على مدار الساعة

للإصلاح كلمة سواء بين جميع الموريتانيين المسلمين  

6 ديسمبر, 2017 - 00:14
بقلم الأستاذ / محمدو بن البار - 05 - 12 - 2017

كلمة الإصلاح ارتأت هذه المرة أن تتوجه إلى أصل هذه العروة الوثقى التي يرتبط بها ويتعلق بها جميع المسلمين الموريتانيين مع التـنبيه أن هذا الوصف هنا وصف الموريتانيين بالإسلام ليس وصفا خاصا لبعض، وإنما هو وصف كاشف ولله الحمد لعامة الموريتانيـين.

 

ولذلك يمكن أن يوجه إليهم اليوم كل خطاب هذا عنوانه، ولا سيما إذا كان خطابا سواء بين الجميع.

 

ومن ما أوحي إلي بهذا الخطاب السوي بين جميع الموريتانيين هو استماعي في ليلة من الليالي لمحاضرة ألقاها العلامة محمد سالم بن عدود رحمه الله الذي على العلماء جميعا أن يغبطهم ما أعطاه الله من فضله حيث ما زال يروي بعلمه الديني الواسع أبناء المسلمين حتى بعد لحوقه بالرفيق الأعلى لصدقه في نية عمله وصدقه في تعليمه لغيره حتى شاهدنا فيه نحن الذين ما زلنا حتى هذه اللحظة أحياء نرزق قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث.."، وعلى رأس تلك الثلاثة علم بثه في قـلوب الرجال.

 

فذلك العلامة ولله الحمد ما زال المسلمون وحتى الآن بعد وفاته بسنين ينهلون من علمه الديني الواسع رحمة الله عليه يوم موته ويوم يبعث حيا.

 

هذا العلامة سمعته قريبا في محاضرة له يذكر فيها تاريخ هذا البلد العريق في الإسلام يقول: إننا ولله الحمد بعد انتهاء الدولة اللمتونية بقينا هنا في هذه الصحراء شعوبا وقبائل متحدين في كل شيء وبجميع أعراقنا واختلاف ألستتنا وألوانـنا، فقد اتحدنا بإذن الله في هذا الدين الإسلامي فنحن لا دين آخر بيننا ولا تفرقة بيننا في ديننا فنحن جميعا سنة ونحن جميعا نعـتنـق مذهبا واحدا من مذاهب السنة إلى آخر ما جاء في تـلك المحاضرة.

 

فهو قد ألقاها بحماس وحدوي عن ساكنة هذه الأرض يهتـز له قـلب كل من أعطاه الله قـلبا سليما ويرجوا من الله أن يموت كذلك.

 

ولأجل مراجعة ما جاء في تلك المحاضرة المسلمة الوحدوية والغيرة إلى الرجوع إلى تلك الصورة الدينية البيضاء التي كنا نعيشها شمالا وجنوبا شرقا وغربا، فإني سوف أجعل هذه الكلمة هي امتداد لتـلك المحاضرة واستذكارا لتـلك الروح الدينية المخلصة، التي كنا نحن الموريتانيين مهما اختـلفنا حتى ولو كنا تقاتـلنا بينـنا قتال الجاهلية الذي لا يستـند إلا إلى ما ينـفثه الشيطان بينـنا قبائل تارة وعناصر تارة أخرى وحتى "أعصارا" بتسمية البادية يـنـفث فينا الشيطان من روح الجاهلية وتفاخرها بالآباء إلى غير ذلك من سلاح الشيطان الفتاك الذي بدأ من وصول آدم نفسه للدنيا وما زال ذلك عمله مع أبنائه في الدنيا إلى آخر نهاية نفس منهم.

 

إلا أنـنا وكما ذكر العلامة وأشرت إليه آنفا أنه نظرا لوحدتنا في هذا الدين في كل شيء وعدم تـفرقنا فيه أحزابا كل حزب بما لديهم فرحون كنا لا تـنـتهي تلك الحروب الجاهلية إلا وأصبحنا في طبيعـتنا الإسلامية كل واحد منا يحب لأخيه ما يحب لنفسه كما هو مشاهد ولله الحمد في حياة تاريخ إسلامنا الوضاء.

 

ومن هنا وللأسف لم نكد نأخذ استقلالنا من المستعمر الذي لم يستطع طيلة مكثه فينا والذي لم يطل كثيرا فينا ولله الحمد نتيجة تماسكنا واعتزازنا بإسلامنا الذي يختلف مع دين مستعمرنا اختلافا لا يماثـله في تباعده إلا مصيرنا بإذن الله يوم القيامة، {فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستـقيما}، وأما مصير المستعمر ودينه فيقول المولى عز وجل {ولا تـتـبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قـبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل}.

