على مدار الساعة

محطات من التاريخ السياسي للإسلاميين خلال العشرين سنة الماضية (ح: 3)

12 ديسمبر, 2017 - 00:16
الأستاذ / إسماعيل موسى الشيخ سيدي

بعد رفض الترخيص لحزب الأمة.. فتحت السلطات قنوات اتصال مع قيادات إسلامية... وهو ما أسفر عن التحاق بعض تلك القيادات بالحزب الجمهوري الديمقراطي... وفى هذا الإطار تم تعيين السيد أبو بكر ولد أحمد وزيرا في الحكومة مطلع التسعينيات..

 

مجموعة أخرى ظلت مستمسكة بالنهج المعارض وتضم قيادات من حزب الأمة... لكنها هذه المرة فضلت النضال من خلال حزب مُعترف به وكانت الوجهة هذه المرة حزب الوسط الديمقراطي الموريتاني بقيادة السيد مولاي أحمد ولد مولاي الحسن.. وكان يقود هذه المجموعة الأستاذ الفاضل الحسن مولاي علي؛ وفى مقابلة مع جريدة الضياء العدد رقم: 6 الصادر في شهر أغسطس 1992 يصف رئيس حزب الوسط السيد مولاي الحسن الأمر بأنه: (دخول أعضاء من حزب الأمة في المكتب السياسي لحزب الوسط).

 

بعد ذلك وفى سنة 1994 جرت مفاوضات ومحاولات اندماج بين حزب الوسط وحزب اتحاد القوى الديمقراطية / عهد جديد أسفرت فى الأخير عن دخول عناصر حزب الأمة المنضمة لحزب الوسط في الهيئات القيادية لاتحاد القوى الديمقراطية.. وهو حدث اهتمت به الجرائد فى ذلك الوقت ووصفته جريدة القلم في عددها رقم: 48 الصادر بتاريخ: 26 يوليو 1994 بعبارة: (ولد داداه يعقد قرانا مع الإسلاميين)...

 

هنالك أيضا حزب تم الترخيص له مطلع التسعينيات ويسمى التجمع الوطني للوحدة والعدالة بقيادة السيد اعل الشيخ ولد ابريكات.. وضمت قيادته عناصر شبابية محسوبة على الإسلاميين... لكنه لم يكن من الأحزاب النشطة.

 

أحداث 1994:

بعد كل هذا التوزع وإعادة التموقع التي لم تكن منسقة أو منطلقة من إستراتيجية موحدة جاءت سنة 1994 وقد كانت سنة عصيبة على الإسلاميين إذ شن فيها نظام الرئيس معاوية ولد سيد أحمد ولد الطائع حملة اعتقالات واسعة النطاق شملت رموز التيار الإسلامي وتم فيها إغلاق مؤسسات ثقافية وتعليمية وخيرية، وشنت فيها وسائل الإعلام الرسمية حملة لا هوادة فيها على الدعوة والدعاة... لكن حجم تضامن الأحزاب السياسية مع الإسلاميين كان جَليا ويتضح من خلاله المكانة التي حققوها حتى ذلك الوقت؛ فقد جاء في بيان اتحاد القوى الديمقراطية / عهد جديد الصادر يوم: 27 – 09 – 1994 ما نصه: (منذ عدة أيام دخل النظام مرحلة جديدة من القمع ومصادرة الحريات؛ إن عشرات من مواطيننا من بينهم أعضاء مسؤولون ومناضلون فى حزبنا قد اختطفوا وفتشت منازلهم دون أي إذن قضائي وصودرت دون أي جرد أدوات شخصية وعائلية من بيوتهم ولا يعرف أقارب المعتقلين ولا ذووهم أي شيء عن مكان وجودهم...).

