على مدار الساعة

موريتانيا والصين وطريق الحرير

10 أبريل, 2017 - 14:21
المصطفى ولد البو - صحفي موريتاني مقيم في بكين

خرج مشروع الحزام الاقتصادي لطريق الحرير إلى العلن أول مرة على لسان الرئيس الصيني الحالي شي جينغ بينغ في خطاب ألقاه في جامعة دارباييف في كازاخستان سبتمبر عام 2013، حيث قدّم المشروع الطموح كمبادرة جديدة في السياسة الخارجية، تهدف إلى تعزيز أواصر التعاون الدولي والتنمية المشتركة ومن المتوقع أن يربط المشروع بين قارات أوروبا وآسيا وإفريقيا، كما دعا بعدها بشهر وأمام البرلمان الإندونيسي إلى إعادة إنشاء شبكة الممرات البحرية القديمة لخلق طريق الحرير البحري من أجل تعزيز البحث العلمي والبيئي وتسهيل تربية وصيد الأسماك.

 

يحمل المشروع اسم أشهر سلعة كانت الصين تنتجها وهي الحرير الذي كانت تنقله إلى العالم عبر هذا الطريق الذي يرجع تاريخه إلى عام 3000 قبل الميلاد، طريق كان له تأثير كبير في ازدهار الحضارات القديمة كالصينية والهندية والمصرية والرومانية ويمر فرعه الشمالي عبر أوروبا حتى البحر الأسود أما فرعه الجنوبي فيغطي العراق وتركيا وسوريا ومصر وشمال إفريقيا.

 

ليس سرا أن الصين تخطط من خلال إحياء طريق الحرير لردم الفجوة الآخذة في الاتساع بين شرق البلاد وغربها بحكم تركيز النشاط الاقتصادي في مدن الشرق وعليه يُتوقع أن ينتج عن هذا المشروع الطموح انتعاش اقتصادي في غرب الصين وجنوب غربها حيث تم الاستعداد لتنفيذ هذه الخطة من خلال إنشاء سكك حديد في تلك المناطق وإزاحة جبال وتحويلها إلى مسطحات بهدف زيادة المساحة. كما أن استفادة الدول التي ستصبح جزءا من المشروع لن تكون أقل من استفادة البلد صاحب الفكرة حيث يرى خبراء اقتصاديون أن حجم التبادل التجاري مع الدول التي يشملها المشروع سيصل إلى 21 تريليون دولار خلال عقد من الزمن.

 

رغم عراقة العلاقات الدبلوماسية بين موريتانيا والصين والمستمرة منذ العام 1965 حتى اليوم إلا أنها لم تنعكس بالدرجة الكافية على جانب الاستثمار حيث تعتبر موريتانيا من الدول الأقل احتضانا للاستثمارات الصينية كما أنها تمثل نسبة ضعيفة من حجم التبادل الصيني الإفريقي الذي تخطى العام الماضي حاجز الــ200مليار دولار ويُتوقع له أن يصل لــ400 مليار دولار في عام 2020، وتلعب السياسة وتغليب المصالح الشخصية وغياب الاستقرار الأمني والسياسي دورا كبيرا في إفشال العشرات من المشاريع الأجنبية التي كان يُتوقع لها إن نُفذت أن تُنعش الدورة الاقتصادية وتُسهم في خلق وظائف جديدة.

 

لجذب الاستثمارات الصينية وتقوية وتعزيز حجم التبادل التجاري - الذي ما زال حتى اليوم يقتصر على الشاي والصمغ العربي - على المسؤولين إدراك واستيعاب أن موريتانيا أمام فرصة ذهبية تحتاج لتركيز كبير وجهد بحثي أكبر ونشاط سياسي دبلوماسي حماسي ووطني فطريق الحرير ينادي الجميع والقوافل تنتظر التحميل، هذا المشروع إن تحقق ورُبطت موريتانيا به سينقلها من مرحلة التخبط الاقتصادي إلى مرحلة التقدم والتخطيط الواضح.

 

وفي هذا السياق لا يوجد أنسب من اختيار مدينة انواذيبو لتكون الوصلة التي من خلالها تلتحق موريتانيا بطريق الحرير فموقع المدينة أو شبه الجزيرة فريد من نوعه جغرافيا لأنها تطل على المحيط الأطلسي وتعانق في نفس الوقت الكثبان الصحراوية وتتميز بجو استوائي مغر لأي سائح سواء كان داخليا أو خارجيا، انوذيبو أيضا معروفة بقربها الشديد من أوروبا وأمريكا التي تفصلها عنها عقد بحرية كما أنها تمثل ملتقى طرق الممرات البحرية التي تربط من خلاله وبسهولة بين إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط.

