على مدار الساعة

التعديلات الدستورية ومبررات اللجوء إلى المادة: 38 من الدستور

20 أبريل, 2017 - 15:56
الدكتور عابدين ولد الخير - وزير العدل السابق

في إطار الجدل الدائر حول مشروعية اللجوء إلى المادة: 38 من الدستور لتمرير التعديلات الدستورية فرق أحد أساتذة القانون الدستوري  بين فئتين من أساتذة القانون، فئة أساتذة القانون الدستوري وفئة أساتذة القانون، واعتبر الأولى هي المخولة وحدها بالخوض في هذا الموضوع مكتفيا بإعطاء الفئة الثانية صفة الطبيب العام مع وجود الطبيب المختص، و على الرغم من احترامنا لهذا التقسيم وتصنيفنا في الفئة الأخيرة، فإننا لا نجد غضاضة في المساهمة وإبداء الرأي في موضوع التعديلات الدستورية الذي يشغل الرأي العام الوطني وليس محل إجماع بين القانونيين حتى المتخصصين منهم في المجال الدستوري و خاصة تمريرها إلى الاستفتاء استنادا على المادة: 38، وليعذرنا أستاذ القانون الدستوري في تجاوزنا  لهذا التقسيم الذي هو في نظرنا المتواضع تقسيم منهجي قد يصلح لتدريس نظريات القانون لكنه لا يصمد أمام التطبيق الميداني والواقع العملي لهذا الأخير.

 

ونشير بداية إلى أن القوانين الموريتانية بصورة عامة تمتاز بالغموض وعدم الدقة و في كثير من الأحيان بالتناقض بين النسخة العربية و ترجمتها إلى اللغة الفرنسية، ودستور 1991 لا يشذ عن هذه القاعدة، ولعل المقابلة التي سنتناولها بين نص المادة: 38 و الفقرتين 1 و 2 من نص المادة: 99 ستبرهن على صحة ما نقول، ولا نغالي أيضا إذا قلنا إن بعض المتخصصين في القانون ولسبب ما قد يلجأون إلى تخيل هذا الغموض إذا لم يكن موجودا وهو ما يفتح الباب واسعا للتأويل والتفسير.

 

وأذكر هنا حادثة طريفة عشناها جميعا ولكن البعض قد يكون نسيها حدثت  في المرحلة الانتقالية الأولى عندما أشرفت على نهايتها و بعد أن نشرت أغلب القوانين المبرمجة في المرحلة وعدلت بعض القوانين الموجودة آنذاك بما فيها دستور 1991، إذا بنا و نحن في نهاية المسلسل الانتخابي وبالذات في الانتخابات الرئاسية نختلف على مكانة البطاقات البيضاء في محضر التصويت فهل هي أصوات معبر عنها أم تعتبر أصواتا  لاغية  في سابقة للتأويل والتفسير كان الهدف من وراءها معروفا عند البعض ممن يدعي اليوم صفة الفقه في القانون الدستوري وقد يكون ممن صاغوا دستور 1991، والأمثلة في هذا الاتجاه كثيرة ولا أريد الاسترسال فيها.

 

إن دستور يوليو 1991 دستور  يميل إلى تقوية سلطات رئيس الجمهورية وفي هذا الصدد نذكر بالمواد التالية: (رئيس الجمهورية هو الضامن وهو الحكم...) المادة: 24، (وهو رئيس مجلس الوزراء...) المادة: 25، (وهو المحدد للسياسة الخارجية والأمنية والدفاعية...) المادة: 30 ( وهو يحل الجمعية الوطنية...) المادة: 31، (وهو الضامن لاستقلالية القضاء...) المادة: 99.

 

وهناك ملاحظة عامة في علاقة رئيس الجمهورية مع السلطة التشريعية، إذ نلاحظ أن السلطة التشريعية في اختصاصاتها مقيدة حسب نص المادة: 57، في حين أن سلطة رئيس السلطة التنفيذية في مجال التشريع -  وهي استثنائية - غير مقيدة، ويضاف إلى ذلك أن  إعمال نظير نص المادة: 38 هو سابقة قضائية تم اللجوء إليها في فرنسا والسوابق القضائية لها قيمة كمصدر من مصادر القانون في تفسير النصوص و إعمالها.

