على مدار الساعة

رقابة الصفقات والضحك على الذقون

12 يوليو, 2017 - 16:59
مولاي أحمد ولد محمدو -  اقتصادي بوزارة الصحة

قد يتعلق بعض الغيورين على هذا الوطن من أبنائه وغيرهم من أصحاب النوايا السليمة بقرار مجلس الشيوخ المنتهية صلاحيته المهترئة جدرانه تشكيل لجنة للتفتيش والبت في سير عمل لجان الصفقات أو صفقات التراضي تحديدا )بما فيها مقايضة الأرض المضنون بها على مستحقيها ممن لا يملك شبرا فى هذه الربوع في صفقة مشبوهة فاحت رائحتها حتى أزكمت الأنوف(.

 

وبغض النظر عن جدية الخطوة من عدمها ومدى أهلية المنتدبين للمهمة للقيام بها على أكمل وجه، ورغم ما شهدته من تعثر ومطبات فإن مجال الصفقات شهد ولا يزال يشهد أعتى وأنضج حالات الفساد والاعوجاج والانحراف والظلم بدءا من اكتتاب طاقم هذه اللجان - رؤساء وأعضاء – وانتهاء بإسناد وتنفيذ مناقصاتها.

 

ولعل الأدهى من ذلك والأمر أن هذا الانحراف والحيف والبغي والظلم يصدر من الجهة الوصية المفترض أن تكون العين الساهرة واليد القائمة على تقويم ما لا يتماشى مع القانون والنصوص المنظمة للقطاع ألا وهي اللجنة المكلفة بالرقابة ممثلة في رئيسها المثار اللغط في البرلمان حينها عند تعيينه والمنعوت ببعض الصفات الأخرى أثناء تسييره.

 

لقد ظلت الملاحظات العامة والمآخذ التي يثيرها المراقبون والمفتشون من خارج هذه اللجان تتمحور حول نقاط جوهرية نوردها باختصار شديد دون النزول إلى إعطاء الأمثلة المشفوعة بالأرقام والموجودة في بعض تقارير بعض هذه البعثات:

 

- 1 أغلب هذه الصفقات يتم بطرق غير مطابقة للقانون (Dérogatoire) يتم فيها خرق المساطر الإجرائية،) صفقات التراضي والاستشارة المبسطة(، والمسوغات التي تساق لتبرير اللجوء لمثل هذه التصرفات كثيرا ما تكون واهية وغير مقنعة بالمرة، وهي السبب في وجود تواطؤ مشبوه على مختلف المستويات وتضارب مصالح وفوترة فاحشة يخصم لكل متدخل منها نصيبه كاملا غير منقوص، لا تشعر أن الأخ منح صفقه بناء حائط إلا بعد أن تسمع أنه شيد منزلا أو منزلين في بئر السنط.

 

2 - الاحتياجات المعبر عنها في الغالب الأعم غير صادرة عن المصالح والقطاعات المفترض أن تكون المستفيد النهائي من الخدمة ـ والمقتنية لها لأنها غالبا ما تستبعد من صياغة دفتر المواصفات، هذا الاختلال كان سببا دائما في وجود معدات غير مستخدمة (عدم وجود مكان لتركيبها وغياب التكوين للطاقم القائم على تشغيلها ).

 

3 - حجة الاستعجال التي تثار من طرف المسؤولين تفتح الباب واسعا أمام غياب الشفافية والفساد التي تطبع مثل هذه الصفقات، كما أن هذه الفترات الاستعجالية غير المنسجمة مع القانون والنصوص المنظمة )من 1 إلى 3 أيام (كثيرا ما تتعارض مع فترات التنفيذ لبعض الصفقات (7 إلى 12 شهرا).

 

4 - وثائق بعض المؤسسات المتقدمة للمناقصات أحيانا تكون متعارضة وغير منسجمة فيما بينها " أذن المصنع" ( Fabricant )، بلد المنشأ وغيرها، وبعض هذه الوثائق يتعارض مع أخرى لنفس المورد يتم تسليمها لمؤسسات أخرى كإدارة الضرائب والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، هذه الضبابية وهذا التعتيم في هذا المستوى يفتح المجال أمام قراءات متعددة عن تقييم وتنفيذ الصفقة.

