على مدار الساعة

حين تصبح الممارسة السياسية فتنة بلا جدوى

27 سبتمبر, 2017 - 13:53
إبراهيم سالم ولد المختار ولد صمب الملقب ولد بوعليبة - سبتمبر، 2017

يميز العالم المشهور في علم الاجتماع السياسي ماكس ويبر، بين "الأخلاق والمسؤولية"؛ ولا يشمل ذلك، أولئك الذين يسترشدون بـ"أخلاقيات المسؤولية" – بوجوب اقتصار السياسيين على الطابع الوظائفي.

 

إنه من صفات الرجل السياسي اكتساب بعض المؤهلات الأساسية، من ضمنها "الشغف والوعي بمسؤولياته وبالتوازن".

 

توطئة

قدمت حديثا، بعد قضاء أسبوعين في البلد الشقيق والجار السنغال، الذي خرج للتو من انتخابات طويلة وخانقة، بسبب تصادف تلك الاستحقاقات مع درجات الحرارة المرتفعة لموسم الإمطار.

 

وقد تابعت من نواكشوط، أبرز أحداث الحملة في هذا القطر وأنا على معرفة جيدة من الشعب السنغالي و من نخبته.

 

فعلا، قد تتصاعد الأصوات خلال الحملات ويتم الاعتراض على النتائج بالوسائل القانونية والاستماع إلى المبارزة الخطابية العالية بين القانونيين، لكن الأمور لا تلبث أن تعود إلى مجراها الطبيعي، بمجرد انتهاء الطعون لدي المحاكم المختصة.

 

إن السنغال يمتلك نظاما قضائيا عالي الجودة كما يضم سلكه محامين بارزين.

 

بدأت إقامتي في السنغال في فترة ما بعد الحملة. فلا ينتابك الإحساس بأن البلد كان يعيش أجواء انتخابية إلا بعد مشاهدة بعض الشعارات وبعض الملصقات غير المقروءة بسبب الأمطار المتكررة.

 

فعاد جميع السنغاليين إلى العمل، مواصلين، رغم الصعوبات الاقتصادية وبابتسامة أنشطتهم، يمزحون و يضحكون، حتى من أنفسهم أو يسخرون من الحكومة والسياسيين والوضع العام للبلاد.

 

فالبلد يضم اليوم العديد من الفاكهيين ويحظون بمشاهدة واسعة من المواطنين، عند خروجهم عبر وسائل الإعلام ويسخرون من كل شيء باستثناء الأعراض الشخصية.

 

فلا تحس بأي توتر أو قلق، سواء لدى الطبيب أو بائع رصيد "أورانج".

 

إن الشعب السنغالي شعب يعمل بجدية، لا يفقد الأمل أبدا، مهما كانت الأوضاع، مفضلا النظر إلي الأمور بقدر من التفاؤل.

 

شعب يثير الإعجاب، بسبب مرحه وسلمه الدائمين وعمله المتواصل بدون كلل.

 

أمثلة معاشة للأخلاق السياسية ما قبل الاستقلال

عمل والدي، تغمده الله برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جناته ، بعد تحويلات في جميع أنحاء هذا البلد، منذ 1952 حتى تقاعده، في أبريل 1960، في دائرة آدرار، التي كانت حينها، أكبر مركز للممارسة السياسية في موريتانيا.

 

فكانت أطار المدينة الأكثر تحضرا في البلاد بسبب وجود القاعدة العسكرية الفرنسية فيها.

 

وهي المدينة التي قدمنا إليها بعد تدريسي القرآن ومتابعة السنة الأولي من التعليم النظامي في شنقيط وحيث أكملت أغلب تعليمي الابتدائي فيها.

 

وكانت أسرتنا، تنتقل دائما مع والدي، إلى المراكز الأخرى في الدائرة، في إطار مهمة، ما أسمته الإدارة الفرنسية "الشرطة البدوية".

 

كنت أقيم عند خالي من الأم، الذي يعمل رئيسا للمصلحة الكبري للبريد بأطار كما كان يشغل منصب المسؤول المحلي للنهضة وكانت زوجته، المسؤولة فيها عن قسم النساء.

