على مدار الساعة

أين تذهب القروض السعودية لموريتانيا؟

29 أغسطس, 2017 - 16:16
الإمام ولد محمد محمود

"وقع وزير المالية الموريتاني يوم أمس اتفاقية تمويل من الحكومة السعودية لثلاثة مشاريع، وذلك بتمويل إجمالي قدره 49 مليار أوقية" مثل هذه الأخبار تمر بشكل دائم على آذان الموريتانيين دون أن تحرك فيهم أبسط تساؤل حول جدوائية هذه القروض؟ وأين تذهب؟ وكيف ستسهم في تحسين وضعهم المعيشي، وضعهم الصحي، وضعهم التعليمي وحتى وضع عاصمتهم الغارقة في برك المياه الراكدة.

 

حينما تستمع إلى المولاة أو حتى أحد أعضاء الحكومة يصور إليك أنك تعيش في السويد وليس في موريتانيا. أرقام خيالية وإنجازات خرافية ووراء ذلك كله ماكنة إعلامية ضخمة خصصت لنشر هذه الأرقام وطابور من المتملقين للدفاع عنها حتى وإن كان ذلك يتعارض كل التعارض مع الواقع المعاش.

 

لنخرج قليلا من الواقع الخرافي التي تعيشه الأغلبية ونظام الجنرال ونسبر أغوار تقارير دولية معروفة بعراقة تجربتها في مجال الدراسات الإستراتيجية، ولنحاول بطريقة صادقة تتبع آثار القروض على واقع الناس وحياتهم ولنكن أوفياء للحقيقة بالإعتراف بها وتقبلها فإن التمادي والتعامي لا يغير من الواقع شيئا. ولنتساءل: أين تذهب القروض المقدمة السعودية؟

في مارس 2010 نجحت حكومة الانقلاب باستعادة بعض من علاقتها مع مؤسسات التمويل الدولية حيث بدأ صندوق النقد الدولي ممارسة نشاطاته مع الحكومة الجديدة خاصة من خلال برنامج Extended Facility Credit (EFC)  وهو برنامج تم إعداده من الصندوق لمساعدة الدول التي تعاني من مشاكل في ميزان مدفوعاتها.

استفادت موريتانيا من هذه البرنامج من خلال حصولها على مبلغ 77.8 مليون دولار بدأت أولى دفعاتها مارس 2010، وفي يونيو من نفس السنة حضرت موريتانيا مؤتمر بروكسيل للمانحين واستطاعت الحصول على تمويلات بقيمة 4.2 مليار دولار للفترة ما بين 2011 – 2013 وتشمل مشاريع التمويل هذه، تسريع وتيرة النمو الاقتصادي وتطوير القطاع الخاص، تركيز النمو في المناطق الأشد فقرا، تنمية الموارد البشرية وتسهيل فرص الحصول على الخدمات الأساسية، تطوير عمل الأداء الحكومي.

في نهاية 2013 ومع انتهاء الفترة المستهدفة للمشاريع الإنمائية الممولة من طرف مؤتمر بروكسيل سجلت مؤشر الشفافية 30 نقطة من أصل 100 مصنفا البلاد ضمن الدول الأكثر فسادا في العالم حيث تحتل المرتبة 119 من أصل 175 دولة جنبا إلى جنب مع الموزنبيق، وسيراليون بينما ما سجلت كل من تونس والسنغال المركز 77 بـ41 نقطة، واصل المؤشر الهبوط مترجما مستوى استشراء الفساد والمحسوبية والنهب في قطاعات الدولة لتحقق المركز 124 سنة 2014.

سياسات النهب والمحسوبية والرشوة المنتشرة داخل دوائر الدولة وفي الأماكن الحساسة والمحمية من طرف نظام الجنرال جعلت الدولة لا تستفيد من الاستثمارات والقروض المقدمة من الشركاء الاقتصاديين.
 

السعودية شريك اقتصادي إستراتيجي

تتدخل السعودية في موريتانيا من خلال مشاريع تنموية كبيرة لو أنها نفذت بطريقة سليمة وتحت رعاية حكيمة لآتت أكلها مرتين ولعم الخير وتطورت البلاد وازدهرت ونمت ولكن انتشار الفساد والمحسوبية وغياب الوسائل الرقابية جعلت هذه المجهودات تذهب سدى ولا تحقق من أهدافها إلا النزر اليسير. من خلال الحكومة السعودية والهيئات والمنظمات التابعة لها مثل الصندوق السعودي للتنمية والبنك الإسلامي للتنمية حصلت موريتانيا على قروض بالمليارات شملت تمويل مشاريع متنوعية في التعليم، الصحة، الطاقة، المياه، البنى التحتية، ومن أمثلة هذه القروض:

22 يونيو 2011
أعلنت الحكومة السعودية ممثلة في سفيرها في نواكشوط سعود الجابري عن منح الحكومة الموريتانية قرضا بقيمة 75 مليون ريال سعود مقدمة للمساعدة في برنامج التأمين الغذائي في موريتانيا.

