على مدار الساعة

عيد الحب.. نظرة أنثروبولوجية

17 فبراير, 2018 - 00:51
أحمد سالم ولد عابدين - باحث

"لكل قافية أقيمت خيمة، ولكل شيء في مهب الريح قافية" م درويش.

 

كلما تراجعت ظاهرة بشرية إلى الفناء الخلفي للممارسة الاجتماعية، كلما كانت أكثر حظا في تخليدها بيوم "عيد"..

تراجع اهتمام البشر بالأمهات فأقاموا لهن عيدا..

تراجع اهتمام البشر بالبيئة فأقاموا للشجر عيدا..

تراجع اهتمام البشر بالحب فأقاموا له عيدا..

 

العيد هو "استذكار" لقضية ما أو حدث ما رجع إلى هامش الهيكل الثقافي لمجتمع ما..

 

وفي عالمنا المعاصر، حيث تراجع "الحب" إلى هامش الحياة وأفرغ من مضمونه، صرنا نستذكره في يوم محدد بعد أن توغلت بنا بدائله طوال غيوم الأيام الأخرى.. وحين تنقشع هذه الغيوم نجد أننا كنا واهمين في تصورنا لأشياء - لا تمت إلى "الحب" بصلة - على أنها هي هو.. وبالتالي أصبح لزاما أن يكون له "عيد" يتم فيه استذكاره.. يتم فيه تخليده .. إنه نوع من الوفاء الاجتماعي ورد الجميل للظاهرة التي اقترنت بوجود البشر بل وأسست له..

 

الحب يقترن دائما بالمطلق.. إننا نضفي على المحبوب دائما سمات الكمال المطلق والجمال المطلق والخير المطلق.. المطلق هو المحبوب في أكمل صوره وأجملها..

 

لكن، إذا كان "العيد" يحيلنا إلى الفرح والانصهار في ثنايا الاحتفال، فهو كذلك يحيل إلى الحزن والكآبة أكثر مما يحيل إلى الفرح، وما ذلك إلا لأن شيئا ما بداخلنا يذكرنا أننا سنرجع سريعا إلى الأيام السابقة.. إنه الشيء الذي ينغص علينا متعة الاحتفال، لذلك يعاني كل منا مباشرة بعد العيد من الكآبة..

 

يذهب مؤرخ الفلسفة الحديثة "جان لوك مارون" إلى أن مقولة "أنا أحب، إذن أنا موجود" أصدق في "تعريف" الذات البشرية من مقولة "ديكارت الشهيرة" أنا أفكر، أنا أشك ، إذن أنا موجود..

 

إن ما يشكل الكينونة، إذن، هو الحب و ليس التفكير..

 

إن الحب هو تحويل "المحبوب"، الذي لم يكن قبل لحظة الحب سوى عدم، إلى شيء، أو هكذا يخبرنا "رولان بارت".

 

الحب يرتبط دائما بـ"المطلق"، لذلك يمكن تمييز الإنسان عن الحيوان بأنه "كائن محب"، ذلك أن هدف الحيوان من الاقتراب من شريكه (حبه له) هو "الغريزة" فقط، وبمجرد أن يحدث ذلك، يخطو الحيوان بعيدا عن شريكه.. أما عند الإنسان فلا يمكن اختصار الحب في انفعال الغريزة إلا عند افتقاد الحب، لذلك يستعيض الإنسان عن حرمانه من الحب بالجنس.. أليس الجنس هو تعزية منا لذواتنا عندما نفقد الحب كما يرى الروائي الشهير "غابرييل غرسيا ماركيز"؟؟.

 

إن الحب هو في "أساس الرباط الجماعي" لأي ثقافة.. كل ثقافة ترتقي فوق مستويات الحب البين ـ فردي وتضع محبوبا تسمو به إلى المصاف العليا وتهب له الحب المطلق.. قد يكون بشرا أو شجرا أو حجرا أو شيء لا محسوس...الخ.

 

نحن المسلمون نمنح قمة الحب للمطلق الذي نؤمن به.. إن ذروة حبنا تكون لله وحده.. حياتنا مجاهدة في حب الله انطلاقا من قوله {والذين آمنوا أشد حبا لله}.

 

وحتى لا يكون هذا الحب مجرد مواسم وأعياد، ينبغي أن نستحضر "الله" دائما في هيكلنا الثقافي النشط ونجعل من ذلك ديدنا.. كما على الفرد منا أن يعيش في حب الله دائما ليفتح له باب المحبة {يحبهم ويحبونه}.