على مدار الساعة

شيء من التاريخ اتفاقيتا الجل 1886

7 يوليو, 2023 - 10:51
الدكتور غالي الزبير

نشر موقع " الاخبار إنفو" مقالا للباحث والمؤرخ الموريتاني القدير سيد أحمد ولد الأمير  حول عدد من الاتفاقيات التي وقعتها فرنسا مع إمارات ومجموعات قبلية موريتانية متعددة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر كشف عنها الارشيف الفرنسي.

 

وتوقف الباحث والمؤرخ ولد الامير عند خصوصية اتفاقية فرنسا مع امارة أدرار والتي كانت الاتفاقية الوحيدة التي وقعها الرئيس الفرنسي يومئذ سادي كارنو  ووزير خارجيته جول دوفيل، ووزير التجارة والصناعة والمستعمرات السيد لويس تيرييه في حين وقعها من الجانب الموريتاني الأمير أحمد بن سيدي أحمد بن أحمد بن عيدة،  بينما وقع باقي الاتفاقيات الوالي الفرنسي المقيم بالسنغال أو الوالي الفرنسي المقيم بالسودان الفرنسي، وفي تفسير هذه الخصوصية والاهمية التي اكتسبتها هذه الاتفاقية يقول ولد الامير" يبدو أن فرنسا حرصت على أن تكون الاتفاقية مع إمارة آدرار ذات طابع دولي، وموقعة من أعلى المستويات لسببين: أولهما: أن الفرنسيين قد تأكدوا في نهاية القرن التاسع عشر من أن أراضي منطقة آدرار تحتوي على مناجم عديدة من أبرزها الحديد، خصوصا وأن بعض المستكشفين الفرنسيين مثل الضابط فينسان، الذي زار آدرار سنة 1860، أكد على غنى تلك الأراضي بالمعادن المختلفة، وهو ما يعني ضرورة وضع اليد عليها قبل أي دولة أوروبية. والفرنسيون أصبح لديهم من المعلومات الطبيعية والجيولوجية عن منطقة آدرار ما لا يمتلكه غيرهم، ومن الضروري العمل على سبق غيرهم من القوى الأوروبية المتنافسة على القارة الإفريقية.

 

أما السبب الثاني، وهو المهم، ويتلخص في كون فرنسا تعرف أن إسبانيا قد وقعت في 10 شوال 1303هـ أي 12 يونيو 1886م اتفاقا مع أمير آدرار أحمد بن امحمد، وبموجبه يعترف هذا الأخير بالسيادة الإسبانية على نقاط محددة في الصحراء الغربية، وتريد فرنسا من إبرام اتفاقية جديدة مع سلفه وابن عمه الأمير أحمد بن سيدي أحمد ألا تترك المجال مفتوحا لإسبانيا، بل تحصر اتفاقها مع الأمير أحمد بن امحمد في مجال محدد لا يشمل غير الصحراء الغربية، ويستثني الشمال الموريتاني الذي تعرف عنه فرنسا من المعلومات الجيولوجية ما لا تعرفه إسبانيا".

 

والظاهر أن الباحث والمؤرخ ولد الامير رغم مكانته العلمية وموضوعيته المشهود له بها قد جانب الصواب في النقطة الثانية من تعليله، إذ أنه ذهب الى القول أن أمير ادرار أحمد بن محمد قد منح إسبانيا اعترافا بالسيادة على نقاط في الصحراء الغربية.

 

والواقع  ان الاتفاقيات المشار إليها هنا، هي اتفاقيات 12 يوليو 1886 (وليس 12 يونيو كما ذكر ولد الأمير في مقاله) والمعروفة باتفاقيات الجل نسبة الى سبخة الجل تقول خلاف ذلك، إذن أن هناك اتفاقيتان منفصلتان، وقعتهما البعثة الاسبانية القادمة من مدينة الداخلة والتي ارسلتها الجمعية الاسبانية الجغرافية التجارية بتفويض وصلاحيات من الحكومة الاسبانية، الاتفاقية الاولى وقعتها البعثة مع شيوخ القبائل التي تستوطن المناطق التي عبرتها البعثة من الداخلة مرورا بنكجير ثم ادرار سطف وتيرس الغربية وصولا إلى سبخة الجل، والاتفاقية الثانية مع الامير أحمد ولد محمد ولد عيدة وفيها يعترف بالسيادة الاسبانية على منطقة نفوذ إمارة أدرار ويحدد حدودها بالتفصيل، كما سنرى لاحقا.

 

وفي هذا السياق يكتب عضو البعثة المترجم فيليبي ريزو في مقال نشره في العدد 25-30 ، من مجلة الجمعية الجغرافية التجارية، يوليو-سبتمبر 1886، بعد الحديث عن الاتفاقية الاولى "في نفس المكان وفي نفس التاريخ ، تم التوقيع على معاهدة مع أحمد بن محمد ولد عيدة ، شيخ أدرار التمر ، وزعيم قبيلة يحيى بن عثمان".

 

ولنستعرض فحوى الاتفاقيتين لتتضح حقيقة أن اتفاقية البعثة الإسبانية حول أراضي الصحراء الغربية وقعت مع شيوخ القبائل المحلية في حين خص الاتفاق مع أمير أدرار الاراضي التي تتبع لإمارة أدرار حينها والتي فصلت الاتفاقية في بيان حدودها والتي تقع خارج أراضي الصحراء الغربية.

