على مدار الساعة

إنه النشيد الوطني.. أليس منكم رجل رشيد؟

22 أغسطس, 2017 - 23:51
محمد عبد الله لحبيب

إذا قبِل كل أعضاء لجنة تزوير النشيد الوطني الدخول في هذا العمل الوسخ، دون أن يكون من بينهم رجل رشيد ينأى بنفسه عن المهزلة، فنحن في بلد منكوب بحق.

 

أيعقل أن يكون هذا العدد من منسوبي النخبة الوطنية دون رجل واحد يمكنه أن يعتذر عن المشاركة، ولو باختلاق عذر طبي والسفر للعلاج في الجارة السنغال، حتى تنتهي أيام التعرق في انتظار تعويض يمر من أنبوب وزارة الثقافة.

 

من المستساغ أن يبحث الإنسان عن مجد شخصي عبر المساهمة في كتابة كلمات النشيد الوطني لجزر الواق الواق، ويرفع على جدار بيته صورة لتسليم النسخة النهائية من عمله.

 

هذا "الشرف" مخروم في هذه الحالة الجنرالية الخاصة بنا، ومن المستبعد أن يتم المشهد الذي تخيل أصحابنا، ومن شبه المستحيل أن يضجع أحدهم بعد عشرين سنة ليشرح لحفيدته الجالسة على صدره، مدى الغبطة التي اجتاحته وهو يلتقط هذه الصورة.

 

بمنطق الحسابات البسيطة فإن حفيدته لن ترتل هذا النشيد، لأن حالة الرفض التي يعرفها الشارع ستغري أي مترشح غدا بأن يكون الركن الأساس في برنامجه الانتخابي؛ إعادة النشيد والعلم، ومجلس الشيوخ. إلغاء التعديلات غير الدستورية، لذا فإن الانتشاء بنشر "اسمي في لجنة صياغة النشيد التي شكلتها رئاسة الجمهورية" شبيه بالشبع الكاذب.

 

ابتسم صديقي الشاعر (...) نصف ابتسامة، ارتجفت شفتاه، وفرك يديه رهبا، وهو يتأمل مشهده داخلا من بوابة قلعة التاريخ، مثل التي رآها في مسلسل الفرسان أيام جن الصبا. مهلا ذلك سور في مدينة سينمائية لا يؤدي إلى قلعة التاريخ، إنه يؤدي إلى فراغ من العمران، وفيفاء ينصب فيها المصورون كامرات.. وسيصور المشهد القادم بعد شهر في مدينة أخرى، لأن الأسوار الخزفية تقام وحدها، وليس على أبواب المدن.

 

المشكلة هنا أن المشهد التمثيلي، الذي تعلكه ذاكرتك الآن، لن يكون كاملا في حالة تزوير النشيد.. أنت نفسك ستمزق الصورة لأن الجنرال القادم بعد أشهر أو سنوات، سيغير رأيه، لينال ثقتنا. أنت أيضا ستغير رأيك كما تفعل في كل مرة.

 

المتحرقون إلى الدخول مما يورنه بوابة للتاريخ، يخطؤون حين لا يفكرون في أن النشيد الوطني، لا يجوز تغييره بأغلبية سياسية مشكوك فيها.

 

لا نتوقع ممن قبل أن يكون في لائحة التزوير هذه أن يفكر أبعد من ذلك، وينأى بنفسه عن السلطة، أي سلطة، ولأننا نعرف أغلب المسمين، وشيئا من مواقفهم، فيمكن تخمين أنهم سيقبلون التكليف دون كبير ممانعة.

 

من بين المسمين للأسف أساتذة درسوني وأحتفظ لهم بذكريات جميلة، وبكثير من المودة الشخصية، ومن بينهم زملاء وأصدقاء وشعراء، أكن لهم تقديرا واحتراما، وكان بودي أن أحترم لهم الاختلاف في هذه القضية. إن هذا ليس خلافا في الرأي، هذا نشيد تربت عليه الأجيال، واطمأنت إليه نفوس ساكنة هذا البلد... وتزويره بلجنة مشكلة في ظلام معارك سلطة فاسدة، أكبر من مجرد خلاف في الرأي.

 

لا ترفضوا لأنكم تعتقدون أن النشيد يجب أن يبقى، بل نوافقكم جدلا على أهمية تغييره، انتظروا قليلا حتى تكونوا ضمن لجنة تختارها أغلبية سياسية غير مشكوك فيها، لا تنتظروا الإجماع، ولا الحوار، انتظروا فقط أغلبية سليمة، وظرفا سياسيا واجتماعيا، غير استثنائي.

 

إنكم، لو قبلتم، (وتشرف بعضكم) ستخرجون من التاريخ الذي تريدون دخوله، وستدخلون الذاكرة، بقعة سوداء إلى جانب البقع التي تكاد تطمر أجسادنا في هذا الليل الوطني البهيم.

 

أتعرفون على ما ذا أنتم مقدمون؟ إنكم ستضعون لنا صورة مكان صورتنا في بطاقة التعريف، واسما غير الذي اختاره آباؤنا في جواز السفر.. هل يمكن أن تقبلوا بإعطاء هذه الصلاحية لوكالة الوثائق المؤمنة؟ هو نفس الفعل؛ الفارق أن الذي سيتضرر من تزوير النشيد، هو وطن، وذاكرة، وشعب بكل أفراده، وتاريخ من الانسجام، أما صلاحية وكالة الوثائق في تغيير اسم حفيدتك فسيخدش فقط شعورك حين تضعها على صدرك لتحدثها عن أبعاد الصورة وتعرفها على الحاضرين فيها. تلك الصورة التي لن تقع.

 

سيكون لكل رافض منكم علينا أن نضعه في أول لجنة يشكلها الوطن لتعديل النشيد، سنضع اسمه إلى جانب الشيخ سيديا بابا، في حال لم يغير النشيد، ونقترض له منه بيتا أو شطره، سيكون صدر بيت بدل العجز الذي ستواجه به حفيدتك بعد أن وخطك شيب الفضيحة، ولات حين تغيير مسلاخ.

 

فكر جيدا صديقي، هل تريد أن يكون اسمك بجانب اسم الشيخ بابا، أم الشيخ ولد بايه؟ فكر في حفيدتك.

 

نقلا عن صفحة الكاتب على فيسبوك