 

وكان المنزل يقع على بعد 800 من ملتقي الطرق بأطار الأسطوري حيث ينظم مختلف الأحزاب مهرجاناتهم.

 

وكان الكبار يقولون في شأني، أنني صبي مبكر، فضولي وشديد الحرص على معرفة كل شيء. وكنت أحضر دائما للاستماع إلى خطابات جميع المتدخلين في المهرجانات، بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية.

 

يقع ملتقي طرق أطار قبالة مركز الشرطة القديم، الذي يديره مفوض فرنسي مسن أصلع، يرتدي نظارات كبيرة.

 

فكان يضع عناصره داخل المكاتب، في بداية كل تجمع ويلقي بنفسه، من وقت لآخر، نظرة علي الحشود والمتحدث، قبل أن يعود أدراجه إلى مكتبه. وكانت ابتسامته غالبا ما تطبعها ملامح السخرية.

 

لذلك، فانه من المستحيل للأشخاص، الذين عاشوا الأعراف السياسية ما قبل الاستقلال، أن لا يستغربوا التغيير الحاصل في العقليات والأخلاق السياسية الحالية.

 

ممارسات بعيدة عن الخطابات المهذبة والمحترمة للرجال والنساء الذين ناضلوا في النهضة وتجمع الشعب الموريتاني وتجمع التكتل الديمقراطية للمنحدرين من كوركل وحركة الشبيبة الموريتانية والوفاق واتحاد الاشتراكيين المسلمين...

 

حيث لم يكن الخطاب السياسي يتضمن أي شكل من أشكال الكراهية أو إهانة للأحزاب الأخرى أو قادتها أو مناضليها، بل يتناول فقط توجهات الأحزاب ومواقفهم بشأن استفتاء 1958 المنصوص عليه في القانون الإطاري، وإجراءات المحددة لتاريخ الاستقلال.

 

وكان كل أولئك الخصوم، أعداء لحظة، يلتقون بجميع مشاربهم، فور اختتام المهرجانات، عند منزل أحدهم، وفقا للعلاقات الشخصية.

 

وكان الوزير الأول آنذاك ونائب رئيس مجلس الحكومة يؤدي زيارات دائمة لآدرار، بوصفه مستشارا منتخبا لدائرة شنقيط. ولم يتعرض، في جولاته رفقة وفده، لأي أذي أو مضايقة، سواء على الصعيد الشخصي أو من طرف متحدث حزبي، إثناء المهرجانات وحتى من الذين كانوا يعارضوه.

 

وكانت أعداد من صحيفة الشبيبة الموريتانية، يتم توزيعها إثناء حفلات الاستقبال، تقول إنه هو وحزبه، مقربان من فرنسا، ولا أزيد من ذلك.

 

وأتذكر هنا، أن أخي الأكبر، الذي كان ناشطا في حركة الشبيبة الموريتانية منذ الثانوية، قد وزع نسخا منها في حفل رسمي في شنقيط.

 

إن تطرقي لهذه الذكريات يهدف حقيقة إلى تسليط الضوء على جو التسامح الكبير القائم آنذاك، رغم إعطاء القانون لجميع حريات التعبير.

 

وكان كل من رئيس الوزراء وسيد المختار اندياي يعرفان جيدا والدي، الأول منذ بير- مغرين والثاني في وقت لاحق، في سين لويس.

 

كل أعضاء الوفد تناولوا الغداء في منزلنا، في اليوم السابق، خارج البرنامج الرسمي. وكان الكل يأخذ صحيفة الشبيبة الموريتانية التي يوزعها آخي الأكبر بابتسامة ، باستثناء الرائد المكلف بالديوان العسكري بلاي، الذي انتبه للحادث وشطب علي اسمه من قائمة الضباط الستة الذين سيتجهون إلى فرنسا.

 

لكنه، أجرى حينئذ وبنجاح مسابقة الدخول في مدرسة الطيران في باريس، مما أدي إلي صعوده الفوري على متن الطائرة باتجاه العاصمة الفرنسية.

 

وأعتقد هنا أنه لم يأسف لهذا التوجه الجديد في حياته المهنية، حيث كان من أوائل الطلاب الموجودين في فرنسا قبل الاستقلال.

