على مدار الساعة

نحن في واد وأنتم في واد

11 ديسمبر, 2021 - 17:50
عابدين ولد أحمد فال ـ أستاذ وإعلامي

سنة 2010م قادتني مهمة عمل مؤقتة إلى الإقامة في مدينة وادان لمدة عشرين يوما ، وقتها كان وادان اقرب لقرية مهجورة على قمة جبل في أقصى الشمال الشرقي من ولاية ٱدرار ، لم يكن عدد الأسر المقيمة فيه يتجاوز الثلاثين أسرة ، وكانت الهجرة نحو عاصمة الولاية أطار  ثم إلى أنواكشوط قائمة على اشدها ،كانت( مدينة) تعيش على عبق التاريخ لكنها خارج جغرافيا الحركة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

   
مهرجان المدن القديمة أعاد لفت انتباه الموريتانين إلى تلك المدينة ومثيلاتها من المدن القديمة، كما أعاد جذب السكان ولو بشكل محدود ومؤقت إلى موطنهم الأصلي بحثا عن منافع المهرجان المادية أو بهرجته القبلية والسياسية ..لذلك فالمهرجان دون شك قد أفاد في إعادة تقييم التراث الثقافي في المدن القديمة ،وجلب بعض المنافع المادية غير المستدامة للسكان الأصليين وبائعي الخدمات، لكن بقي المستفيد الأكبر منه هم أهل تفرغ زينة ،وكالات تأجير السيارات وشركات الدعاية والخدمات اللوجستية ووسائل الإعلام والكتائب الرديفة لوزارة الثقافة والإعلام.

   ومع تغيير اسم المهرجان من" المدن القديمة "إلى "مدائن التراث "  في مسعى لإعادة استثمار الحدث سياسيا، أعلنت الدولة عن رصد ثلاث مليارات لذلك الكرنفال الثقافي محدود الأهداف والأثر، في وقت يشهد البلد فيه أزمة غلاء طاحنة، كانت تحتاج لفتة جادة من الدولة تستخدم فيها كل ماهو متاح لها من موارد ومقدرات للتخفيف من أثر الأزمة على المواطن البسيط بما فيه المواطن الوداني.

  الناطق باسم الحكومة رفع شعار التنمية المستدامة هذه المرة، ليبرر به انفاق مبلغ كهذا على كرنفال ثقافي في بلد فقير ، وأعلن عن بناء مدرسة هنا  وملعب هناك  في تلك المدينة النائية ،فهل يكفي ذلك لتبرير صرف مبلغ 3 مليارات على كرنفال ثقافي في مثل ظروفنا الحالية ؟؟

 ختاما نقول إن حفظ التراث والثقافة مهم جدا ، وان أهل ودان وبقية المدن القديمة يستحقون العناية بهم، لكن للدول أولويات تتعلق بالحياة العامة،  لا بد من ترتيبها ومراعاتها، كما أن المال والكرنفالات لن تستطيع تغيير مجريات التاريخ ولا  معاندة وقائع الجغرافيا التي جعلت تلك المدن مدنا مندثرة، بسب عوامل موضوعية وحضارية لم تعد قائمة  لأن الدولة الموريتانية بشكلها الحديث تأسست دون أن تأخذها في الحسبان.