على مدار الساعة

أية حماية للمستهلك الموريتاني ؟

6 فبراير, 2018 - 19:36
محمود محمد لمليح  كاتب وباحث في الدراسات العليا

إن تقدم الدول والشعوب لا يقاس دوما بمدى الرفاهية والتطور الاقتصاديين فحسب، بل أيضا بمدى تحسن أوضاع طبقاتها الإجتماعية التي ينعكس عليها هذا التطور.

 

   وتعد فئة المستهلكين كطبقة اجتماعية، أحد النماذج المستهدفة بالحماية من طرف التشريعات المتقدمة التي أولتها رعاية من نوع خاص، وصلت إلى حد تخصيصها بمدونات مستقلة تضمن لها مظاهر الحماية ضد تجاوزات وتعسفات المهنيين و الموردين الذين يستغلون تفوقهم الإقتصادي وخبرتهم المهنية للإيقاع بالأطراف الضعيفة في مختلف المجالات التعاقدية.

 

   حيث إن الغرض من توفير الحماية للمستهلك هو إعادة التوازن للعقد المبرم بين المهني مقدم السلعة أو الخدمة الذي يعد طرف متفوق إقتصاديا في علاقته بالمستهلك الذي يعتبر كطرف ضعيف في هذه العلاقة، فالمالك للقوة الإقتصادية يقوم بفرض مجموعة من الشروط التي قد تكون تعسفية في حق المستهلك يكون الغرض منها هو تحقيق مصلحته الشخصية، و لا يجد المستهلك نفسه إلا في وضع يقبل معه هذه الشروط و ذلك لحاجته الملحة لاقتناء هذه السلع أو الخدمات و كذلك لنقص الوعي القانوني الذي يمكن أن يساعده في فهم محتوى هذه الشروط، على عكس المهني الذي هو على دراية تامة بالشروط الواردة في العقد و النتائج المترتبة عنه.

 

  و أمام تطور الحياة الاجتماعية وما صاحبها من ارتفاع في مستوى معيشة الأفراد عن طريق تطور وسائل الإنتاج وزيادة الاستهلاك، ترتب عنه إضرار بالمستهلك  الذي أصبح أمام تنوع السلع والخدمات عرضة للممارسات غير الشريفة من طرف بعض الصناع والتجار ومقدمي الخدمات مما  حتّم إيجاد إطار قانوني لحماية المستهلك لا سيما أمام عدم كفاية قواعد القانون المدني في توفير هذه الحماية بشكل فعال.

 

   وفي هذا الإطار تنبهت جل التشريعات الحديثة لحاجة المستهلك إلى الحماية وكرستها من خلال قوانين خاصة بالاستهلاك، بل إن هذه الحماية تم تكريسها دوليا  بحيث أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في أحد قراراتها مجموعة من الحقوق وهي.

 

 حق الأمان، وحق المعرفة، وحق الاختيار، وحق الاستماع لآرائه، وحق اشباع احتياجاته الأساسية، وحق التعويض، وحق التثقيف، وأخيرا تمت اضافة حق الحياة في بيئة صحية… لأن البيئة تمثل وتشمل كل شيء حول المستهلك .

 

وهذه الحقوق تعد بمثابة مبادئ توجيهية لحماية المستهلك يتعين على جميع الدول اعتمادها كأساس لوضع سياساتها التشريعية الخاصة بحماية المستهلك
وكذلك تم تكريسها في الشريعة الإسلامية  حيث إن المصطفى صلى الله عليه وسلم ركز على ذلك من خلال مبدأ" من غشنا فليس منا " كما دعا البائع إلى إظهار عيوب السلعة ليراها المشتري.

 

   ورغم هذا كله فإن المستهلك الموريتاني لا يتمتع بأي من هذه الحقوق التي أقرتها هيئة الأمم المتحدة ومن بعدها التشريعات المعاصرة و المقارنة،
وبذلك يكون المستهلك الموريتاني فاقدا لأي حماية لحقوقه ،المتمحورة حول الرقابية و التشريع و التثقيف والتعليم، إذا ما استثنينا من ذلك جمعية حماية المستهلك التي قامت بدور رقابي على المنتجات الإسهلاكية ،لمدة ليست بالطويلة ،وكان آخر أنشطتها عام 2014، حسب صفحة الجمعية على Facebook .

 

فالمستهلك الموريتاني أو الطرف الضعيف في العقود الإستهلاكية ، الذي جعلت إكراهات الحاجة إرادته الحرة رهينة لضغوطات يمليها المورد سواء أكان شركة أو تاجرا ..، يعتبر عرضة لطغيان وتغول المورد ، في الوقت الذي تقف فيه الدولة لتتفرج على مايعانيه المسهلك من عدم التوازن العقدي.

 

في ظل عجز مبدأي سلطان الإرادة والعقد شريعة المتعاقدين، عن تحقيق العدالة التعاقدية في ظل إكراهات الحاجة وضغوطات الطرف القوي، ندعوا المشرع إلى سن قانون ينظم العلاقة بين المورد والمستهلك ،ويحصن الأخير من تعسف الطرف القوي، الذي غالبا ما يكون ضحية تعسفه لإمتلاكه ما يمكنه من ذلك

و ذلك لن يأتي إلا من خلال منظومة صارمة تقف في وجه طغيان المورد القوي تقنيا وإقتصاديا ، وتحد من رغبته الشرسة في تحقيق الربح .