على مدار الساعة

سليمان بال.. سيرة عالم و مجاهد يلفها النسيان

31 يناير, 2018 - 15:23
سيدي ولد عبد المالك- كاتب وباحث في الشأن الإفريقي

ثمة قلة من المؤرخين و الباحثين في التراث الإسلامي، هي من تعرف شيئا عن حياة الأمير سليمان بال و جهوده الإصلاحية لإرساء دولة إسلامية بمنطقة حوض نهر السنغال تعرف بدولة "الأئمة" مستندة في تشريعها و نظام حكمها على الشريعة الإسلامية، في وقت كانت المنطقة تعرف فيها ظلما و بغيا و جورا من طرف الحكام.

 

و رغم جهاد هذا الرجل و عدله و دوره في نشر الإسلام ظل شخصية شبه مجهولة في الكثير من كتب التراث الإسلامي و سير أعلامه، و لعل ذلك راجع من جهة لضعف حركة التأليف بالمنطقة التي نشأ فيها، و تجاهل مؤرخي الاستعمار لدوره كداعية إصلاح ساعي لربط و توثيق الصلة بين سكان المنطقة و دينها الإسلامي.

 

ينحدر الأمير سليمان بال من أسرة علمية تنتشر فيها روح التدين و تتشبع بقيم الغيرة على الدين، فكان لعامل النشأة الأسرية و تعليمه الشرعي في العديد من المؤسسات الشرعية الأهلية المحلية محركا رئيسيا في صقل شخصيته و بروز نزعة الإصلاح لديه.

 

وضع بال خطة محكمة تقوم على أساس تكوين قاعدة دعوية يعتمد علها في نشر أفكاره الإصلاحية فانتشرت رآه الإصلاحية في وسط مشحون بالعواطف، و بدأ مشروعه الإصلاحي بالتركيز على الدعوة و التعليم بتأسيس مركز دعوي ببلدة "جمبو" في المناطق الغربية من منطقة فوتا تور، و مع الوقت نجح في تحويل البلدة إلي تجمع إسلامي واسع يضم في صفوفه كثير من العلماء و الأئمة و المصلحين.

 

و يري الكاتب السنغالي محمد سعيد باه أن "دولة الأئمة" تعتبر احدي أهم التجارب الإسلامية الناجحة في مجال الحكم و البعث الإسلامي، التي شهدتها منطقة الضفة خلال القرنين الثامن عشر و التسع عشر ميلاديين.

 

و يضيف باه و هو مؤلف كتاب "دولة الأئمة بمنطقة فوتا تورو على ضفاف نهر السنغال"، أن بال حمل مشروعا واضح المعالم لإقامة دولة التي كانت ركائزها الأساسية تقوم على قواعد الشرع، مما أفضي لتأسيس دولة الأئمة التي امتدت للفترة ما بين سنة 1770 لغاية 1880.

 

و يضيف أن الوضع في منطقة فوتا تورو كان وضعا جاهليا و أن الطريقة التي يتبعها الحكام من أسرة دينينكوبي تقوم على الظلم الفاضح، و بالتالي كانت هذه الحالة تتطلب تدخلا و إصلاحا. و أن طريق هذا الإصلاح يجب أن يقوم على العودة إلي الإسلام و لا شيء غيره، و ذلك من خلال اعتماده عقيدة و شريعة ينبثق منها قيام نظام حكم على أساس الإسلام و وفق رؤية واضحة.

 

شهدت المنطقة توسعة لرقعة الإسلام بعد انتصار الإمام بال على خصومه، و كان أول قرار يتخذونه بعد تحقيق أي انتصار على الأعداء هو إلزام الناس باعتماد الإسلام نظاما للحكم ، و كانوا يبعثون بالدعاة بهدف نشر الإسلام و التعريف به.

 

نصب الإمام

 

من الإنجازات الكبيرة التي تركت أثرا في الحياة السياسية للدولة احترام آلية اختيار الإمام التي وضعها الإمام بال ، و طالب السكان الالتزام باختيار الإمام المقبل على أساسها، فلم يكتفي بوضع شروط الاختيار و اعتماد البيعة صيغة للتنصيب، و إنما اتبع المنهج الذي وضعه الخليفة الراشد عمر ابن الخطاب للخلافة من خلال حصر اختيار خلفائه في مجموعة من القيادات، من بينهم الأمير عبد القادر كن، الذي آلت إليه الخلافة لاحقا .

 

و قد لذلك بوصيته المشهور التي يقول فيها: "إن النصر مع الصبر ..إني لا ادري هل أموت في هذا القتال أم لا! فإذا مت فاطلبوا إماما عالما زاهدا لا يجمع الدنيا لنفسه و لا لعقبه. و إذا رأيتموه قد كثرت أمواله، فاعزلوه و انهبوا أمواله، و إذا امتنع من العزل قاتلوه و اطردوه، لئلا يكون ملكا عضوضا يتوارثه الأبناء عن الآباء و ولوا مكانه غيره من أهل العلم و العمل من إي القبائل كان. و لا تتركوا الملك في قبيلة خاصة لئلا يدعوه ورثة بل ملكوا لكل مستحق".

 

محاربة الرق

 

كانت مظاهر الفساد السياسي و الاجتماعي في المنطقة التي ظهر فيها الإمام سليمان بال كثيرة و متعددة، و كانت تجارة الرقيق تعرف ازدهارا كبيرا بممارسة من الأوروبيين و بتواطؤ مع الإقطاعيين المحليين، و كانت هذه الظاهرة من التي تؤرق الأمير و هو يري بعض أبناء المسلمين يباعون كرقيق. ذات مرة ركب الأمير بال قبل تفجير ثورته سفينة مع شاب مقيد يقرأ القرآن متجها إلي مدينة "اندر" السنغالية، فسأله عن أسباب القيود فقال له انه تم بيعه، فدخل الأمير في عراك مع باعته حتي تمكن من تحريره.

 

و تتضح جهوده في إيقاف حركة بيع الرقيق من خلال الرسالة القوية التي بعث بها خليفته الأمير عبد القادر كن ٌخليفة الأمير سليمان بال للمفوض التجاري الفرنسي في مدينة اندر:" نحن نحذركم بأن كل أولئك الذين سيأتون الينا من اجل ممارسة الرقيق سيقتلون، و كذلك الحال إذا لم تعيدوا إلينا أبنائنا الذين في أيديكم، نحن لا نريد إطلاقا أن تشتروا المسلمين لا من قريب و لا من بعيد".