 

وانطلاقا من المبررات السابقة نلاحظ مما لا يدع مجالا للشك أن دستور 1991 يقيم نظاما شبه رئاسي لا تتساوى فيه كل السلط وهي حقيقة يجب أن نضعها نصب أعيننا عندما نحاول أن نقف على المقصد الحقيقي لأي مقتضى من مقتضيات هذا الدستور حتى تكون النتيجة التي سنخرج بها تنسجم وفلسفة التشريع و تحقق المصلحة العامة  ولا تطعن في شرعية استنتاجاتنا.

 

إن نظرة فاحصة لمقتضيات الفقرة: 2 من المادة: 99 التي تنص على أنه (لا يناقش أي مشروع مراجعة مقدم من طرف البرلمانيين إلا إذا وقعه على الأقل ثلث 3\1 أعضاء إحدى الغرفتين...)، والفقرة 3 من المادة: 99  التي تنص على أنه (لا يصادق على مشروع مراجعة إلا إذا صوت عليه ثلثا أعضاء الجمعية الوطنية وثلثا أعضاء مجلس الشيوخ...) لتكشف عن مدى الغموض وعدم الدقة في صياغة النصين، فقد سكت النص الثاني عن مصير مشروع القانون غير الحاصل على الثلثين كما في الحالة التي نحن بصدد معالجتها، ولم يحل إلى مقتضيات المادة: 66 وسكت عن الحل عندما يتعلق الأمر بإلغاء إحدى الغرفتين كما في الحالة التي بين أيدينا وهو نقص لا ينبغي السكوت عليه وثغرة قانونية يجب سدها،  كما بدا وكأن صياغتهما إنما تشترط الثلثين عندما يكون الاقتراح المقدم يتعلق بالاقتراح المقدم من طرف البرلمانيين و التفسير الذي يتمسك به البعض في القول بإسقاط هذه التعديلات بمجرد عدم التصويت عليها من طرف إحدى الغرف على الرغم من أنها معنية بنتائجها يذهب في خلق نوع من المساواة بين سلطتين غير متساويتين في الصلاحيات ويخالف المنطق الذي ينبغي الاستئناس به والذي يقوم على تقوية جانب السلطة التنفيذية  ممثلة في رئيس الجمهورية وليس العكس.

 

وخلاصة القول بخصوص هذه النقطة أن الدلالة الحرفية للنصين لا تصلح كأساس للقول بسقوط التعديلات الدستورية، ولكن المرور بها يظل لازما كما حدث بالفعل وهي بطبيعة الحال لا تصلح للوقوف أمام إعمال نص المادة: 38 من الدستور، إذا لماذا التمسك بنص غامض للاعتراض على نص واضح  المادة: 38؟ِ.

 

إن التفسير القانوني لا ينبغي أن يقف عند هذا التأويل بل يجب البحث عن سداد هذه الثغرة تحقيقا للمصلحة العامة، ولن يكون ذلك إلا بالاحتكام إلى السلطات المخولة لرئيس الجمهورية بنص المادة: 24 من الدستور التي تنص على (أن رئيس الجمهورية هو حامي الدستور... ويضمن بوصفه حكما السير المنتظم للسلطات العمومية...). أليس في امتناع الشيوخ عن إجازة التعديلات الدستورية , وإجازتها من طرف النواب تعطيلا للسير المضطرد لهاتين الغرفتين (الشيوخ ونواب)؟، والتفافا على إجماع 90 في المائة من الموريتانيين أو من المهتمين بشؤون السياسة إذا كان يكفي لإسقاط توصياتهم اعتراض إحدى الغرفتين رغم أنها معنية بهذا التعديل، ألا يتطلب هذا التصرف تدخل رئيس الجمهورية بوصفه حكما لاستمرارية عمل الغرفتين؟، أليس في تعطيل هاتين الغرفتين تعطيلا لسير السلطات العمومية بصورة حقيقية، فأي مشروع قانون يمكن تمريره في ظل التناقض الحاصل بين الغرفتين وعدم الانسجام بينهما؟.

 

ثم ما العيب في اللجوء إلى المادة: 38 التي تنص على أن (لرئيس الجمهورية أن يستشير الشعب عن طريق الاستفتاء في كل قضية ذات أهمية وطنية...)، أليس الشعب هو مصدر السلطة؟.

 

ألا يجب الاحتكام إلى الشعب في كل مسألة تشغل الرأي العام؟، وهل هناك حديث عند الموريتانيين اليوم أكثر من الحديث عن التعديلات الدستورية؟، أليس في كل هذا كفاية في تبرير اللجوء إلى المادة: 38؟.