على مدار الساعة

مالي،،، صراع «غويتا»  من أجل السيادة

22 يوليو, 2022 - 23:27
عبدالله ولد سدينا

لقد أعادت أزمة الجنود الافواريين المعتقلين في مالي منذ أسبوع الحديث عن مدى جدية حكام مالي الجدد حول قضية السيادة المالية التي كانت شعارا للمجلس الانتقالي منذ قدومه.

 

فقد برهن رئيس السلطة الانتقالية قاسمي غويتا منذ توليه السلطة في سبتمبر الماضي 

أن التدخلات الأجنبية في بلاده لم تعد مقبولة، فالرجل الذي أوقف التعاون العسكري مع فرنسا وطالبها بسحب جنودها خارج بلاده

ماكان ليتغاضى عن قضية الجنود العاجيين الذين قدموا الى مطار باماكو مدججين بالسلاح.

 

ورغم تصريحهم بأنهم جاءوا في إطار تعاون بين بلادهم وقوات المنيسما إلا أن القوات المالية اعتقلتهم ووصفتهم الحكومة المالية في بيان بعد ذلك أنهم مرتزقة.

مادعى بالرئيس الإفواري الحسن واتارا إلى عقد اجتماع طارئ للمجلس الأعلى للدفاع والمطالبة بإطلاق سراح الجنود المعتقلين فورا.

 

لايخفى على أي متتبع للوضع المالي المساندة التي يحظى بها غويتا من قبل الشعب المالي.

الأحاديث التي تردد على ألسنة البسطاء من الماليين تحمل الكثير من الإعجاب بالرجل والكثيرون هنا في باماكو يصفونه بالمخلص الذي وهبته لهم السماء لتحريرهم من قيود فرنسا .

 

لقد حلق القائد الشاب بعيدا عن نظرائه في المنطقة وعزم على تغيير المعادلة في بلاد القطن والذهب، حيث طرد السفير الفرنسي وأخرج فرنسا من المقاربة الأمنية في الشمال المالي الذي يعتبر بؤرة توتر تعرقل كل مساعي التنمية والاستقرار في البلد.

ولم يكتفي بذلك بل عقد اتفاقيات أمنية مع الدب الروسي ليحل محل الحليف السابق ويسمح لروسيا بالتمركز في المنطقة.

 

الصراع بين الشمال والجنوب هذه المرة على أرض مالي صراع نفوذ بين مستعمر قديم منبوذ وحليف جديد يرى فيه أصحاب الأرض أملا بقرب الخلاص من ويلات مؤامرة فرنسا وحلفائها ضد سيادتهم.

 

خسرت فرنسا منطقة نفوذ جديدة ووضعت روسيا قدما لها في منطقة الغرب الإفريقي.

لتتالى بعد ذلك الخطابات والتصريحات المنددة القادمة من بروكسول وبعض العواصم الغربية مهددة بوقف الدعم الأوروبي عن هذا البلد الحبيس والفقير الذي شقّ عصا الطاعة.

 

نعم للسيادة إكراهاتها وعلى الباحثين عنها دفع الثمن، هذه هي فلسفة القوى الاستعمارية. 

لكن يبدو أن قاسمي غويتا كان متوقعا انحياز الدول الأوروبية، لذلك جاء رده على التهديدات الأوروبية سريعا وحاسما 

"مالي تطلب من القوات الأوربية (تاكوبا) المتواجدة في الشمال الخروج من البلاد"

 

هكذا يصر الرجل على التمسك بتعهداته التي قطع على نفسه أمام الشعب المالي، ولأن الماليين يسعون لامتلاك قرارهم تعرضوا للكثير من الضغوطات من بينها تعليق البنك الدولي لتمويلاته الاستثمارية في مالي ووقف الدول الأروبية لكل أنواع الدعم كما تعرضتوا لحصار اقتصادي فرضته المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا طيلة ستة أشهر.

لكن تلك الضغوطات لم تثني هذا القائد الشاب عن مواصلة نهجه ومواجهة الجميع من أجل الكف عن التدخل في شأون بلاده.

 

 

وعندما انفجرت أزمة الجنود الإفواريين الذين تزعم كوتديفوار ارتباطهم بقوات الأمم المتحدة (منيسما) دعت الحكومة المالية قوات (منيسما) إلى وقف عمليات استقبال الجنود الدوليين وبعد أيام قليلة طردت المتحدث باسم تلك القوات في مالي بعد تدوينات له وصفتها الخارجية المالية بالمضللة.

 

وتبين هذه القرارات الجريئة بوضوح أن قرار السلطة الانتقالية في يدها وأنها تتصرف وفق ماتراه مناسبا لسيادة البلاد وأن سيادة مالي أولا.

 

إذا استطاع هذا الحاكم الشاب أن يحدث في ظرف وجيز ما عجز عنه قادة كثر من حوله، كما استطاع إفشال كل ما خططت له فرنسا وحلفاؤها الأوروبيون بشأن بلاده لأكثر من عقد من الزمن.

 

وفي خضم هذه المعارك الديبلوماسية كان الجيش المالي يخوض معارك ضارية وشبه يومية في مناطق واسعة من شمال وغرب البلاد مع الجماعات المسلحة ويعلن من حين لآخر تحرير مناطق جديدة والتوغل بعيدا في مضارب تلك الجماعات.

 

وعلى الصعيد السياسي أعلنت الحكومة الانتقالية خارطة طريق جديدة حددت فيها موعدا للاستفتاء والانتخابات الرئاسية والتشريعية كما شكلت لجنة من القضاة والمختصين للإشراف على التعديلات الدستورية.

 

 

لقد استطاع غويتا ورفاقه أن يصمدوا في وجه كل العواصف ويواجهوا كل الضغوطات الدولية والإقليمية وبذلك كسبوا ود الماليين رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، صحيح شهدت أسعار المحروقات في مالي ارتفاعات متكررة وكذلك بعض المواد الاستهلاكية لكن الماليين لم يظهروا امتعاضهم من ذلك رغم مظاهر الفقر واستوعبوا جيدا مايحاك ضد بلادهم واختاروا الوقوف مع القائد غويتا الذي يعتبروه عنوانًا لسيادة مالي، وحسنا اختاروا ففي سبيل السيادة يهون كل شيئ وتتحول الضائقة المالية إلى دافع لمواصلة الصراع من أجل السيادة.