 

وعلى نفس المنوال كان موقف الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم في بيان صادر فى نفس اليوم كان من ما جاء فيه: (تقوم وزارة الداخلية منذ بضعة أيام بحملة واسعة النطاق استهدفت أساسا علماء أجلاء وأئمة مساجد وأساتذة؛ ولم يتجنب هذا الفعل بيوت الله التي انتهكت حرمتها الربانية للمرة الأولى في تاريخ بلادنا..).. وصدرت بيانات تضامنية من أحزاب أخرى مثل حزب الطليعة الوطنية؛ وحزب التحالف الشعبي التقدمي..

 

بعد هذه الضربة الأمنية تراجع اهتمام الإسلاميين بالعمل السياسي لصالح العمل الدعوي والثقافي... كما أن الحياة السياسية العامة كانت تشهد ركودا كبيرا بسبب تحكم النظام وحزبه الجمهوري في تفاصيل المشهد والإقصاء الممنهج لقوى المعارضة... ومع ذلك استطاعوا بالتحالف مع تكتل القوى الديمقراطية أن يحصلوا على منصب عمدة أكبر بلديات العاصمة سنة 2001 وكانت من نصيب الأستاذ محمد جميل منصور

 

أزمة 2003:

من جديد توترت العلاقة بين الإسلاميين ونظام ولد الطائع، وبدأت حملة اعتقالات واسعة النطاق في صفوفهم وأُغلقت مؤسسات تعليمية ودعوية وخيرية.. وكانت بداية تلك الاعتقالات يوم الأحد 4 مايو 2003، وقد استطاع الإسلاميون إدارة المعركة سياسيا وإعلاميا بنجاح بشهادة مراقبين كثر، ثم إن نظام ولد الطائع تعرض لهزة عنيفة وضربة في الصميم جراء المحاولة الانقلابية التي قام بها الرائد صالح ولد حننا ورفاقه فجر يوم الأحد 8 يونيو2003، فتغيرت أولوياته واضطر لإطلاق سراح الإسلاميين دون محاكمة وكان ذلك يوم 25 أغشت 2003، وفي ذلك الوقت كان قد بدأ أيضا الاستعداد للانتخابات الرئاسية في 7 نوفمبر 2003، وهي انتخابات أعلن فيها الإسلاميون دعمهم للمرشح محمد خون ولد هيدالة وَوَقّع معه باسمهم فضيلة الشيخ محمد الحسن ولد الددو اتفاقية دعم ومساندة يوم: 27 أغشت 2003.

 

لكن نظام ولد الطائع زَوّرَ نتائج تلك الانتخابات لصالحه كما تقول مصادر المعارضة بل زَجّ بمنافسيه الرئسين فى السجون، ولما استتب له الوضع عاد من جديد لملاحقة الإسلاميين واعتقالهم، إلى أن سقط في انقلاب عسكري يوم الأربعاء 3 أغشت 2005..

 

فأين كانت وجهة الإسلاميين السياسية بعد ذلك؟.

 

محاولة التعبير عن الذات من خلال حزب مستقل أو تجربة حزب (حمد).

تلخص تجربة حزب (حمد) معاناة الإسلاميين القديمة / الجديدة في البحث عن مظلة قانونية لعملهم السياسي... فمؤسسو الحزب وهم أساسا لفيف من داعمي المرشح محمد خون ولد هيدالة في رئاسيات 7 نوفمبر 2003 ومن مكونات سياسية مختلفة المشارب حرصوا تمام الحرص على أن تتوفر كل الشروط القانونية في حزبهم.

 

والجمعية التأسيسية للحزب اجتمعت كما ورد في وثائقه على تمام الساعة السادسة من يوم 5 إبريل 2004 تحت رئاسة السيد دياورا كانيي وذلك بحضور الأعضاء المؤسسيين البالغ عددهم: 105، وبعد الاتفاق على الهيئات القيادية للحزب وتهيئة وثائقه الأساسية بدأت قيادة الحزب في رحلة البحث عن الترخيص التي سنتابعها معكم من خلال المحطات التالية:

 

في وزارة الداخلية:

