على مدار الساعة

ليس بالمهرجانات وحدها تحفظ كرامة ساكنة مدننا التاريخية

4 ديسمبر, 2017 - 18:58
لارباس بن محمد الملقب أوليدها - باحث في القانون العام - جامعة ابن زهر، المملكة المغربية

لا ريب أن مهرجان المدن القديمة ، شكل سنة حميدة تروم احياء عبق ذاكرتنا الجمعوية.

 

 لكن المتأمل في واقع حياة هذه المدن ، بعد سبع سنين على انطلاقته، يتجلى له فقر مدقع وعزلة وزحف مستمر للرمال ، رغم دور هذه المهرجانات في خلق انتعاش اقتصادية لا يتجاوز تأثيره أيام المهرجان.

 

فكيف يعقل أن تظل شنقيط ، ودان ، ولاتة، تيشيت بلا طرق معبدة ؟

وإذا كان الاقتصاد هو عماد الحياة ورافعة التنمية وسر الاستقرار، فإن حظ مدننا التاريخية منه كان نزرا قليلاـ إن لم يكن معدوماـ مما ساهم في في خلق مشكل جديد لهذه المدن تمثل في هجرة السكان بحثا عن سبل عيش الكريم بعد أن أعياهم الجفاف وندرة المياه وغياب خدمات الدولة وكذا غياب رجال الأعمال عن المنطقة، مما أفرز فراغا سكانيا وانقراضا ديمغرافيا.

 

ثم إن الإجماع ليكاد ينعقد عند الباحثين الاجتماعيين خبراء الاقتصاد على أن توفير منظومة صحية متطورة مع كادر طبي مكون وتوفير الأدوية الناجعة شرط لا غنى عنه لاستقرار الكائن البشري .

 

إن مدننا التاريخية تعاني بحق على جميع الأصعدة، فهي تعاني ندرة وخصاصا في النقاط الصحية والمستوصفات والأدوية ، ولولا بعض البعثات الخيرية الاستشفائية لهلك الناس بها مرضا.

 

ولعل المحزن في الأمر ما حدثني به طبيب غربي ،أنه شاهد مريضا رفعه المستوصف ،للمستشفى الجهوي فتعذر عليه -لفاقته -دفع مستحقات البنزين فكان رد المسير أنه يجب الدفع أولا، مما دفع بالأجنبي لدفع تلك المستحقات ! بعد توبيخ القائمين على المستوصف.

 

لكم أن تتلمسوا واقع المعانات !

ويشكل التعليم دعامة أساسية للإستقرار ، ولانضيف جديدا إذا قلنا أن تلك المدن ، تعاني تصحرا معرفيا في مجال التعليم النظامي ، أبرز معالمه غياب المدرسين ، وتهالك البنية التحتية ، وغياب الرقابة البيداغوجية على العملية التربوية ككل .

 

وعليه فإن كل هذه العوامل شكلت عاملا آخر طاردا لأبناء تلك المدن، ويكفي أن نلقي نظرة على نسبة الناجحين في المسابقات الوطنية بتللك المدن ، لنرى حجم الفاجعة.

 

ومن نافلة القول أنه لولا عطاء المحظرة وتفاني من وهبوا زهرة شبابهم لتعليم أصول الدين وفروعه ، لكانت الطامة أكبر . لذا كان لزاما على الدولة أن تخصص لهؤلاء، حوافز تمكنهم من البقاء والاستمرار في دورهم الريادي.

 

ثم يحدثونك عن ضرورة بقاء السكان في مواطنهم الأصلية ، منعا لها من الإندثار ..فمن ذا الذي سيبقى في أرض لا ماء ولا مرعي...ولا طرقا معبدة ولا صحة ولا تعليم ..؟ إن هي إلا آثار قوم قد أفضوا لما قدموا بعد أن ذللوا الصعاب وقهروا الطبيعة، عبر نحت مقومات البقاء.

 

وصفوة القول عندنا في هذا المقام ، أن بعث تلك المدن لا يكون بالسهرات الصاخبة ،ولا بالأماسي الشعرية المادحة، وإنما بتبني مقاربة متعددة الأبعاد، محورها الأساسي الإنسان، والرفع من مستواه المعيشي من خلال خلق تنمية مستدامة ، وتوفير بنية تعليمية وصحية مناسبة.