 

من التعددية إلى الحزب واحد

فكان الوزير الأول يستقبل الكل، خلال إقامته، حزبين وخصوم. وقد سنحت هذه الأعراف السياسية الفاضلة والمسؤولة، بقدوم الموريتانيين متحدين إلى عيد 28 نوفمبر 1960

 

وقد حرصت السلطة التنفيذية على إجراء محادثات سرية مع جميع الأطراف. وقد تعهد، قبل إعلان الاستقلال، بتنظيم طاولة مستديرة مع كل الأحزاب من أجل تشكيل حكومة مشتركة لتوطيد الوحدة الوطنية

 

وقد تم الوفاء بذلك الوعد، بل ذهب إلي القيام بالمزيد، باعتماده مبدأ لجنة مشتركة، تقترح إجراءات دمج جميع الأطراف في الحزب الواحد لتوطيد الوحدة الوطنية ومواجهة أطماع الجيران، الذين لا يدخرون جهدا في زعزعة استقرارنا.

 

وبالفعل، كان يضع الأسس لحزب الشعب الموريتاني قيد النشأة، الذي تمكن، بعد مؤتمر كيهيدي، من احتكار الحياة السياسية في البلاد. وكنت آنذاك في الثانوية بروصو وأذهب غالبا إلى نواكشوط.

 

إن إضفاء الطابع المؤسسي على حزب الشعب الموريتاني وبالرغم من وجود ديمقراطية داخلية ، لم يخلف ارتياحا لدي الجميع.

 

فعلا، بدأ القادة السابقون للأحزاب، الذين قبلوا الاندماج، يظهرون بعض الضيق بوجودهم في الحزب.

 

وقادت هذه الوضعية إلى استقالة شخصيات سياسية معروفة، استمرت داخل الحزب حتى سنة 1971.

 

وعموما، فإن المنشقين كانوا في الغالب من صفوف المناضلين السابقين في أحزاب أخرى غير حزب التجمع الموريتاني، أب حزب الشعب الموريتاني.

 

لقد حاول بعضهم إنشاء حزب، لكنه اصطدم بعدم تجاوب وزارة الداخلية، كما أن جهود الاستئناف التي بذلوها أمام المحاكم للحصول على تراخيص باءت بالفشل.

 

وتميزت هذه الفترة بعودة موجة كبيرة من خريجي الجامعات، أكملوا دراستهم، إلي أرض الوطن. كما قام الرئيس المختار بتغيير جذري للخط السياسي، معتمدا الفصل بين النضال في إطار حزب الشعب الموريتاني وممارسة الوظائف العمومية.

 

فكان من الممكن، أن تصبح وزيرا أو مديرا مركزيا أو مديرا عاما لشركة كبيرة في الدولة، دون الحيازة على بطاقة الحزب أو القيام بنشاط فيه.

 

خط سياسي كان محل ارتياح كبير لدى أولئك الذين، لم تتم تسميتهم بعد بغير لقب " التكنوقراطيين". فكان الجامعيون الجدد يمرون عبر نقطة البداية كمدراء مركزيين في وزارة.

 

وتمت ترقية العديد منهم كوزراء في مختلف حكومات ما قبل عام 1978. كما ساهمت كل من عودة هؤلاء الأطر والقرارات الهامة التي اتخذها النظام المنشئ للأوقية ومرتنة ميفيرما، في ترسيخ منطق الحوار مع المعارضة آنذاك.

 

فبدأت الدولة في تحسين تنظيمها الإداري إلى الأفضل وبتعزيز وتطوير الاقتصاد مع الإحساس بقدر من الاستقرار السياسي، حتى دخولنا في حرب الصحراء، الذي أتي على بعض تلك الانجازات.

 

كانت الحرب مكلفة ولم يكن جيشنا على استعداد كاف لخوضها، مما جعله، بعد فترة من الاقتتال المتعب، دون وسائل، يأخذ السلطة في نواكشوط، دون إراقة دماء، في العاشر من يوليو 1978.

