على مدار الساعة

العالم آلة تصوير..ابتسم من فضلك!

12 مايو, 2017 - 11:51
محمود محمد لمليح  كاتب وباحث في سلك الماستر

 

 من المعروف في قانون الفيزياء الشهير أن لكل فعل ردة فعل مساوية له في المقدار معاكسة له في الاتجاه، هذا القانون شهير جدا، لكننا سنتفاجأ بأن قانون النفس البشرية

 لا يقبل بقانون الفيزياء هذا، فإذا أسقطناه على الابتسامة سنرى سرا إلهيا عجيبا وهو أن لكل ابتسامة ردة فعل غير مساوية، ولكن مضاعفة في الاتجاه المعاكس.

 

لا شك أن للابتسامة أهمية بالغة بصفتها ثقافة تعزز التسامح والمحبة وتوطد أواصر التعاون، وتؤصل للأفكار الإيجابية في المجتمع، بل إنها طريقة السعادة الحقيقية لكل فرد، فهي تقضي على العنف الذي يعتمل في صدور الآخرين.

 

إلا أنه في ثقافات المجتمعات ثمة العديد من المقولات المثالية المنبثقة من العقائد والقانون والأعراف التي يتشربها أفراد المجتمع عن طريق التكيف التلقائي، وقد تلقينا الكثير منها في مراحلنا الدراسية ،وتحدث المربون والأساتذة بإسهاب، عن مزاياها، وآثارها الطيبة التي تنعكس إيجابا على الفرد والمجتمع، وحث الدين الإسلامي، على التحلي بها، وحذر المرء من التمرد عليها حتى لا يكون المتمرد عرضة  للجزاء والعقوبات وفقا للمنظومة الأخلاقية للمجتمع ومع كل هذا وذاك، فإنك لن تجد للكثير من هذه الأخلاقيات وجودا على أرض واقع المجتمعات العربية التي تعلو فيها الثقافة المثالية على الممارسة العملية لتلك المقولات التي  تمجد قيما إيجابية معينة في الحياة، ومن هنا يمكن تفسير وجود الصراع بين الثقافة المثالية و السلوك العملي في حياتنا، ففي الوقت الذي تمجد فيه الثقافة سلوكيات إيجابية معينة نجد أن تلك السلوكيات تظل ضمن محفوظاتنا التي تظهر في خطبنا وقصائدنا ولكنها لا تكاد تلامس وقعنا الذي نعيشه.

 

ولو أخذنا سلوكا يمثل قيمة أخلاقية إيجابية كالابتسامة لوجدنا أن ثقافتنا العربية تهتم بهذا السلوك وتبرزه على أنه سمة مميزة للشخص ووسيلة لإقامة اتصال عاطفي مع الآخرين

وإذا نظرنا إلى المقولات الثقافية المرتبطة بالابتسامة سنجد كما هائلا من الحكم والعبارات الشائعة التي تبرز قيمة الابتسامة، والتي تتخذ طابع الوعظ في إشارة ضمنية إلى أن الابتسامة سلوك مثالي غير واقعي، والحقيقة أن ثقافة الشعوب في هذا الموضوع تبدوا أصدق من الثقافة المثالية(النخبوية)، ذلك أن الثقافة الشعبية أقرب إلى حياة الناس وألصق بسلوكهم، ولا تخفي الثقافة الشعبية العربية موقفها السلبي من الابتسامة.

 

ومن تأمل في موقف الثقافة الشعبية من الابتسامة يجد أن هناك تداخلا بين الضحك والتبسم، فكلاهما يسمى ضحكا على اعتبار أن الضحك يعني ظهور النواجذ سواء رافق ذلك صوت أم لا، ولهذا فهم يعبرون في أغلب الأحوال عن الابتسامة بالضحك، وترى الثقافة الشعبية العربية أن الضحك بلا سبب من قلة الأدب، وأنه نوع من الإخلال بالرجولة ونقصا في الشخصية، وتربط دلالته بإهانة الغير أو السخرية منه أو الاستهتار به، وتقيم مفارقة بين الضحك وبين الجدية والاحترام على اعتبار أنه يقلل من قيمة صاحبه لأن الشخص الذي يضحك أو يتبسم يبذل من نفسه جهدا من أجل الآخرين .وهذا ما يفسر لنا صعوبة وجود نفوس عربية ضاحكة مستبشرة، كما يفسر القسوة في تسليم البعض عليك في الطريق حينما يرمون السلام بعنف وكأنه شتيمة لاعتقادهم بضرورة الجدية.

 

ومن هنا فليس مستغربا أن تختفي الابتسامة من سلوك العديد من الناس وخاصة الابتسامة المبرأة من الغايات! كالابتسام في وجه المارة في الطريق، أما التبسم في وجه المسؤول أو الصديق بهدف كسب مودته فهذا مجرد سلوك تفاعلي لا يعبر بالضرورة عن ثقافة عامة تمارس بشكل نمطي ومثل ذلك الابتسامة أمام آلة التصوير.

بينما نجد أن عموم الغربيين الذين عرفوا قيمة الابتسامة وقدرتها الخارقة على بناء جسور التواصل والعلاقات الإنسانية فجعلوها واجهة الإنسان المتحضر، وسبيله إلى قلوب الآخرين لإشاعة السلام والاحترام المتبادل، دون تمييز مع كل من يصادفونه فيبتسمون في وجهه، وكأنه أقرب الأقربين، حتى أضحى من العسير أن يلاحظ المتفحص فيهم آثار التوتر أو التهجم التي تجلل وجوه البشر عندنا وكأنهم يطبقون قول نبينا عليه الصلاة والسلام (تبسمك في وجه أخيك صدقة)، وقوله (لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق).

 

فإذا أردنا أن نسبر أغوار أسباب اختفاء ثقافة الابتسامة والتسامح في مجتمعاتنا، فإننا سنجد بدون شك، على قائمة تلك الأسباب التنشئة غير السليمة التي اضطربت معانيها في خلط مفاهيم وممارسات الدنيا والدين، إلى جانب ذلك التربية الصارمة التي يتبناها الآباء، تلك التربية المفرطة في الجدية إلى درجة الإجحاف.

 

هذا بالإضافة إلى الموروث الثقافي السلبي من حكم وأمثلة شعبية، مما يعيب الابتسامة وقد تعود أسباب ذلك إلى الظروف الاقتصادية السيئة، وواقع الحياة المزدحمة بالمطالب المعيشية المتزايدة للأسرة المضغوطة بظروفها وأعدادها، كما أن لبيئتنا الجافة والقاسية على التكوين النفسي دورا لا يستهان به.

 

ما نحتاج إليه في ظل ضغوط حياتنا اليومية هو ممارسة ثقافة التفاؤل والابتسامة والنظر ليومنا بمحبة منذ مطلعه وحتى غروب شمسه، وتعزيز نظرتنا الإيجابية لما حولنا لنصل إلى الرضا والسعادة، وستبقى الابتسامة سراً من أسرار هذه الحياة.