 

وعليه إن تم ربط مدينة انواذيبو بمشروع طريق الحرير فستكون بدون شك بوابة المشروع على إفريقيا كما ستكون موريتانيا همزة وصل بين دول المنطقة وسيفتح الطريق أمامها نحو شراكات وتحالفات اقتصادية كبيرة ورقما مهما في معادلة التجارة الدولة إلى جانب كونها معبرا مميزا لأغلب وأهم البضائع المختلفة فالصين تقدم المشروع كحزام وحزمة، حزام لأنه سيغطي أكثر من 60 بلدا وحزمة لأنه سيجلب معه وللدول النامية خصوصا منافع وفوائد اقتصادية كثيرة.

 

ليس هذا فقط فالبلد على موعد مع انتعاش اقتصادي واستقطاب كبير للشركات الصينية وتعتزم الصين ضخ مليارات الدولارات في القارة الإفريقية مساعدة لها على الاستعداد للالتحاق بالمشروع حيث سيتم تشييد موانئ وشبكات طرق وخطوط سكك حديدية ونُظم الاتصالات وتكنولوجيا الأقمار الصناعية.

 

ستنعقد القمة الخاصة بالإعلان عن إحياء حزام طريق الصين الاقتصادي في يومي 14 و15 مايو في العاصمة الصينية بكين ومن المتوقع أن تشهد حضورا رسميا كبيرا وتغطية إعلامية مكثفة لذا من واجبي كمواطن موريتاني أولا وكصحفي قريب من الحدث ثانيا أن أشير إلى أمور منها أن الحدث مهم جدا ويجب التعامل معه على هذا الأساس وتجهيز دراسات ميدانية تخدم الدفع بربط بلادنا بالمشروع والتسويق الذكي والمنطقي للبلاد كونها مستقرة والاستقرار شرط أساسي لمرور طريق الحرير من أي بلد كما ذكر الرئيس الصيني، إلى جانب التركيز على خطط من شأنها تخفيف بعض القيود على فرص الاستثمار وإظهار بلادنا دائما كجاذب ومرحب بها، كما أن على القائمين على وضع هذه الخطط أن يدركوا أن تحقيق النتائج لا يكون آنيا ولا مؤقتا وإنما يتم رسم الخطط دائما على المدى البعيد لأن الهدف الأكبر هو أن يستفيد كل البلد وتنعكس إيجابا على كل المواطنين.

 

كما أن على وزارة المالية والاقتصاد أن تشكل لجنة من الخبراء الاقتصاديين عبارة عن خلية نحل لا تتوقف عن جمع المعلومات وتحليلها وتتابع بترقب كبير كل جديد عن المشروع دون أن أنسى الإشارة إلى أهمية دور وزارة السياحة ومكتبها الوطني خصوصا في هذه الفترة والذي يجب عليه أن يعمل على إنتاج رسائل مرئية باللغات الأربع العربية والإنجليزية والفرنسية والصينية تحتوي أساسا على أهم المعلومات الجغرافية والاقتصادية والبيئية الخاصة بالبلد وكل المميزات التي يرى الخبراء الاقتصاديون أنها ستجعل موريتانيا جزءا مهما من هذا المشروع أو أي مشروع آخر فالهدف هو جذب المستثمرين بالدرجة الأولى وتحويل موريتانيا إلى منصة ومعبر.

 

إذن هو عمل جماعي رسمي وشعبي يحتاج إلى شحنة وطنية ومسؤولية لتغذيه وتدفع به إلى الأمام، بالإضافة إلى درجة كبيرة من العزيمة والإصرار وإلى الذين يعتقدون أن مشروع حزام طريق الحرير الاقتصادي أمرا خرافيا، تذكروا أن كل الانجازات التي حققتها البشرية وتتمتع بها اليوم كانت إلى وقت قريب في خانة المستحيلات وعلى رأسها الوصل إلى القمر، والصين استغرقها 30 عاما فقط لتحقق كل هذا التقدم الاقتصادي وستستغرقها عشرات سنوات إضافية لغزو العالم أجمع عبر هذا المشروع وموريتانيا وعن طريق التعاون تستطيع أن تحقق لنفسها قفزة داخلية ستسهم في رسم خريطتها الاقتصادية على أن تحقق قفزات في السنوات القادمة.