على مدار الساعة

قضية لمعلمين بين الدعاية السياسية والحقائق التاريخية

14 نوفمبر, 2017 - 00:21
 بقلم / سيدي ولد أحمد مولود

استمعت بمرارة وأسف شديدين إلى كلمة والد المسيء محمد ولد امخيطير على إحدى القنوات الدولية والتي تحامل فيها على مجتمع البيظان واتهمه باضطهاد لمعلمين وتوظيف الدين ضدهم، دون أن يقدم دليلا مقنعا يُبرهن به على صحة دعواه، حيث إن فئة لمعلمين لم تتعرض لأي ظلم أو اضطهاد على يد البيظان حسب علمي، فهم الذين اختاروا لأنفسهم مهنة شريفة سبقهم إليها الأنبياء والصحابة والتابعون وغيرهم من المجتمعات النبيلة والشخصيات العظيمة... لكن مجتمع البيظان لبداوته وجهله بخصائص الحضارة ومتطلبات الحياة، لم يُقدر جهودهم حق قدرها، وهذا يعود إلى عدة أسباب:

 

أولها: التخلف الفكري لدى البيظان الذين ورثوا ازدراء الحِرف اليدوية من العرب القدامى في عهد الجاهلية، حيث كانوا يسمون الحِرف بالمهن تعبيرا منهم عن إهانتها لأصحابها حسب زعمهم واعتقادهم.

 

ثانيا: أن أصحاب بعض المهن في العصور القديمة لم يساعدوا الناس على احترامهم، وذلك بإهمالهم للتعليم وعدم حرصهم على النظافة وجمال المظهر، فكان أحدهم يجالس الناس بثياب عمله المتسخة، ورائحته الكريهة الناجمة عن العرق والدخان وغبار العمل...

 

ثالثا: سوء المعاملات النابع من جهل الأحكام الشرعية، مثل الكذب والخيانة وخلف الوعد والغش والتدليس...

 

وينبغي أن يفهم الناس أن المهن كلها شريفة، لكن صاحبها هو الذي يطبعها بطابعه الخاص، ويصبغها بأخلاقه ومعاملته، فإن كانت حسنة أحبها الناس واستعذبوها، وإن كانت سيئة استقبحوها ونفروا منها.

 

كما أن زهد البيظان في بعض الحِرف لا يقتصر على الحدادة والنجارة، بل يطال كثيرا من المهن الأخرى، لكن هذه النظرة تغيرت بعد انزياح الناس من الريف إلى المدن، وفهمهم لمتطلبات الحضر، حيث أصبح أبناء الزوايا يمارسون الأنشطة التجارية المختلفة مثل الحلاقة والخياطة والنجارة وغيرها...

 

وتجدر الإشارة أن التفاوت الطبقي منتشر بين الزوايا وبني حسان ولا تسلم منه قبيلة ولا أمة على وجه الأرض، وقد كان باستطاعة لمعلمين وغيرهم، أن يتعالوا على البيظان فلا أحد يمنعهم من ذلك، فالكبر خلق سيء محرم شرعا، لكنه من الناحية الواقعية يمكن لكل شخص أن يتخلق به إن اقضت الحاجة.

 

والحقيقة التي يجب الاعتراف بها أن لمعلمين من أنبل الشرائح الموريتانية، وأكثرها نفعا ومزية، حيث قاموا بدور المؤسسات الصناعية الكبرى فكانوا يوفرون للمجتمع حاجاته من متطلبات الحياة، مثل أواني المنزل وأثاثه، وأدوات الزراعة والقراءة ووسائل التنمية، إلى غير ذلك من الأمور التي لا حصر لها... فما من قبيلة ولا طبقة من طبقات المجتمع الموريتاني إلا ولهم عليها يد بيضاء ومنة تذكر فتشكر.

 

ومن الخصال الحميدة التي يتميز بها لمعلمين: النشاط والحيوية وعدم الاتكال على الآخرين، فهم اليدُ العاملة والطبقة الكادحة، التي تكتسب المال الحلال بالكد وعرق الجبين، هذا بالإضافة إلى جنوحهم إلى السلم وبعدهم عن ارتكاب الجرائم الجنائية، وانسجامهم مع المجتمع، وحقهم علينا التكريم والتقدير والتبجيل امتثالا لقوله تعالى {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}.

 

مع العلم أن الإخوة لمعلمين عرب أقحاح بدليل أن العروبة اللسان، والمهنة لا تغير من النسب شيئا، وينبغي أن نستحضر وإياهم ما يجمعنا من روابط الدين والثقافة واللسان والجغرافيا والتاريخ، والمصالح المشتركة التي تجب المحافطة عليها كما قال معاوية بن أبي سفيان لو كان بيني وبين الناس شعرة لما قطعتها، فإن رخوها شددتها، وإن شدوها رخوتها.