 

إننا ومع الأسف لم نكد نـنـفصل عن هذا المستعمر حتى لحق بنا الوصف الذي وصفنا به من لا ينطق عن الهوى وهو النبي صلى الله عليه وسلم وصف به أمته وصف تحذير وتوبـيخ لا وصف اتباع ورضا وهو قوله صلى الله عليه وسلم "لتـتـبعن سنـن الذين من قبـلكم شبرا بشبر وباعا بـباع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلمتوه"، وعندما سئـل عن من هم الذين من قبلنا أهم اليهود والنصارى فأقر هذا التفسير بقوله استفهاما تقريريا بقوله "فمن؟" بمعنى تماما هم اليهود والنصارى ولا شك أنه تـقدم قريبا نتيجة اتباع سننهم وهو أنهم أضلوا بها كثيرا وضلوا عن سواء السبـيل.

 

ولا شك كذلك أنه من سنـنهم الحداثة التي اتبعناها وأضلونا بها هي هذه الديمقراطية التي جعلتـنا أحزابا فرقـتـنا بها وجعلتـنا شيعا كل واحد منا فرح بطريقته التي أتبع فيها سنن من قبـلنا.

 

وقبل الابتعاد عن ذكر كلمة الديمقراطية أرجو أن لا يظن ساذجا أنني أعني بكلمة الديمقراطية أي جميع ما أوحت به من القوانين، ولكنني أعني أولا فيما أقول تلك الروح اللا إسلامية التي تـنـفـثها في روح معـتـنقي الديمقراطية من عدم النظر إلى السلوك الإسلامي في حياة هذا المؤمن إيمانا لا مشروطا بالديمقراطية فيفصل نهائيا بين السلوك الديمقراطي والسلوك الإسلامي فيـبيح لنفسه الكذب والتزوير والرشوة في الوصول إلى مبتغاه من غير أن يلتفت إلى مسؤوليته عن كل تصرفه قولا وفعلا في الإسلام.

 

فمن المعلوم أن كثيرا من السلوك الديمقراطي مرحب به في الإسلام ولكن بنية تكسب الأجر للعامل بها في الآخرة إذا رده إلى الاجتهادات في الأصلح الذي أمر به الإسلام إذا لم يكن هناك نص شرعي.

 

فمن المعلوم أن الشورى مطلوبة في الإسلام ولكن ليست شورى الفوضى التي يستوي فيها صوت العالم والجاهل والرشيد والسفيه والعاقل والأحمق والشاب والشيب الخرف إلى آخره.

 

ولذلك فسوف نضع الكلام على الديمقراطية في ثوبها المعمول به الآن في مؤسسيها من الدول جانبا لنصل إلى وضعنا الخاص بنا نحن المسلمين هنا والذي كنا نخاف فيه من مخالفة أوامر الله أن نـتعمد فعلها والآن نتعمد فعلها ولا يظهر فينا أننا سوف نتوب منها لأننا نفعلها على سنن الديمقراطية كأنها قوانين نسخت أوامر الله التي أمر بامتثالها لكل مسلم حتى يأتيه اليقين.

 

وأول فعلنا الدنيوي المشين في الآخرة هو سلوكنا في هذا التحزب وانقسامنا فيه إلى موالاة أغلبية ومعارضة أقلية، المترتب عليه من جهة الأغلبية الموافقة على كل شيء يصدر من الدولة وبغض النظر هل الإسلام يوافق عليه وكذلك يتحتم على كل متكلم في الأغلبية إذا كان شاعرا فيتبع في شعره الغاوين من الشياطين فتراه يهيم في كل واد من المدح بما ليس في الممدوح من الخصال وإذا كان المادح كاتبا ناثـرا فـيفرغ ما أعطاه الله من الحكمة في القول والمقدرة على إخراج العبارة في أبهى صورها حتى يصرف نعمة الله عليه فيما نهاه الله عنه من المدح المذموم ولو كان حقا لأنه يقطع به عنـق صاحبه كما قال صلى الله عليه وسلم آمرا بالحثو بالتراب في وجه المداحين لأنه أوصى المادح الذي طلب الإذن بمدحه هو صلى الله عليه وسلم وأذن له قائلا: قل ولا تـقـل إلا حقا أو هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك من نتيجة الدولة في العطاء ولو غير مستحق لصاحب الأغلبية الموالي من مال الشعب الذين جعلهم مستخلفين فيه فقط لا تمليك بـت.

 

وبنفس لهجة التعبير والتحذير أخاطب به المعارضة في معارضتها ونمط المعارضة حتى كأن المعترض عليه لم يضع له الإسلام أي اعتبار في معاملته لا في توقيره حتى ولا في الثناء عليه عند فعله الأصلح للشعب إلى آخره.