 

ولن أتطرق هنا إلى العلاقة بين السياسيين والأطر والأنظمة العسكرية في الفترة الممتدة من 1978 إلي 1991، التي سبق لي الحديث عنها بإسهاب في مقالات سابقة، صادرة بالفرنسية، يمكن التطلع عليها من خلال الرابط في أسفل الصفحة.

 

تدهور الأعراف والخطاب السياسي في الفترة الديمقراطية

صادف أول هبوب لرياح "الربيع العربي" في بلادنا، حرية الصحافة وإلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر. وبدل التأقلم التدريجي مع أدوات الاتصال الجديدة التي تروي البلد بأسره، اغتنم سياسيونا الفرصة لابتكار نوع جديد من الإعلام، يتسم بنقص في الاعتدال والبعد في الشكل والأسلوب، من الخطاب السياسي ما قبل الاستقلال ومن القيم الموروثة من تاريخنا الحضاري، الذي دونه أجدادنا والذي مكن بلادنا من التمتع بإشعاع كبير في القارة الأفريقية، والمغرب العربي والمشرق و حتى في الإمبراطورية العثمانية.

 

وقد مثلت عبر القرون، قيم المعرفة والاتزان والنزاهة والمسؤولية ونبذ الأكاذيب والتجاوزات، إرثا كان ثمرة لممارستنا منذ عصور، للمذهب المالكي السني وللطريقة المعتدلة المثلي للإسلام.

 

إن الخطابات والعادات الحالية تسعي إلى نسف هذا الكنز الحضاري، الذي كان لنا بمثابة الحامي الوحيد من الانحطاط.

 

وهنا نتساءل، هل تستحق السلطة والمال والوظائف، الزائلة بطبيعتها، بما إننا ملاقين جميعا الأجل اليوم أو غدا، أن ندعو إلى الفوضى وإلى الغرائز العدائية للفئات الاجتماعية، أن نجر بلدنا إلى الهاوية أو نرمي بكل تلك التضحيات العظيمة التي قدمتها الأجيال السابقة؟.

 

ربما يكون سوء فهمي لهذه الأعراف السياسية الجديدة، عائدا في الحقيقة إلي أنني قليل الاهتمام بالسياسة. ولن يمنعني ذلك من تكرار ما قلته دائما وما انتقدني به البعض أحيانا.

 

إن السياسة الوحيدة التي مارستها دون قيد، تتلخص في خدمتي بكل إخلاص ودون أسف، كل الأنظمة من فترة الرئيس المختار، رئيس الآباء المؤسسين، حتى فترة الرئيس إعل ولد محمد فال، أخي وصديقي الأعز، الذي ما زلت أجد صعوبة في تحمل فقدانه.

 

فمنذ أن التحق بالرفيق الأعلى، وأنا أشعر بفراغ بداخلي لا شيء يقدر على ملئه. وحدها راحة الإيمان ساعدتني في التخفيف من هذه المحنة.

 

لقد استفدت، خلال فترة رئاسة صديقي الراحل وشقيقي، الرئيس اعل ولد محمد فال، تغمده الله برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جناته، من حقي في التقاعد.

 

فإن كنت خدمت كل هذه الأنظمة، فذلك يعود أولا، إلى أنني أعتبر نفسي خادما للدولة ولست رجلا سياسيا، من جهة ولأنني لم أقم ولن أقوم أبدا بعمل قد يضر هذا البلد الذي عشت إرهاصاته وولادته العسيرة، من جهة أخرى.

 

ولا يعتبر هذا فقدا للشجاعة، وإنما ينم عن قناعتي الراسخة بهشاشة بلدنا، التي تستدعي من كل شخص ناضج ومسؤول أن يرفض أن يكون شهاب النار الذي من شأنه أن يشعل، لا قدر الله، الفتن والفوضى، معرضا الوطن إلي الانزلاق والتشتت، وهو السيناريو الذي سعي له البعض بكل جهد، قبل استقلاله، غير أن فرنسا، لأسباب إستراتيجية، أوضحت للجميع أنه سيتم بالفعل إنشاء دولة ذات سيادة على أراضي موريتانيا داخل حدودها الحالية.

