على مدار الساعة

هل تشعل تايوان حربًا بين الولايات المتحدة و الصين؟

3 أغسطس, 2022 - 14:43
سلطان البان - كاتب صحفي مقيم في بريطانيا

زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي (نانسي بيلوسي) إلى تايوان كمحطة رئيسية في جولتها الآسيوية تعد خطوة استفزازية اتجاه بجين، تم التخطيط لها بحذر شديد و دون ضجيج إعلامي أمريكي. أهمية الزيارة التي قامت بها بيلوسي اتجاه الجزيرة التايوانية يمكن تلخيصها في نقطتين أساسيتين ؛ الأولى تؤكد الولايات المتحدة الأمريكية من خلال بيلوسي تغيير موقفها الذي حافظت عليه منذ عقود خلت تحت عنوان -الأرض الصينية الواحدة- والنقطة الثانية: بداية للإعلان غير الرسمي بأن تايوان جزء مستقل عن الصين رغم تحذيرات بيجين المتتالية فقد نفذت الولايات المتحدة ما أزمعت عليه غير آبهة بالصراخ الصيني.

 

من الطبيعي جدا أن يرى الكثير من المتابعين الردود الصينية اتجاه التصعيد السياسي الأمريكي نحو بؤرة الصراع (تايوان) بأنه ضعيف مقابل حجم التحذيرات من بيجين،لكن الواقع عكس ذالك نظرا لمعطيات تاريخية كثيرة، الصين لا تأخذ قراراتها السياسية من المواقف الاستفزازية و العفوية، نجد ذالك في الحرب الروسيه الأوكرانية حين تمكنت الصين من حشر الإتحاد الأوروبي في زاوية ضيقة كما اغلقت ميناء شنغهاي دون سابق إنذار، جاء ذالك بسبب الموقف الأوروبي المعادي لروسيا الحليف لإستراتيجي لبيجين. الصين لاعب سياسي كتوم يمزج بين القوة الاقتصادية والعسكرية. ولا ننسى أنها تمكنت من إرسال طائرات حربية عدة بالقرب من "خط الوسط" الذي يفصل الصين وتايوان في المضيق البحري. السؤال الأهم هل تشعل زيارة بيلوسي الحرب بين الصين و الولايات المتحدة؟

 

الحقيقة لن يحدث أكثر من تغيير لمنحنى الخطاب السياسي الأمريكي اتجاه بيجين و التوجه نحو تايوان كجزء مستقل عن الجغرافيا الصينية لتبدأ مصطلحات جديدة في لغة واشنطن الدبلوماسية كالحديث عن الديمقراطية و السيادة..إلى آخره. أما في الإتجاه المقابل ستعمل الصين على زيادة الخناق على الجزيرة التايوانية و محاصرة جغرافيتها أكثر فأكثر استعدادا لاجتياحها. تدرك الولايات المتحدة الأمريكية جيداً أن الاصطدام مع التّنين الصيني حاليًا ليس في صالحها وهي تعاني من ارتداد غير مسبوق لمكانتها العالمية خصوصًا أن العالم بالكاد إلتقط أنفاسه من أزمة الوباء ولازال يتأرجح بين تبعات الجائحة وصدمة الحرب الروسيه الأوكرانية والتي دفع فيها فاتورة التضخم الاقتصادي و ارتفاع الأسعار بسبب نقص إمدادات الطّاقة، بالاضافة إلى أن حرب جديدة في المنطقة ستقلص من أسهم الولايات المتحدة الأمريكية في بورصة حلفائها في القارة العجوز للأسباب ذاتها مما سيعيدنا إلى المربع الأول.

 

تايوان هي بوصلة الصراع الأميركي الصّيني و السياسة الاميركية تدرك أهمية تايوان الاستراتيجية كخنجر في خاصرة الصين يمكن طعنها به إذا تجاوزت الخطوط الحمراء التي ترسمها واشنطن، رغم أنها قد تكون شرارة الحرب بين الدولتين، عسكريًا الصّين ليست أقل قوة من الولايات المتحدة الأميركية في بعض الجوانب العسكرية، عواقب حرب بينهما ستكون لها تأثيرات بالغة على العالم و رغم ذالك فقد طرقت الولايات المتحدة باب الصراع الذي كان موصدًا منذ أمد بعيد رغم أنها تواجه بابًا آخر كانت قد طرقته على روسيا، هذا التوجه السياسي الأمريكي الساخن هو دليل على رغبة واشنطن في البحث عن مناطق ساخنة وقودها تغيير المواقف السياسية و ربما التصعيد العسكري،و هو سعي أمريكي وراء مداخيل بيع السلاح لأوروبا و حاليًا حان الدور على تايوان.

 

ستشهد الأيام القادمة سياسية اقتصادية جديدة اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية وهذا قد يشكل تأثيرا على اقتصادات أوروبا المنهكة أصلا، لأن الصين تعتبر أوروبا هي الحليف الاستراتيجي و الشريك المطيع لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية و بالتالي عليها أن تتجرع من نفس الكأس كجزء من تبعيات خياراتها السياسية. أهم الأسباب وراء زيارة -بيلوسي- لتايوان هو القلق الأمريكي من التمدد الصيني الروسي سياسيًا و اقتصاديًا خصوصا التعاون الاقتصادي خارج حسابات الدولار الأمريكي، فقرار مؤتمر شنغهاي الأخير حول مكافحة هيمنة (الدولار الأمريكي) كخطوة لمجابهة سيادته في السوق العالمية يعتبر محاولة جريئة لإزاحة الدولار من سلة العملات الأكثر نفوذًا في السوق العالمية تداولاً.