بدأت المعاناة من هنا، وحتى تكون الصورة واضحة نورد لكم بالتفصيل ما جاء بالحرف في البيان التوضيحي الصادر عن المكتب السياسي للحزب يوم الأحد: 11 إبريل 2004 فقد جاء فيه ما نصه: (وفى يوم الأربعاء 7 إبريل الساعة الثانية عشر والنصف، وصلنا إلى وزارة الداخلية لتقديم الملف للجهات المعنية، ووجدنا جميع المكاتب مغلقة باستثناء مكتب مدير الشؤون السياسية والحريات العامة، حيث وجدنا المدير المساعد صدفة ولكنه سرعان ما اختفى بعد أن قال إنه غير معنى باستقبال الملفات التي قال إنها ينبغي أن تودع لدى مكتب الاستقبال مقابل وصل إيداع ويظهر أن الأمر لا يعدوا خدعة من طرفه، فعندما اتجهنا إلى مسؤول مكتب الاستقبال رفض استقبال الملف وقال إن استقبال ملفات الأحزاب من اختصاص إدارة الشؤون السياسية والحريات العامة وحدها، وعلى تمام الساعة الرابعة والنصف كانت المكاتب خالية من جميع الموظفين الإداريين وجاءنا عناصر من الأمن وطالبونا بإخلاء الوزارة وفجأة إذا بالوزارة مطوقة بشرطة مكافحة الشغب، فقررنا الانسحاب من الوزارة والعودة إليها في اليوم الموالى.

 

وفى يوم الخميس 8 إبريل رجعنا إلى الوزارة لنجد بابها الخارجي مغلقا وعليه حراسة مزدوجة من الشرطة والحرس وأبلغنا الحراس أن لديهم تعليمات لمنعنا من الدخول وبعد مفاوضات طويلة قرر أحد وكلاء الحرس أن يذهب إلى مدير الشؤون السياسية والحريات العامة ليبلغه بوجودنا، هذا الأخير سمح بمقابلة شخص واحد فقط، وقد انتدبنا له النائب جاورا كانيي الأمين العام للحزب وبعد 45 دقيقة من الانتظار غير المجدي عاد النائب ليخلفه الدكتور الشيخ ولد حرمة ولد ببانه رئيس الحزب الذى استقبله مدير الشؤون السياسية والحريات العامة بعد عشرين دقيقة من الانتظار ويبلغه شفهيا بقرار الوزارة رفض استقبال الملف ورفض الاعتراف به متذرعة بثلاثة أسباب:

- وجود عناصر إسلامية في قيادة الحزب.

- وجود عناصر متابعة قضائيا.

- وجود عناصر محكوم عليها قضائيا).

تلك كانت الحجج الأولية لوزارة الداخلية.

 

التشكلة القيادية للحزب:

تتكون التشكلة القيادية للحزب من رئيس وأربعة نواب، وأمين عام ونائب واحد له هذا إضافة لـ14 أمينا عاما ومكتبا سياسيا من 43 عضوا، ومجلسا وطنيا يبلغ عدد أعضائه 70 عضوا.

وحسب جريدة المرصد العدد: 15 بتاريخ: 07 إبريل 2004 (فقد روعي في توزيع هذه الهيئات تمثيلا متوازنا لمختلف الفعاليات السياسية المنضوية في الحزب إضافة لمراعاة التنوع العرقي والجهوي والنوعي).

ومن المناصب التي تبوأها الإسلاميون في هذا الحزب ما يلى:

- النائب الأول للرئيس: محمد جميل ولد منصور.

- رئيس المجلس الوطني: المختار ولد محمد موسى.

- أمين الخزينة: الطيب ولد محمد محمود.

- أمين السياسة: السالك ولد سيد محمود.

- أمينة الترقية: زينب بنت الدد.

- الأمين الوطني للثقافة: الحسن ولد محمد.

- الأمين الوطني للشباب: محمد ولد محمد امبارك.

- الأمين الوطني للإعلام: عبدوتى ولد عالي.

بالإضافة لمواقع أخرى في المجلس الوطني..