 

23 أغسطس 2012
حصلت موريتانيا على قرض من الحكومة السعودية بقيمة 55 مليون دولار أي 206 مليون ريال سعودي لتمويل مشاريع في الطاقة والتعليم.

10  فبراير 2013
نشر موقع Riyadh Daily اتفاقية بين البنك الإسلامي للتنمية والحكومة الموريتانية تحصل الأخيرة عل قرض من البنك بقيمة 16 مليون دولار لدعم قطاع الصحة الموريتاني.

 01 ديسمبر 2014
قدمت الصندوق السعودي للتنمية قرضا بقيمة 127.5 مليون ريال لتمويل مشروع الركيز الزراعي، ويهدف المشروع إلى استصلاح (3500) هكتار من الأراضي الزراعية في الحوض الشرقي من سهل الركيز واستصلاح (2200) هكتار وإعادة تأهيل (1000) هكتار من الحوض الغربي للسهل.

مصنع السكر (بيع الأوهام)
مصنع السكر الموريتاني الذي أعلن عنه سنة 2015 والذي تبلغ كلفة الاستثمار فيه 430 مليون دولار 40% منها ممولة من طرف الشركاء الاقتصاديين للدولة. المشروع حسب ما هو معلن يشمل زراعة 18000 هكتار من السكر إضافة لبناء منشآت لتسهيل عملية المصنع ، وقد أعلنت السلطات أنه سيوفر آلاف الوظائف. في ما قال البنك الإسلامي للتنمية إن المشروع سيساعد موريتانيا في توفير كميات كبيرة من العملة الصعبة تدفعها سنويا لاستيراد السكر من الخارج وهو ما يشكل ضغطا على الميزانية.

1  أغسطس 2016
حصلت الحكومة الموريتانية على قرض بقيمة 17.8 مليون دولار من البنك الإسلامي للتنمية مساهمة في تطوير وتوسعة مستشفي أمراض القلب.

 

صدمة مراجعة المشاريع
بعد بيان لجنته التقييمية حول موريتانيا والتى أظهرت الكثير من الفوضوية والتلاعب بالمشاريع الممولة من طرف البنك وفي ضوء النتائج الهزيلة التي حققتها برامجه قام البنك الإسلامي للتنمية بطرق أسباب الإخفاق والبحث عن إستراتيجيات جديدة تكون أكثر ملائمة وأنجع لنجاح تدخلاته لصالح موريتانيا.

 

في هذا الإطار قامت مجموعة خاصة من البنك الاسلامي للتنمية وبالتعاون مع شركائه في التنمية بزيارة لإحدي مشروعاته المقامة بالقرب مدينة روصو وبعد الزيارة التقييمية أثارت اللجنة مجموعة أسئلة تتعلق بأداء هذه المشاريع ومن ضمن الأسئلة التي أثيرت من اللجنة:

- لماذا يبقي الاقتصاد الموريتاني منهارا وضعيفا رغم مرور خمسين عاما على عمليات استغلال الثروات الطبيعية الهائلة التي تمتلك الدولة، وثلثي سكانها يعيشون في فقر شديد؟ وهو ما أكده كذلك التقرير الألمانيBTI/2014  الذي أكد أن 40.7% من السكان يعيشون فقر شديد و47.7%  من السكان يعيشون بأقل من دولارين يوما؟

- لماذا فشلت آخر خطة لمكافحة الفقر المقدمة من طرف البنك الإسلامي للتنمية والمعروفة بـPRSP فشلا تاما؟

- لماذا تبدو زراعة الأرز في المناطق المروية غير مجدية وغير ناجحة رغم المجهودات الكبيرة التي تتلقاها الحكومة من الشركاء الاقتصادين.

 

الإشكالية الأكبر أن أجيالا وأجيالا وأجيالا يقع عليها عبئ دفع هذه القروض مضاعفة في حين أن أصل هذه القروض ذهب في جيوب المفسدين وحساباتهم الخاصة، إنها جريمة في حق هذا الشعب أن يستمر هذا الجشع والنهب والسرقة ففي حين تقوم الدول بتقديم المساعدة لشعوبها وإعانتها على مواجهة الأزمات، تقوم حكومة موريتانيا بتبديد الثروة وإنهاك المواطن بالضرائب وارتفاع الأسعار..