 

فمن أين أباحت المعارضة المسلمة ــ وقد فهمنا أن جميع الموريتانيين مسلمين ولله الحمد ــ من أين أخذت إباحة التكلم الجارح للمعترض عليه بدون مراقبة إلا ولا ذمة لاحترام النصوص الإسلامية المبينة لنوع الاعتراض ووقته.

 

وأنا الآن أرى نفسي مغتبطا بوقوع مثال في هذا الموقف من المعارضة الذي قدم عليه النائب المحترم المختار بن محمد موسى من تجاهل أوامر الديمقراطية لأعطيه مثالا على استـنكار المعارضة وتبعها في هذا الاستـنكار جميع المواقع حتى أصبح الوضع كما قال الشاعر سيد محمد بن الشيخ سديا: "كأنني أتيت بفعلة ماعزي" وذلك عندما تزوج من غير أهله مع إباحة الإسلام لذلك: فكذلك عندما قام ذلك النائب المحترم الفاضل باستقبال الرئيس في تيشيت وأجرى معه مقابلة بعد ذلك إذا كانت وقعت، ما المانع في الإسلام أن يستقبل أي مسلم رئيس بلاده في أي مكان أو يأتي إليه إذا استدعاه فهذه التـلبية أولى هي للوجوب من هي لمجرد الإباحة فضلا عن الكراهة أو التحريم.

 

فهذا الاستـقبال وتلك المقابلة إذا كانت وقعت تـعد شجاعة وشهامة واستقلالا إسلاميا داخلا في النفس دخولا أوليا في مطالب الإسلام من المسلم {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تـتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون} والإتباع هنا المأمور به هو إجابة الدعوة أصلا التي أوصلت إلى هناك، أما الاستقبال فأنا لا أقول ما قاله النائب فقط وهو أنه رئيس منتخب بل أقول إنه رجل مسلم أعطاه الله التمكين على هذا الجزء من مسلمي العالم وله ما أمر الله به من مكن لهم في الأرض فلهم من الطاعة على المسلمين ما لهم وعليهم من وزر ما تحملوا من أعباء قضايا المسلمين لا ينقص الجميع إتباع أو مخالفة قوانين الديمقراطية.

 

فـلو كنت أنا ذا شأن في الحزب أو المجتمع يشار إلى بالبنان لضربت المثـل بنفسي في قضية الدخول في السياسة وفي نفس الوقت محاولة إتباع شرع الله في ما أمرني الله به.

 

فأنا منـتسب لحزب لا أبغي به بدلا بل أعتبره هو الحزب الذي تكلم عنه الإسلام بوصفه الإسلامي الخاص به، لأن جميع أفراده ولا أزكي على الله أحدا يحبون أن يتطهروا، وهذا الحزب يعـد في المعارضة وأنا من ضمنه ولست معارضا ولكن أعـتبر نفسي فيما أكتب ناصحا لأني لم أكتب نـقدا أو نصيحة من جهة إلا وكتبت معها تـزكية من ناحية أخرى وإن قيل إن النصيحة في المواقع تعد خدعة كالنصيحة في الملأ فالجواب أني لو أتيحت لي فرصة النصيحة المباشرة لفعلت لا أريد بها جزاءا ولا شكورا.

 

فكذلك إذا كان هذا النائب المحترم أتيحت له فرصة نصيحة الرئيس مباشرة ولم يفعل فيكون قد خان الأمانة الإسلامية التي أفـنى شبابه وهو يحاول المحافظة على تلك الأمانة بحزم وعزم وشجاعة ولقي في ذلك ما لقي.

 

وعلى كل حال فإني أخاطب القـلوب السليمة في موريتانيا بجميع أجناسها وأحزابها ولغـتها وألوانها تعالوا إلى كلمة سواء بـينـنا نحن جميعا الموريتانيين: أن نكون من مات منا من جميع أجناسنا نـترحم عليه بهذا القلب السليم ونقول له {يأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية} الخ الآية ومن هو حي منا نرجو أن يحييه الله حياة سعيدة بين مواطنين متعاونين متحابين كما كنا قبل الاستعمار وأثـناءه وقبل أن تفرقنا هذه الديمقراطية وتطلق ألسنة بعضنا على بعض بالسوء والفحشاء.

 

وعلى السيد / الرئيس إذا كان يعتـقد أنه رئيس موريتانيا أن يكون رئيسا للجميع في السراء والضراء ويضع نفسه في مسافة واحدة من جميع المواطنين الذين سيسأل عنهم واحدا واحدا بغض النظر عن مواليهم ومعارضهم لأن الآخرة التي أقرب له من شراك نعله ديمقراطيتها لا موالاة فيها ولا معارضة بل يقال للجميع الذي لم يلتزم بأوامر الله {وقفوهم إنهم مسؤولون ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون}.