على مدار الساعة

القرين

7 يوليو, 2017 - 12:21
عبد الرحمن ودادي

زعم قدماء العرب أن لكل إنسان قرينا من الجن يلازمه كظله يوسوس له ويأمره وينهاه، غالبا ما يكون القرين ظريفا داعيا للملذات وحاثّا على المجون والخلاعة وأحيانا ينفث لصاحبه بديع الإلهام وجميل الكلام فيصبح في غمضة عين شاعرا مجيدا.

 

منهم لافظ بن لاحظ صاحب امرئ القيس وهادر قرين النابغة، وينسب أغلبهم لواد عبقر في نجد، ومنه جاءت عبارة عبقري التي يوصف بها كبار المبدعين.

 

في بلادنا تتجسد الأسطورة القديمة فلكل مدير أو وزير قرين يخفى على العوام، لا يعرفه إلا أهل البصيرة والراسخون في علوم الأسرار الخفية.

 

قرناء موريتانيا ليسوا من أهل اللطف والظرافة، لا يغرون صاحبهم بالتغزل بثغر جميل أو قوام ممشوق، وأبعد ما يكونون عن فخيم الأفكار وبديع القوافي، قرناؤنا من نوع آخر، لا يأمرون إلا بسرقة ولا يوسوسون إلا بنهب أو اختلاس، ولا يهتمون سوى بالنقد والأرض والإسمنت والسيارات.

 

كشف موقع الأخبار قرين مدير الجمارك المسمى سيد أحمد ولد عبد العزيز الذي أظهرت الوثائق أنه يدفع أقل من نصف التعرفة الجمركية على الحاويات، ويحول شركته المسماة التضامن إلى إدارة خصوصية للجباية.

 

كثير من المخلصين الجمركيين خلدوا للتقاعد الإجباري إثر تطاير زبائنهم نحو القرين القادر على تقديم تخفيضات لا يستطيع غيره الحصول عليها بل إن بعضهم تحول للعمل لحسابه بعد عشرات السنين من ممارسة هذه المهنة.

 

بهذه الطريقة يقتطع جزء من مداخيل الجمارك للقرين المستتر عن العيون الذي تأتيه عشرات المليارات بدون أدنى جهد أو عناء ليتحول إلى أحد أغنى رجال الأعمال وأكثرهم نفوذا.

 

الأدهى أن معظم التجار أصبح خارج المنافسة الفعلية ويكفي أن يقرر القرين استيراد أي مادة مثل الشاي أو الملابس أو الكهربائيات المنزلية ليقضي على المتاجرين بها لقدرته على تحطيم الأسعار وهو ما حصل فعلا وأوصل العديد منهم للإفلاس الكامل.

 

ليست هذه المرة الأولى التي يظهر فيها النهب المنظم لعفاريت موريتانيا، قبل سنوات خرجت للعلن فضيحة حرمان الخزينة من 68 مليار من عائدات جمركة السكر لصالح الغدة السرطانية والتي أدت إلى سيطرتها التامة على هذه السلعة وتحييد كل المنافسين.

 

ما كُشف بالوثائق جزء صغير من جبل الجليد المخفي، ففي كل إدارة ومؤسسة ووزارة قرين وينهب ويأمر وينهى بدعوى القرابة من كبير الشياطين والمردة والمفارقة أنه من يستحوذ على جل الفوائد والغنائم ويبقى المدير أو الوزير ملطخا بعار الفساد الذي سيسلط على رقبته إلى أن يدخل قبره ويعيّر به أولاده من بعده.

 

المصيبة أن من ابتُلينا بهم من القرناء مصابون بجوع قديم ومزمن يلازمهم رغم كل ما استحوذوا عليه، فلم تكفهم عشر سنوات من النهب المنظم، وهاهم يسعون بلا كلل للخلود في الحكم بمساعدة أراذل رجال الدين والوجهاء وحثالة السياسيين وبرعاية كبار ضباط قواتنا المسلحة الذين سخروا أنفسهم لحمايتهم واكتفوا بالتمسح على أقدامهم طمعا في عظمة من جثة موريتانيا الذبيحة.