 

5 - التقييم كثيرا ما يتم في ظل انتهاك مطلق للإجراءات كما أن مرحلته تعتبر هي الوقت المناسب لخرق القانون والتهاون مما ينجم عنه في الغالب إسناد الصفقة إلى غير مستحقها من مؤسسات غير مؤهلة وغير مستوفية لشروط التأهيل التي من أهمها: تفويض الشركة المصنعة للمعدات، الضمان البنكى، التأهيل الفني والتزام المورد بتكوين المستخدمين.

 

6 – الإسناد: على غرار التقييم فإن إسناد هذه الصفقات يتم بعيدا عن الإجراءات القانونية المعهودة ومن أهم المخالفات في هذا المجال

- إسناد الصفقات إلى مستفيدين دون أية إجراءات أو إسنادها إلى شخص ثالث بنفس الطريقة.

- إلغاء إجراءات الصفقة في إحدى مراحلها دون أي مسوغات مقبولة وهو ما يخلق مناخا ملائما لمنحها في ظروف مشبوهة ومشكوك فيها.

 

7- التنفيذ: يعاني هو الآخر من عدة أوجه قصور خطيرة وهو ما يعتبر نتاجا طبيعيا للاختلالات التي أوردنا أعلاه وكمثال نورد النقاط التالية:

- تأخر التنفيذ سمة غالبة على كل الصفقات، لم يتم تنفيذ صفقة في أجلها المحدد في أحد القطاعات الاجتماعية فترة مرور مهمة تفتيش سابقة.

- الموردون الذين يتولون تنفيذ هذه الصفقات غالبا ما يكونون غير مؤهلين لتنفيذها وفق عروضهم المثالية والمغرية في الغالب، أما التنفيذ فيكون بعيدا كل البعد من المستويات المطلوبة.

 

زد على ذلك أنك تجد 6 أو 7 مؤسسات تتقدم للعطاءات المختلفة وهي تابعة لشخص واحد وهو ما أشارت إليه مفتشية الدولة في أحد تقاريرها وأعطوا مثالا حيا على ذلك )نترك للقراء تقدير العلاقات والروابط التي تربطهم بمراكز اتخاذ القرار(.

 

لكن السبب الجوهري لهذه الاختلالات والفوضوية الضاربة في هذا القطاع والفساد المستشري هو غياب الأهلية والإرادة الجادة لدى القائمين على هذه اللجان، شباب أغرار غير أكفاء وعديمي الخبرة وجدوا أنفسهم رؤساء وأعضاء لجان نتيجة استخفاف واستهتار سافر بعقول المتقدمين لمختلف الاكتتابات وفي غياب كامل للشفافية وخرق سافر للمعايير المنصوص عليها في مثل هذه المسابقات.

 

وهو ما رعته ونفذته وعملت على استمرارية لجنة الرقابة التابعة للأمانة العامة للحكومة بدءا من اكتتاب رؤساء هذه اللجان المعلن عنه في إبريل 2015 وليس انتهاء باكتتاب الأعضاء في الأسبوع الأخير من نفس السنة.

 

وهذه مسألة سال فيها الكثير من الحبر واجتر فيها الكثير من الكلام، وابتلع فيها الكثير من الشرفاء مرارة الظلم والغبن وانتشى آخرون مؤقتا بما اقترفوه في حقهم.

 

إن الظلم كما قيل: ينجم إما عن هزيمة نفسية أو حقارة وصغار أو عن الإثنين معا.

 

كان رئيس اللجنة الوطنية لمراقبة الصفقات حسب المتقدمين لهذه المسابقات هو الذي تولى كبرها وأِشرف على عملية اكتتاب الرؤساء يساعده مستشاران من الاقتصاد والمالية (قمعي بشام).

