على مدار الساعة

عهد البريكس

4 سبتمبر, 2017 - 11:58
المصطفى ولد البو - صحفي موريتاني مقيم في الصين

في عام 2006 دخلت أربعة دول هي الصين والهند وروسيا والبرازيل في مباحثات من أجل تأسيس كيان اقتصادي ينافس الهيئات الاقتصادية الغربية ويلعب دورا مهما ومؤثرا على الخريطة الاقتصادية العالمية، وبالفعل تم الإعلان عن ميلاد هذا التكتل ونظمت أول قمة له في عام 2009 تحت اسم "البريكـ" وهو اختصار مكون من الأحرف الأولى للدول الأعضاء وفي عام 2010 انضمت جنوب إفريقيا ليضاف حرف "الأس" للقب ويصبح "بريكس" ويعتبر الخبير الاقتصادي في مصرف غولدمان ساكس جيم أونيل هو أول من أطلق هذه التسمية على المنتدى، ويمثل تكتل قوى البريكس الاقتصادية نادي أغنياء الدول الصاعدة وأملها في تمثيل أكبر ضمن هيئات الحوكمة العالمية، كما أنه يقدم نفسه كبديل حتمي للمجموعات الاقتصادية الدولية المنبثقة عن أمريكا وأوروبا والتي يتوقع الخبراء الاقتصاديون أن يتفوق عليها فعلا في نهاية الربع الأول من القرن الواحد والعشرين.. دول البريكس تمثل مجتمعة نسبة 30 بالمائة من اليابسة على الكرة الأرضية و40 بالمائة من سكان العالم و18 بالمائة من الناتج الاقتصادي العالمي و15 بالمائة من حجم التجارة الخارجية، وتجذب المجموعة نصف الاستثمارات الأجنبية حول العالم.

 

تعتبر الصين أكبر مصدر وثاني مستورد على مستوى العالم إلى جانب كون اقتصادها الثاني عالميا، وتحتل البرازيل المرتبة السادسة على لائحة أقوى اقتصادات العالم وتحظى روسيا بنفس تلك الرتبة لكن على لائحة أكبر القوى الشرائية ومع عدد سكانها الهائل ما زالت الهند أهم الأسواق العالمية وأكثرها جذبا للمستثمرين ومع انضمام جنوب إفريقيا أقوى اقتصاد في القارة السمراء تصبح المجموعة التي تمثل أربع قارات قد حجزت لنفسها مبدئيا مكانا مهما على الساحة الاقتصادية الدولية في انتظار ترجمة ما يصدر عن قممها من قرارات إلى واقع على الأرض.

 

التحديات

رغم ما تتمتع به دول البريكس من مميزات وكثير من نقاط القوة إلا أنها كمجوعة ناشئة تواجه الكثير من التحديات وأولها حسب الخبراء الاقتصاديين هو تدويل العملات المحلية للدول الأعضاء وإسماع صوت الدول الصاعدة في النظام المالي العالمي هذا مع تشكيك الكثير من المراكز البحثية سواء في ستاندفورد أو مورنينغ ستار في قدرة قوى البريكس على مواجهة العقبات الاقتصادية القادمة فبالنسبة للصين أثر اعتمادها الكامل على الاستيراد والتصدير على توازنها الاقتصادي كما شهدت السنوات القليلة الماضية تراجعا ملحوظا في حجم الواردات في كل من روسيا والهند والبرازيل مع معاناة جنوب إفريقيا من فساد حكومي مستشر. دول البريكس أيضا تعاني كغيرها من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي وتراجع أسعار المواد الأولية والنفط وضعف التنسيق بين التكتلات الاقتصادية المختلفة واتساع رقعة الإرهاب.

 

ليس هذا فقط فالدول الأعضاء تعاني مشاكل سياسية داخلية كبيرة وتلاحقها تهمة عدم الشفافية خاصة في مجال الاستثمار.

