على مدار الساعة

5 سنوات من العمل.. هل فشلنا إعلاميا في تسويق منجزات المأمورية الأولى..؟

19 أبريل, 2024 - 03:58
سعيد ولد حبيب

أرقام فلكية صرفت في مجالات التنمية ومحاربة التهميش وتوفير فرص تشغيل، وتحسين خدمات خلال المأمورية الحالية، لكن لماذا لم يقنع صرف كل هذه الموارد جبهة واسعة من جبهات الرأي العام ما زالت تنظر لهذه الحصيلة بعين القصور وعدم الفعالية؟ فهل هذه النظرة ناجمة عن حقائق على الميدان أم لقصور في أداء الآلة الاعلامية للرئيس والحكومة؟

 

تعتمد سياسة تسويق الأداء الحكومي غالبا على نوعين من وسائل الإعلام عمومية وخصوصية.

 

وتركز البوصلة في اتجاهين من محاور التأثير، إحداهما داخلية توجه للمواطنين والمقيمين، وأخرى خارجية لتحسين صورة السلطة والبلد بشكل عام في عيون الآخر..

 

حالة الميوعة.. وضعف إعلام السلطة

من الواضح أن دور الإعلام كان محدودا ولم يستخدم أدوات التسويق القائمة على دراسة نفسية وسوسيولوجية للجمهور المستهدف، بحيث يدمج بشكل مهني ببن شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية.. صحف إذاعة وتلفزيون، لتقديم هذه المنجزات في قالب مقبول، بل إن كثيرا من المواد الدعائية تأتي بأثر عكسي عندما تبث عبر وسائل الإعلام الحكومية التقليدية، ويظهر ذلك جليا في أسلوب إظهار المنجز مثلا على التلفزيون الرسمي فلا تكاد التعليقات الساخرة التي تعقب بث أي محتوى - يسلط الضوء على إيجابيات منجز ما - تلتزم بأدنى مستوى من الاحترام نظرا لطابع السخرية والرفض اللذين يقابل بهما المحتوى المنشور على الوسائط.

 

وقد كان أولى براسمي السياسة الإعلامية الحكومية إدراك التحولات في مجال الدعاية السياسية والإعلامية للتعامل مع هذا الواقع - الذي جعل الناس ضمن عائلة واحدة -  بمهنية أكثر إذ لم يعد التطبيل والتفخيم في اللغة والوصف والمبالغة في الإطراء، أساليب مجدية في زمن بات الناس متساوين تقريبا في الحصول على المعلومة ما يؤهلهم لتقييم ما يحدث من منجز بواقعية أكثر..

 

إن قيام إعلام السلطة بتلميعها بات أمرا مستهجنا وأصبح في نظر بعض الناس كـ"من يعطس ويشمت لنفسه" كما يقول المثل، وهو بذلك يعود بنتيجة سالبة على المقصود به ومنه، فكم من مواطن عندما تسأله اليوم مثلا عن متابعته لوسيلة إعلام رسمية إذاعة أو تلفزيون يقول لك منذ سنوات لم أشاهد التلفزيون ولم استمع للإذاعة.. وهكذا أصبح من الضروري إعادة صياغة مقاربة حول دور وسائل الإعلام العمومية في تسويق المنجز وما ينبغي أن يطرأ على ذلك الدور من تغييرات في هذا الزمان ..

 

بدائل.. بدون تأثير

في محاولات أتت ضمن سياقات وظروف معينة؛ تمت الاستعانة ببعض وسائل الإعلام الخاصة لرفد هذا المجهود وتمهينه لكن التجربة لم توفق للحد الذي يتقبله الجمهور والرأي العام، ذلك أن بعض المواقع والمنصات ظلت خلفيتها تمويلا وتوجيها واضحة خاصة أن بعضها يتلقى تلك التمويلات بطريقة جلية من الخارج وتخدم بعض الأجندات أيضا بينما تقوم بعض وسائل الإعلام والمدونين القريبين من السلطة بأداء باهت وغير مهني يشبه إلى حد بعيد طريقة عمل وسائل الإعلام الحكومية.

 

المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية..

وفي سياق محاولات رتق الفتق جاءت تجربة إنشاء مكتب إعلامي لرئاسة الجمهورية؛ كتجربة لم تتمكن حتى الآن من سد الفراغ الذي تركه الاستغناء عن  بعض خدمات الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء في مواكبة نشاطات الرئيس في الداخل والخارج، ولم يقدم المكتب الإعلامي مقابل ذلك ما يسهم على الأقل في تزويد وسائل الإعلام العمومية بنصيبها من تغطيات نشاطات الرئيس، ولم يساعدها على ما كانت تقوم به تلك المؤسسات من متابعات تعين على صناعة الخبر وما بعد الخبر، فعليها انتظار خبر مقتضب يأتي من المكتب ولا يستوفي المعايير المهنية؛ ولا يجيب على الأسئلة المعلومة فهو لا يستخدم أسلوب الهرم المقلوب ولا يقدم تفاصيل تهم الجمهور وتساعد في فهم أبعاد الأحداث ولا يثري المعالجات بتقارير وربورتاجات وتحليلات ومقابلات..

 

وهكذا لم يوفق المكتب الاعلامي في تغطية شاملة لنشاطات الرئيس ولم يترك للمؤسسات الأخرى فرصة للقيام بذلك على تواضع ما تقوم به وعدم مهنيته ففقدنا في ظل حالة التجاذب بين المكتب الاعلامي والمؤسسات الرسمية ميزة السبق وحرية المعالجة ومكنة الإحاطة بالحدث لأن كل معطياته ليست متاحة.

 

اليوم مرت خمس سنوات تقريبا من العمل، خصصت لها موارد كبرى وظهرت فيها مشروعات بارزة، منها ما يتعلق بالتأمين الصحي وعلاج فئات من البسطاء بالمجان والاعتناء بالمتقاعدين وبناء الجسور والمدارس، وتحسين بعض الخدمات وصقل صورة البلد دبلوماسيا وخلق جو تهدئة، لكن كل ذلك وغيره لم يجد رؤية اعلامية مدروسة لتسويقه ومواكبته..

 

إن كثيرا من الناس يقدم اليوم تقييما غير منصف لسنوات من العمل في بيئة صعبة تتعاورها أقدام بقايا الفساد لكن حصة الفئات الضعيفة منها كانت تستحق على الأقل بعض الضوء..