على مدار الساعة

سيكولوجيا اللعب: لماذا نفشل في كرة القدم؟

28 ديسمبر, 2022 - 01:38
أحمد يعقوب أحمد بزيد - أستاذ جامعي

يتندر بعض الظرفاء بأن زعيما عربيا بدويا أصيلا عرضت عليه مباراة لكرة القدم فتعجب من صراع 20 رجلا عاقلا جَلدا على هذا الشيء المستدير التافه قائلا: لما ذا لا يعطون كل لاعب - لا كل فريق - كرة من مثل ما يتقاتلون عليه وينتهي النزاع؟! ولا أنكر أنني - مثل كثيرين - كنت أضحك أو أتضاحك عند سماع هذه القصة قبل أن أدرك أن كلام هذا البدوي العربي المسلم ما هو إلا تعبير عفوي عميق عن القيم التي يؤمن بها، والثقافة التي نشأ هو عليها وتربى عليها كثير من الناس في عالمه منذ الصغر.

 

في الثقافة العربية الإسلامية خصوصا وفي الثقافات الشرقية عموما يتربى الإنسان على خلق الإيثار، وعلى نبذ الأنانية، والترفع ما أمكن عن الصراع على الأشياء الصغيرة، ولا أصغر ولا أكبر من كرة القدم. ومن كثرة تكرار هذه الفكرة نظريا وعمليا في الدين والأخلاق والعادات تنتقل من الشعور إلى اللاشعور لتصبح مسيطرة على السلوك من حيث لا نحتسب.

 

وفي المقابل نجد الفلسفة السائدة في أغلب المجتمعات الغربية تقوم على الفردية المفرطة، وإن لم نقل إنها فلسفة أنانية فهي على الأقل لا ترى الأنانية عيبا، ولا تنظر للصراع على أي شيء مهما كان صغيرا من أجل الظفر به دون الآخرين سلوكا غريبا بل وجها من أوجه النجاح والتميز.

 

لكم أن تتذكروا أيام قلة المعروض من البضائع خلال أزمة حجر كورونا كيف تشاجر الناس في الغرب الغني برأسماليته على ما تبقى في محلات البيع بالتجزئة، حتى وصل الأمر إلى أن يتقاتل الناس بالسلاح الناري من أجل الحصول على لفة من ورق الحمام، بينما لم نر أي مشهد مماثل في أي بلدي عربي أو إسلامي وربما شرقي رغم قسوة الظروف وسوء الحال.

 

ولا غرابة إذن أننا عندما ننظر غربا نجد الألعاب القائمة على القطعة الواحدة التي يتنافس عليها فريقان أو مجموعة أفراد هي الغالبة مثل كرة القدم وأخواتها، ولكن عندما نرجع البصر كرتين إلى جهة الشرق نرى نموذجا مختلفا قائما على الدفاع مثل مالئة الدنيا وشاغلة الناس في أغلب الدول الآسيوية - الكريكت التي لا تختلف في الأهمية وعدد المتابعين عن كرة القدم إلا أن هذه شرقية وتلك غربية.

 

قبل فترة سألت أحد المتخصصين في علم النفس التربوي عن تفسيره لفشل أغلب الدول العربية في كرة القدم بينما نجد الدول الغربية؛ كبيرة كانت أو صغيرة غنية كانت أو فقيرة لها موطئ قدم في المستطيل الأخضر ونصيب من سحر الساحرة المستديرة، فأجابني بكلمة واحدة: "الحاضنة" لكنه قصرت عبارته عما انقدح في ذهنه من معاني وتجليات هذا الاحتضان. ولا أراه يقصد إلا ما هو أهم من اللاعب الثاني عشر ألا وهو احتضان الوعي الثقافي المسيطر على عقول وقلوب الشعوب، الذي يوجهها توجيها خفيا ندرك آثاره دون أن نحيط بكنهه.

 

ولا نجد لفرضية ارتباط الألعاب بالثقافة إلا استثناءات قليلة تؤكد صحتها، ولعل آخرها نجاح المنتخب المغربي أخيرا في الوصول إلى مرتبة لم يحلم بها منتخب عربي من قبل. ومع الإعجاب بالمنتخب المغربي وتقدير تمسك لاعبيه ومدربه بثقافتهم قولا وعملا، لا يمكن أن ننكر أن جزءا كثيرا من عناصر نجاح الأسود صنع في الغرب لا في المغرب، ونما على سفوح جبال الألب ولم ينم على قمم جبال الأطلس.

 

ومع علمنا ومعرفتنا جميعا بأننا في عالم مصمم من الغرب للغرب في مجالات بارزة مثل السياسة والاقتصاد والتعليم وغيرها، فإن مما لا يدركه كثيرون أن ما يسمى مجازا بكأس العالم لكرة القدم ليس في الحقيقة للعالم وإنما هو للغرب ومن الغرب، وما إضافته للعالم إلا كتسمية الحرب العالمية من قبل بالعالمية مع أنها أوربية غربية بالأساس، وقد تعودنا أن كل ما يصيب الغرب من خير أو شر فهو عالمي.

 

فمتى يكتب لعالمنا العربي الإسلامي الشرقي أن يحدد خياراته الثقافية والرياضية بعيدا عن التسويق والتنميط الغربي المتوحش؟!