الرباط حتى التبس على الأوروبيين مفهوم كلمة " المور" فأطلقوها تارة على السود و تارة على العرب، إذ كان الرباط  مأوى لهذا كله و مؤلفا من هذا كله، لفيفا يجمع الصونيكى و التكرور و الولوف إلى جانب العرب و البربر.