 

دول البريكس بين السياسة والاقتصاد

لا يخفى على المتابعين للمشهد السياسي والاقتصادي الدولي حجم الهوة والاختلاف الكبيرين بين أغلب دول البريكس وإن كانوا اتفقوا على أمر واحد وهو التطلع نحو قيادة الاقتصاد العالمي ضمن كتلة واحدة لكن إلى جانب الطموح الاقتصادي لدول البريكس هناك أيضا تعطش كبير لتحقيق مكاسب سياسية فمثلا تسعى كل من الصين والهند ورغم حدة الخلاف بينهما والذي وصل مؤخرا إلى التراشق بين جنود البلدين على الحدود إلى استغلال قوتيهما الاقتصادية والبشرية من أجل التأثير في القرارات الدولية والعمل على محاولة تقزيم دور القطب التقليدي الأوحد، وكانت الصين أيضا وراء ضم جنوب إفريقيا للبريكس لتكون بوابة المجموعة على القارة الإفريقية ولمواجهة التأثير الأمريكي المتصاعد في القارة السمراء.

 

قد تكون الهند تحفظت على ضم جنوب إفريقيا وترشيح اقتصادات صاعدة أخرى مثل كوريا الجنوبية وتركيا والمكسيك لكنها رفضت من منطلق سياسي وبشكل قاطع اقتراح الصين ضم باكستان وإن كانت عبّرت عن هذا الرفض بعبارات من قبيل "ليس الوقت مناسبا للحديث عن "بريكس +" وهي التسمية التي سيحملها المنتدى مع أول انضمام جديد.

 

قمة شيامين فوتيان

تعتبر مدينة شيامين أهم مدن إقليم فوتيان وبوابة الصين على الجنوب، كما أنها تضم أهم الموانئ التجارية الصينية وتصنف كأنشط مراكز التبادل التجاري وواحدة من أسرع مدن الصين نموا، شيامين معروفة أيضا بصناعة الشاي وتضم أهم ماركات الشاي في العالم ويزيد عدد سكانها على الثلاثة ملايين.

 

عقدت قمة دول البريكس هذه السنة في شيامين للتأكيد على أهداف مجموعة البريكس والتي يعتبر التبادل التجاري أحد أهم أهدافها بمشاركة ضيوف شرف هم مصر وغينيا وطاجيكستان والمكسيك وتايلاند.

 

تم إغلاق مركز المدينة بالكامل وخلق مربع أمني كبير ومحكم لا تتجول فيه سوى الباصات التي تحمل الوفود وسيارات الشرطة، في شيامين واحدة من أهم وأجمل قاعات المؤتمرات في الصين والعالم وكما عودتنا الصين دائما في تظاهرات بهذا الحجم والمستوى تم تجهيز مركز إعلامي ضخم يتوفر فيه كل شيء بدءا مما يمكن أن يحتاجه الصحفي لأداء عمله انتهاء بما يساعده على الاسترخاء مثل أريكة أتوماتيكية للتدليك والتخفيف من الضغط الجسدي والنفسي إلى جانب مطاعم وغرف للصلاة خاصة بالمسلمين.

 

 

بدأت القمة بخطاب الرئيس الصيني شي جين بينغ والذي كان ذو نبرة هادئة كعادته في خطاباته حيث بدأ كلامه بمثل معروف في شيامين عن ضرورة الاعتماد على النفس في إشارة ضمنية تحيل إلى التخلص من الهيمنة الاقتصادية الغربية، مؤكدا على مواصلة الصين تطبيق الشيوعية بخصائص صينية ومشيرا في الوقت نفسه إلى أن مجموعة البريكس قد حققت نتائج مرضية بدأتها بالبنك الخاص بالمجموعة مرورا بالهيئات المنبثقة عنها والتي ذكر أنها قدمت مساعدات مهمة للدول النامية.

 

شي جين بينغ قال أيضا إن الخريطة الاقتصادية العالمية في طريقها إلى التغير وإن على الدول الأعضاء في البريكس أن تحرص بشكل أكثر على تبني مفهوم مشترك يتعلق بالأمن والاستثمار وتعزيز التواصل الإنساني وتوسيع الشراكة الاقتصادية والاهتمام أكثر بأحوال الفقراء ومحاربة تشغيل الأطفال وتقديم الدعم المستمر للدول النامية.

 

ستظهر مستقبلا كيانات وتكتلات اقتصادية جديدة وسيستمر الصراع على خريطة التحالفات المالية والاقتصادية العالمية كما سيستمر سعي بعض البلدان القوية نحو تحقيق طموحاتها في كل من النمو الاقتصادي والتأثير السياسي فبوصلة التحكم في الاقتصاد العالمي تتجه نحو بلدان جديدة ونحن في عهد البريكس والبريكس + رغم ما يواجهونه من تحديات.