 

وقد وجهت آنذاك ضربات قوية إلى هذا البلد الهش. وأذكر في هذا الصدد بعض الأمثلة التي قد لا تكون شاملة: مقتل نائب رئيس بلدية أطار، مقتل صاحب مطعم الفرنسي بلكصر، إعدام مدبري ما يسمى بـ"هجوم النعمة"، الذي أسفر عن مقتل الجنود الفرنسيين، مقتل الحاكم لامين ساغو، قتلي الاشتباكات العرقية سنة عام 1966، وفاة العمال المضربين بازويرات، قتلى حرب الصحراء، إعدام ضباط "16 مارس"، إعدام ضباط الزنوج، ضحايا سجن ولاته والقتلى السنغاليين والموريتانيين في 1989.

 

كل هذه الأحداث آنفة الذكر أدت إلى تصدع الصرح الموريتاني، الذي بني على عجل، بأدوات هشة ومتنوعة، ولكن بإيمان لا يتزعزع لشعبها في المستقبل. اللهم ارحم الجميع برحمتك الواسعة.

 

وكانت أيضا كل هذه الأحداث أعلاه، من تدبير جهات عديدة : بلدان أجنبية أو معارضة النظام القائم أو بسبب صراع أجنحة داخل السلطة الحاكمة نفسها.

 

إن الشيء المؤسف للغاية هنا، يكمن في المطالب التي يتشدق بها البعض والتي لا أساس لها، مدعيا أنه يتظاهر باسم الشعب، بارتكابه ما هو أسوأ، حيث أن الشعب كان دائما الضحية الرئيسية لانفصام الذي يتعرض له الصرح المشترك.

 

حينما ينزلق الخطاب السياسي في الديمقراطية

لقد حاولت المعارضة منذ فترة، عبر خطابها وأعمالها، أن تسرع رحيل الأغلبية، التي تمارس السلطة والتي هي في نهاية مأموريتها الأخيرة، التي تكتمل في 2019. وقد يكون ذلك التحرك، إستراتيجية تهدف إلى تشويه سمعة الأغلبية القائمة والنقد لأدائها في تسير الشأن العام، قبل تلك الآجال الهامة للمعسكرين.

 

وتكمن ردة فعل الأغلبية اتجاه هذه الهجمات من خلال إبراز الإنجازات التي حققتها السلطة التنفيذية خلال فترة عملها، مما يمكنها من ممارسة السلطة إلى ما بعد عام 2019. ولم تكن تختلف إطلاقا لهجة ولا شكل خطابات وأنشطة الأغلبية عن أساليب المعارضة.

 

وقد يمثل ذلك أيضا إستراتيجية لوضع لمعارضة في موقف دفاعي دائم ومنعها من الانتظام والبروز موحدة وفي موضع قوة بحلول آجال 2019.

 

فلا يتردد، في هذا الظرف بالذات، سياسيونا، في شتم وإهانة بعضهم البعض، لاجئين في صراعاتهم وخطاباتهم إلى القيام بتصرفات تتنافى مع الممارسة الديمقراطية الطبيعية واللائقة.

 

فيستغلون شتي وسائل الإعلام والاتصال، التي تبث بشكل مكثف خطاباتهم غير اللائقة، ساعين في نفس الوقت إلي بذل كل الجهود من أجل استيعاب الشعب المتزن والفاضل، الذي ينبذ القذف والإهانة، لتلك التصرفات المخالفة لأعرافه الأخلاقية.

 

وللأسف، كل ما يرى ويقال ويكتب في وسائل الإعلام (الإذاعة والتلفزيون والصحف والمواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي)، لا يصب في مصلحة رجالاتنا السياسية.

 

فعلا، لقد اتسم الخطاب السياسي بطابع ملفت: كلمات فارغة والعجز عن تقديم اقتراح أو برنامج متماسك قادر على النهوض بالبلد.

 

فلن يكتسب أصحاب هذا الانزلاق اللفظي والكتابي وحتى الجسدي أحيانا، إلا تشويه صورتهم الشخصية وصورة النخبة بشكل عام وبالتالي صورة بلدهم.

 

إن هذه التجاوزات وصلت إلى أقصى حد. فالكل أصبح اليوم عرضة لها، حتى في حياته الخاصة.

