على مدار الساعة

الحداد يجثم على ربى الأدب في موريتانيا

15 فبراير, 2018 - 17:18
محفوظ ولد السالك

عاش في صمت، ورحل في صمت، لكن كلماته الخالدة خلدته في حياته، وبعد رحيله، كان أحد أبرز رموز الحركة الشعرية في موريتانيا، لم يتكسب من الشعر، ولم يسخر قافيته لغير قضايا الوطن والأمة.

 

امتشق الراحل محمد كابر هاشم قلمه مبكرا، وبين الصحافة والشعر، أمضى عقود حياته، التي كانت مفعمة بالعطاء، والتميز، مثل موريتانيا في عديد المحافل الدولية، فكان سفيرا للثقافة والأدب اللذين عرفت بهما البلاد منذ القدم.

 

يمزج الراحل الشاعر كابر هاشم بين قوة السرد، وحبك القرض، مع ثقافة واسعة أصيلة، وتواضع جم، ينضح شعره بالمعاني والدلالات، تغذيهما مخيلة واسعة، وحضور كبير للقضايا والمبادئ الكبرى، إلى جانب الثقافة والتراث الأصيلين.

 

لم ترهبه عتمة السجون، وسياط الجلادين، فلم يحد عن المسار الذي آمن به واختطه لنفسه، بقي كما هو قبل وبعد السجن، حسبه من الحياة قافية شعر تحمل رسالة، لا استجداء، ومعنى، لا حشوا، ولا ذما، و لا مدحا.

 

أسهم الراحل الصموت، ذو الأخلاق العالية في النهوض بالساحة الثقافية الموريتانية الراكدة، وحاول جاهدا مع آخرين من خلال اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين أن يأخذ الأدب ممثلا في الشعر، والقصة والرواية، مكانه، عبر حركة التأليف والنشر، فضجت المكتبات الوطنية بالدواوين، والقصص والروايات الموريتانية.

 

لن يبكي الراحل من عرفه من الشعراء والأدباء، والإعلاميين، ورفاق النضال فحسب، فللقافية نحيبها، ولأدب النضال نواحه، وللثقافة والتراث عوليهما، فقد جثم الحداد على ربى الأدب في موريتانيا، إثر فقده أحد قاماته الباسقة، وللنخيل رنين، وتهمع، وشهيق لا يقل حدة ووقعا، حيث فقد في رحيل كابر هاشم من ينقل الحديث بأمانة وصدق، ومن يفهم بوحه وسره، وقد كان الراحل يشبه النخيل في الأصالة والعراقة، والكبرياء.

 

لقد خلد الراحل كابر ـ من حيث لا يدري ـ ذاته بقريضه عن النخيل، فقد طاب "فرعا وموطنا وفصيلا، وقبيلا ومنبتا، ومسيلا"، كما تعود أن "لا يروم انحناء، ولو كان الجدب طويلا"، وهي قيم أصيلة، تليدة، يصعب الاتصاف بها في زمن أصبح التحول والتبدل فيه سمة مائزة، وعملة متداولة.

 

لا يذكر الذاكرون الراحل كابر هاشم، إلا وذكروا شمائل النبل، وخصال الأخلاق الحميدة التي كان يتحلى بها، وينقل عنه بعض من يعرفونه عن قرب حبه للعلم والمطالعة، واصطحابه الدائم للكتاب.

 

ترك كابر هاشم من القريض الجزل الكثير، مضيئا به لرواد الأدب، وسدنة القصيدة في موريتانيا طريق الشعر الصافي الزلال، شعر القضايا، وأدب الثقافة الشنقيطية الأصيلة، شعر الدفاع عن الوطن وعن الثقافة والهوية، في زمن يطغى فيه شعر الطلب، وأدب المناسبات.

 

وإذا كان النخل الباسق لا يموت حقا إلا وهو واقف، فإن كابر هاشم رحل وهو واقف ثابت على مواقفه، ومبادئه، تنضح قوافيه بجمال العبارة، وجزالتها، يتنقل بهدوء بين بحور الشعر، دونما خوف أو وجل من أمواجها المتلاطمة، فسفن شعره لا تخشى الغرق، وأشرعة أدبه، لا تخشى التقطع.

 

عم صيته أرجاء المنطقة العربية، ولم يشارك في ملتقى أو منتدى أدبي في أي بقعة من البقاع، إلا ورفع خلاله شأن موريتانيا في عالم الثقافة والأدب، فأمثاله كانت تعرف بهم ومن خلالهم موريتانيا، كمنارة علم، وأدب.

 

سيظل الراحل كابر هاشم يكبر في نفوس أجيال القصيدة الموريتانية، فأمثاله يخلدون في الذاكرة، وعطاؤه الأدبي باق بعد رحيله، ستفتقد بدره ظلماء ليالي الشعر، لكن حسبه أن وهج طيب أدبه عم البلاد طولا وعرضا، بل إنه تجاوز ذلك، بكثير، وسيظل كما قال في قصيدته المشهورة عن النخل، "في المحل والخطوب رخاء، وملاذا ومنهلا وسلسبيلا".