 

الاتفاقية الأولى:

على أراضي الجل (الصحراء الغربیة، هكذا في نص الاتفاقية) 5 كم إلى الشمال الشرقي من البئر المسمى لعوج؛ (یذكر النص الإحداثیات الجغرافیة للمكان)، وفي اليوم الثاني عشر من شھر یولیو من عام 1886 (10 من شوال عام 1303 للھجرة)، الجمعیة الإسبانیة للجغرافیا التجاریة ، وباسمھا، د. سیرفیرا وبافاریا ، نقیب المھندسین؛ وفرانسیسكو كیروغا رودریغیس، دكتور في العلوم، أستاذ في جامعة مدرید ، ود. فیلیبي ریزو رامیریز، قنصل من الدرجة الأولى وأستاذ اللغات، وبالأخص اللغة العربیة؛ یعلن الثلاثة الذین أرسلتھم الجمعیة المذكورة للقیام برحلات استكشافیة ودراسة داخل الصحراء الغربیة، والمفوضین حسب الأصول من قبل الحكومة الإسبانیة، ما یلي: جمیع الأراضي الواقعة بین ساحل الممتلكات الإسبانیة في المحیط الأطلسي ، من رأس بوجدور إلى الرأس الأبیض والحد الغربي من آدرار (المقصود ھنا آدرار سطف) ، تنتمي إلى إسبانیا منذ تاریخ الیوم. من بین المناطق المذكورة أعلاه: لعوج وسبخة الجل وتیرس الغربیة واوسرد ونكجیر والرك (المقصود رك لمحون) وقصیبة لعظام وتنواكا وأدرار سطف وأكركر وغیرھا وھي الأراضي المسكونة من قبل (یورد نص الاتفاقیة أسماء 11 من القبائل والأعراش التي تسكن ھذه المناطق).

 

 في حفل التوقیع رفعت الرایة الوطنیة وحضر الزعماء والشیوخ (یورد نص الاتفاقیة أسماء و أو انتماءات 15 من الشیوخ والزعماء الحاضرین) وقد أبدى الجمیع موافقتھم على ھذا الاتفاق، وعینوا من ینوب عنھم للتوقیع علیھ (لائحة بأسماء الموقعین).

 

الاتفاقیة الثانیة:

في إقلیم الجل، حدود آدرار التمر، وفي الیوم الثاني عشر من شھر یولیو 1886 (10 شوال 1303 للھجرة)  

الجمعیة الإسبانیة للجغرافیا التجاریة ، وباسمھا، د. سیرفیرا وبافاریا، نقیب المھندسین؛ وفرانسیسكو كیروغا رودریغیس، دكتور في العلوم، أستاذ في جامعة مدرید، ود. فیلیبي ریزو رامیریز، قنصل من الدرجة الأولى وأستاذ اللغات، وبالأخص اللغة العربیة؛ یعلن الثلاثة الذين ارسلتهم الجمعية للقیام برحلات استكشافیة ودراسة داخل الصحراء الغربیة، والمفوضین حسب الأصول من قبل الحكومة الإسبانیة ، ما یلي: أحمد بن محمد ولد عیدة، شیخ آدرار التمر، زعیم قبیلة یحیى بن عثمان القویة، برفقة أقطاب بلاطه وقیادته (یذكر نص الاتفاقیة أسمائھم)، یعترف بسیادة إسبانیا، على جمیع أراضي آدرار التمر، ویخضع مع قبیلته لحمایة الحكومة الإسبانیة.

 

تمتد حدود الأراضي المذكورة المعترف بھا من قبل عرب الصحراء الغربیة من آبار تاودني إلى الشمال من ودان إلى القصر (ربما یقصد قصیر الطرشان) إلى الجنوب من أوجفت؛ ومن الجل وآبار آغوینیت في الغرب، إلى تیشیت في الشرق.

 

وإثباتا للخضوع والتبعیة، سلم الشیخ أحمد بن محمد ولد عیدة حصانه وبندقیته إلى رئیس اللجنة الإسبانیة، وطلب من الحكومة استخدام ختم خاص للإذن بالوثائق والمراسلات الرسمیة، التي یجب علیه بعد ذلك الاحتفاظ بھا مع سلطات إسبانیا. وللتسجیل ، یوقع معنا كممثل لأحمد بن محمد ولد عيدة، الذي لا یعرف كیف یوقع ، الشریف جدو  من أبناء سیدي یحیى.

 

في الجل في 12 یولیو 1886 (10 شوال 1303ھجریة). (التوقیعات).

 

ويرجع السبب في عدم بسط إسبانيا لسيطرتها على منطقة ادرار الموريتانية  عقب مؤتمر برلين كما حدث مع الصحراء الغربية، رغم خضوع أمير آدرار  للسيادة الاسبانية  وبحسب المؤرخ أزوسينا بيدراز ، لأن "وضع هذه المناطق الخاضعة للحماية الإسبانية تعني الامتثال لما هو منصوص عليه في مؤتمر برلين حول ممارسة الاحتلال الفعال، الأمر الذي يتطلب نفقات في الحاميات والوظائف وطرق الاتصال، الشيء الذي لم تكن إسبانيا في وضع يمكنها من تحمله".