 

عمل جاهدا على إقصاء الخبراء الوطنيين في المجالات المالية والصفقات العمومية وأصحاب التجربة المهنية والمؤهلات العلمية والكفاءات العالية المشفوعة بالشهادات المنصوص عليها في الإعلان، واختار رؤساءه الذين انتقاهم على معايير هو أدرى بها، لكن ليس من ضمنها ما اتصف بها المستبعدون.

 

بعدها تم الشروع في اكتتاب أعضاء اللجان وكانت الشروط أخف وأيسر حتى يتمكن المذكور أعلاه وزمرته من أن ينتقوا من يحلو لهم من المتقدمين إلى الاكتتاب.

 

وكسابقتها وفي تحد سافر للمشاعر والأحاسيس وخداعا لأصحاب لحى لا تنطلي عليهم الحيل تم انتقاء مجموعة من الشباب حديثي عهد بالتخرج (2015) - والعهدة على أحد الأعضاء القدماء لإحدى اللجان -، روعي في انتقائهم القرابة على مختلف درجاتها والمحسوبية والرشوة (مادية أو بجاه، سواء كان جاه قرابة أو حزب أو طائفة أو جاها زائفا حديثا في هذا العهد)، وتم استبعاد الضعفاء الذين لا سند لهم ولا واسطة والأدهى والأمر أن الإلحاق لا زال مستمرا بهذه اللجان كلما شغر مقعد دون أن يشعر به أحد – يأتي أحدهم يحمل مذكرة تعيينه ويدمج بسرعة البرق.

 

(أنا لا أذكر أسماء ولا أسماء)، والعمال غير الدائمين (PNP) في هذه اللجان هم الآخرون تم اختيارهم بنفس الطريقة وكانت لنفس الشخص اليد الطولى في ذلك، وتسمع الأسماء التي سبق وأن مرت على أذنك وتتعجب كيف ضايق المتر فالقانع والمعتر (الأيتام القائمون على مركز لكفالة الأيتام على رأي إحدى الجرائد الساخرة).

 

شخص يفترض أن يكون ثقة ومؤتمنا على رقابة حسن سير هذه اللجان ينزل إلى هذا المستوى من التلاعب والتزوير والغش بهذه الطريقة المخجلة التي كشفت الوجه الحقيقي له وللظهير العائذ به. إنها بحق خيانة الأمانة-  وكأني به يقطب جبينه ويلوي شفته السفلى كرهطه ليقول من أنتم؟ ومن هؤلاء المنتقدون؟ (هاذو ما ايشغبو اكليام المعارضة).

 

اعلم يا هذا وغيرك من أهل الولايات والمناصب وأهل الوظائف والمراتب أن تفضيل بعض الناس على أمثالهم في الوظائف ظلم جسيم وتقديم من ليس أهلا على من هو أهل جور عظيم وقصد المضرة بالآخرين في دنياهم ظلم مبين.

 

وليحذر من له عليك سلطان (حتى لا نظلمك) ممن جعل الله حاجات الخلق عندهم أن يضطرهم إلى ما لا يحمد شرعا ولا يرتضى طبعا فيبوء بالإثم والغضب من رب السماوات والأرض القادر المعز المذل دون الغفلة عن سنن الله في الأرض، وأجدرها بالحضور نصب عينيك سنة التداول التي من مؤشرات نزولها في أمة من الأمم أو شعب من الشعوب وحتى في حياة الأفراد فساد القيم والأخلاق ومخالفة أمر الله وارتكاب الذنوب والمعاصي، وتذكر قول علي بن أبى طالب رضي الله عنه:

 

أمــــا والله إن الظــلم شــــــؤمٌ ولا زال المــــســـيء هو الظلــــومُ

إلــــى الديـان يوم الديـــــن نمضــي  وعنـــــد الله تجــــتمع الخـــــصـــومُ

 

أخيرا: لا حرج على المظلوم أن يدعو على الظالم أو يسبه أو يشتمه مقابل ظلمه وعلى حسبه.