على مدار الساعة

عدل بكرو المدينة المنسية..

6 نوفمبر, 2017 - 14:44
بقلم / محمود السنوسي

من ذا الذي يستطيع الحديث عن عدل بكرو من دون أن يتحدث عن العطش فيه. إن فاعل ذلك لن يكون من أهل هذه المدينة بأي حال من الأحوال..!

 

فعندما يهدأ الليل يوقظك بكاء الأطفال نعم إنهم الأطفال يبكون من العطش وليس سواه.. يبكي الأمهات ويحزن الآباء أيضا على أطفالهم قبل أنفسهم عند بداية كل صيف.

 

ولكن العطش ومآسيه في مدينة عدل بكرو موضوع يحتاج إلى حديث طويل لأنه حديث عن سنوات طوال من المعانات التي عاشها ذلك الشعب الكريم ولا زال يعيشها إلى اليوم..

 

يصارع تلك المياه المالحة يصيب منها شربة فتصيب منه فردا.. شعب تعلم الصبر على الموت فتعود عليه كما تعلمت الدولة أن لا تلتفت إليه قديما وأن لا تلفت إليه حديثا وإنما تكتفي بالنظر إليه من بعيد..

 

ولكن قبل الحديث عن هذا وذاك دعني أحدثك عن المدينة نفسها وعن نوع آخر من معاناة أهلها...

 

هناك في الشرق الجنوبي البعيد من جمهورية موريتانيا على الحدود مع جمهورية مالي تقع مدينة عدل بكرو تلك المدينة المنسية أو تلك المدينة المتروكة للزمان وظروفه القاسية تفعل بها أو فيها ما تشاء

 

فمنذ أن أسست أو تأسست في النصف الثاني من القرن الماضي لم تخط نحو التغيير الإيجابي إلا في الجانب الاقتصادي وحده وتلك مسألة طبيعية في مدن الحدود فهي دائما تتقدم على غيرها يحدث ذلك في جميع الدول..

 

فأنت إذا ذهبت تبحث عن غير هذا في هذه المدينة لن تجد إلا تاجرا يعمل بكل ما أوتي من طاقة من أجل إنماء ثروته أو سياسي ماهر في تلوين الحديث يعمل من أجل تطوير منصبه

وإذا التقى التاجر والسياسي على مائدة واحدة فالحديث لن يكون إلا عن المال والمنصب فالأول يتحدث عن الثروة والأرباح والثاني يتحدث عن المنصب والطريق إليه...

 

وأهل عدل بكرو يعرفون الساسة حين تقترب الانتخابات أو حين يقترب موعد زيارة الرئيس.. ويعرفون التجار عندما يشتد الصيف وتلتهب رمال الصحراء فحينها أيضا تلتهب أسعار العلف وما إليها من مواد يعرف أهل عدل بكرو قيمتها لذلك الوقت.

 

إذن لم ينعكس ما شهدته موريتانيا من تطور خلال العقود المنصرمة على تلك المدينة التي تباد بصمت ولم ينعكس ما حققه أبناؤها من نهضة في مجال الاقتصاد ولعل الثاني ناتج عن الأول..

 

ومن المسلم به عند الجميع أن أهم مقومات الحياة في العصر الذي نعيشه "العصر الحديث" أو قل في كل العصور تتمثل في الأمن والصحة والتعليم وكل هذه المقومات الثلاثة إن لم تكن معدومة فهي ضعيفة في هذه المدينة إلى أقصى ما يتصوره كل ذي عقل له نصيب من الذكاء..

 

وحسبي أن أشير لك على كل واحدة على حدة فاللبيب تكفيه الإشارة كما يقولون، ولنبدأ بالأمن لأنه مصدر للباقي وسبب له، ولقد ذكرنا فيما تقدم من أسطر أن أهم ما حققه بعض أبناء هذه المدينة هو بناء ثروة اقتصادية.

 

ولكن هنا نسأل أبناء هذه المدينة أي واحد منكم يغلق محله التجاري حين يغلقه مساء ثم يذهب إلى بيته وهو هادئ مطمئن على ما فيه لا يخاف عليه من أيادي اللصوص الذين يشربون الشاي في الدكاكين ليلا بعد أهلها و بالسؤال نفسه نسأل أهل التنمية الحيوانية؟

 

ثانيا: الصحة وما أدراك ما الصحة في عدل بكرو إنه الموت الزؤام فالمداوي والدواء هنا في هذه المدينة هما معنى من معاني الداء، فكل منهما سبب من أسباب الموت، حيث الدواء يباع كما تباع قطع الخبز على الطرقات وفي الدكاكين وحيث الطبيب يفضل أن يملأ جيبا على أن ينقذ نفسا مسلمة إلا القلة القليلة.

 

ثالثا: التعليم: ومع أنه توجد مدارس ابتدائية وإعدادية وثانوية حكومية إلا أن التعليم فيها هش وعديم الفائدة فموسم المسابقات يمر بردا وسلاما على أهل هذه المدينة حيث لا مهموم هنا برسوبه ولا مبتهج بنجاحه في هذه المدينة العزيزة أقال الله عثرتها.