 

حزب (حمد) بين عهدين:

بعد التحفظ والتجاهل الذي أبدته وزارة الداخلية.. واصلت قيادة الحزب تشبثها بحقها القانوني في الحصول على الترخيص.. ونظمت عدة فعاليات على مدار السنة الأخيرة من حكم الرئيس ولد الطائع..

 

وبعد الإطاحة به في الثالث أغسطس 2005 حدث انفراج نسبي... وسمحت وزارة الداخلية لقيادة الحزب بطرح ملفه هذه المرة... وسلمتهم وصلا مقابله وذلك يوم: 16 أغسطس 2005 وساد جو من التفاؤل في أوساط الحزب.. وأعربت أطراف عديدة فى الساحة السياسية عن أملها في أن يرخص له.

 

وجرت الرياح بما لا تشتهي السفن:

وما إن شارفت مهلة الستين يوما التي يعطيها القانون لوزارة الداخلية بغية دراسة ملفات الأحزاب – ما إن شارفت هذه المدة على الانتهاء حتى بعث وزير الداخلية بالرسالة التالية لوكلاء الحزب: (السادة الوكلاء لقد تلقت وزارة الداخلية والبريد والمواصلات بتاريخ: 16 أغشت 2005 إعلانا يقضى بإنشاء حزب سياسي يسمى حزب الملتقى الديمقراطي، وقد قامت الوزارة بالتحريات والبحوث اللازمة والضرورية بهذا الغرض طبقا للمادة: 12 من الأمر القانوني: 024 – 91 بتاريخ: 25 يوليو 1991 المتعلق بالأحزاب السياسية، وقد تبين من خلال هذه التحريات التي جرت طبقا للقانون أن توجه الحزب يتجه نحو الإنفراد بحمل لواء الإسلام،وهو ما يخالف ترتيبات الأمر القانوني المذكور أعلاه خاصة المادة: 4.

 

بناء على ذلك وتطبيقا للمادتين: 4 و13 من الأمر القانوني: 024 – 91 بتاريخ: 25 يوليو 1991 المتعلق بالأحزاب السياسية فإنى أبلغكم بقرار رفض النشر في الجريدة الرسمية للإعلان القاضي بحزب سياسي يسمى حزب الملتقى الديمقراطي "حمد".

وتقبلوا السادة الوكلاء فائق التقدير).

 

هكذا... وجدت قيادة حزب الملتقى الديمقراطي نفسها أمام طريق مسدود..

 

وماذا بعد:

اتضح للإسلاميين أنهم المستهدف الأول من هذا الرفض الذي وصفوه بأنه تم (بحجة لا تستقيم مع المنطق، ولا مع الديمقراطية ولا مع القانون، مما طرح تحديات جديدة تتطلب النظر والتقدير والموازنة)، وقد جاء هذا الكلام في بيان صادر يوم 5 نوفمبر 2005 عن مجموعة الإسلاميين المنضوين فى حزب (حمد).

 

وخلص الموقعون للبيان لقرار مهم وهو أنه: (وبعد تقويم للوضعية العامة، وما تشهده البلاد من تطورات إيجابية - رغم العثرات والتجاوزات - وانطلاقا من تحليل سياسي يرتب الأولويات، ويقدرها، رأينا نحن الموقعين أسفله أن العقبات التي وضعت أمام مشروع حزب الملتقى الديمقراطي تمنعه من المواصلة كما أراد، مما تطلب وضع حد له على النحو الذي كان قائما).

 

وفى نظرة مهمة للمستقبل جاء أيضا في البيان نعلن: (تمسكنا بكامل حقوقنا المدنية والسياسية وتأكيدنا على الاستمرار في العمل الديمقراطي المدني ورفضنا لكل دفع في اتجاه آخر، على أن نُحدد في مستقبل الأيام -إن شاء الله - صيغ ذلك العمل وآلياته وخياراته).

 

فما هي الصيغ والآليات الجديدة التي اختار الإسلاميون؟.