 

إن الكراهية، التي يحرمها ديننا الحنيف، لم تكن أبدا أداة إلى القيام بالفعل الصائب.

 

وإن كانت قد تكون حاضرة للأسف بين الأشخاص، في الوسط الخاص بالعلاقات الاجتماعية، فمن غير السليم أن تظهر في التعامل بين الأطراف السياسية في الديمقراطية، الذين يطمحون لقيادة البلد.

 

فلا وجود للكراهية الشخصية أو الجماعية في السياسة، بل توجد خلافات طبيعية، حول كيفية حكم بلد ما، وان كانت قوية، كان من اللازم التعبير عنها بطريقة متحضرة ومنسجمة مع أخلاق الشرف.

 

لقد كانت الأطراف السياسية المتصارعة، في تجربة ما قبل الاستقلال السياسية التي وصفتها أعلاه، تكن الاحترام بعضها البعض، بغض النظر عن اختلافها في الرأي.

 

قد لا نحب نظاما ما أو أساليبه أو تسييره للشأن العام، لكن من المستحيل للمرء أن لا يحب بلده.

 

ومن أجل البقاء في موقع مشرف، فإنه من الواجب مواجهة الأنظمة مباشرة على أرض الوطن، دون المبالاة بما يكلف ذلك.

 

والشيء الذي يبدو جديدا وغير مقبول، يتمثل في نقل هذه المعركة خارج حدودنا. وفي ظل هذه الظروف لم يعد كفاح الشخص ضد نظام بل ضد بلده.

 

إن الأنظمة تزول على خلاف البلد الذي سيبقي، إلا إذا ساهمنا في انقراضه.

 

إن هذا الشعب لم يحب أبدا، في تاريخه الماضي والحديث، العنف أو الغلو. فليتأمل كل واحد بوضوح، إذا كان قادرا علي ذلك و يدرك مدى الكلمات التي يقول والأفعال التي يقوم بها، لأن الله والتاريخ سوف يحاسبان الجميع.

 

إنني لا أكتب هذا السطور من أجل المس من شخص أو مجموعة أو معسكر. فليس ذلك من طبيعتي. كما أنني لست مسئولا عن أعمال الآخرين ولست مقدما للنصائح، وإنما قضيت أسبوعين في بلد ذات تقاليد إدارية وسياسية قديمة وشعب سلمي يرفض الانصياع لرجالاته السياسية، حين يحث أحدهم، وهذا أمر نادر، على القيام بتصرفات قد تؤدي إلى العنف اللفظي أو الجسدي.

 

إن المشايخ الدينية ورؤساء الزاويات الراسخة جدا، التي ينصاع لها الشعب، يلعبون دائما دور حارس "المعبد: السلام الاجتماعي والاستقرار في السنغال" ولا يسمحون لأي شخص بالقيام بأدنى عمل يمكن أن يلحق الضرر بالبلد.

 

كما أنهم يحذرون بشدة السياسيين في السلطة والمعارضة، عندما يشعرون بأدنى توتر، فيستجيب لهم الجميع.

 

لقد حدثني صديق يعمل إطارا، عن الاستقلالية المالية لهذه المشايخ، التي لم تعد تعطي تعليمات في شأن التصويت كما كان في الماضي، حتى و لو كان المرشح مقربا للزاوية.

 

ومكن هذا الموقف الحيادي في اللعبة السياسية وكذلك الاستقلالية المادية عن الحكومة، من جعل هذه المشايخ، حكما في الأوقات العصيبة

 

إنني اكتب منذ سنين عن هشاشة بلدنا اتجاه التحديات التي يواجها العالم، وخاصة منطقتنا الساحلية، التي تواجه الإرهاب، والاتجار بالمخدرات والأسلحة والبشر.

 

وسأستمر في ذلك كلما أحسست ببروز توتر في هذا البلد الهش أو في المسلكيات التي قد تشكل خطرا على بقائه.

 

وذلك واجب على كل مؤمن، في مثل هذه الحالات، كما قال الله عز وجل في القرآن العظيم: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ} [سورة الذاريات] 55.