على مدار الساعة

قضية خرق سافر للدستور.. لا قضية علم ونشيد

5 يوليو, 2017 - 16:35
سعد حمّادي

لا همّ يشغل الموريتانيين هذه الأيام أكثر من الحديث عن الاستفتاء الشعبي المزمع إجراءه يوم 5 أغسطس 2017، لكن لا يكاد النقاش بين شخصين حول هذا الاستفتاء يبدأ حتى يتحول في وقت سريع إلى جدال حول جدوائية تغيير العلم والنشيد الوطنيين أو حل مجلس الشيوخ أو إلغاء محكمة العدل السامية، فهناك من لا يرى ضرورة في تغيير النشيد الوطني بشكله الحالي وهناك من يرى عكس ذلك. بعضهم يتشبث بالعلم الموريتاني الحالي ولا يريد تغييره وبعضهم يرى عكس ذلك.

 

لكن ما لا يدركه بعض الموريتانيين هو أن قضية الحوار الوطني وما أفرزته من تعديلات دستورية مقترحة لم تعد موضوع النقاش بعدما رفضها البرلمان الموريتاني، بل إن الأمر أخذ بعدا آخر بعدما قرر رئيس الجمهورية طرح حزمة التعديلات الدستورية المقترحة للاستفتاء بطريقة تخالف نص وروح الدستور الموريتاني، أي أننا أمام خرق سافر للدستور الموريتاني من طرف رئيس كان أقسم بأن يحترم ذلك الدستور ويسهر على تطبيق القوانين الموريتانية.

 

يكاد معظم القانونيين الموريتانيين يجمعون على عدم قانونية الاستفتاء المزمع إجراؤه، ويرى الدكتور محمد الأمين ولد داهي - وهو أحد الفقهاء الدستوريين الذين أشرفوا على إعداد الدستور الموريتاني الحالي - أن المادة: 38 و التي استند فيها رئيس الجمهورية على أحقيته في طرح الاستفتاء، لا يمكن أبدا أن تُدرَج في إطار الأمور المتعلقة بمراجعة الدستور الموريتاني، لأن الدستور الحالي بوّب تبويبا واضحا في كل ما له علاقة بمراجعة الدستور وخصص بابا كاملا (الباب 11 ) لذلك. ومع ذلك فإن الرئيس الموريتاني لم يقدم أية مسوغات قانونية يمكن أن تبرر قراره بطرح الاستفتاء على الشعب الموريتاني، سوى القول إن قانونيين أشاروا عليه بإمكانية الاعتماد على المادة: 38 لتمرير قراره.

 

كثيرون يرون في استفتاء الخامس من أغسطس تبذيرا غير مبرر لمليارات من الأوقية كان يمكن إنفاقها في أمور قد تحسن من حياة المواطنين في وقت يمر فيه الاقتصاد الموريتاني بوضعية صعبة، ويرى آخرون أن التعديلات الدستورية المقترحة لن تنعكس - إذا تم تبنيها - على حياة المواطن الموريتاني بأي شكل من الأشكال، لكن هؤلاء وأولئك مثلهم مثل المتجادلين بشأن النشيد والعلم قد لا يدركون أن كل تلك الأمور تهون في وجه الجُرم الأكبر، وهو الانقلاب على الدستور الموريتاني من طرف شخص يُفترض أن يكون الأجدر بالدفاع عنه كونه رئيس الجمهورية.

 

كم كنت أتمنى على فخامة رئيس الجمهورية أن يكون انتهز فرصة رفض مجلس الشيوخ للتغييرات الدستورية المقترحة لقطع الطريق على بعض من اتهموه سابقا  بنزعته الدكتاتورية وعدم اكتراثه بالقانون ليُبرهن لهم على تشبثه بالقيم الديمقراطية ويقبل نتيجة التصويت ويطوي الصفحة، لكنه قرر طرح تلك التعديلات للاستفتاء. لست منجما لأعرف نتيجة التصويت، وإن كنت مقتنعا بأن النتيجة ستكون حتما عكس ما يتمنى فخامته إن تم الاقتراع بشكل شفاف، والسؤال الذي يدور في ذهني أحيانا هو:

 

هل فكر فخامته في أن النتيجة قد لا تكون في صالحه؟ وماذا هو فاعل لو أن الموريتانيين رفضوا تلك التعديلات؟