على مدار الساعة

بين نموذجين

24 فبراير, 2018 - 11:09
الولي ولد سيدي هيبة ـ كاتب صحفي

يتردد على المسامع كالسيل الجارف خلال عديد التظاهرات العلمية و المحاضرات الفكرية ـ ذات الاهتمامات الموجهة إلى إشكالات المعاناة من التخلف الحضاري بتشعباته الاجتماعية و الفكرية و الاقتصادية و السياسية و الثقافية في سياقات البحث عن التطبيقات الديمقراطية و النوذجية في الحكامة (Modèle de Gouvernance)

 

والوصول إلى تحقيق مشتهى العدالة-  أن احتباس الدول و شعوبها في دوائر التخلف و التيه في شعاب الفقر و الحرمان و المرض و العطش و سوء التغذية هو راجع إلى جهل العلوم و التكنولوجيا و العجز عن تطبيقاتها و الوصول إلى مزاياها، و ما الأمر كذلك مع تقارب القارات و تحول الأرض إلى قرية كونية صغيرة لا تخفى فيها خافية و يرتبط مصير أهلها ببعضهم بشكل أوثق لحظة بعد لحظة في الخير و الشر.

 

لكن حتى و إن يصدق بعض هذا القول فإن مشكلة التخلف الحضاري، الذي تعاني منه جملة الٍبلدان التي منها بلادنا، لم تعد منوطة:

·        بضعف المستوى التعليمي و الثقافي أو حتى المدني الحضاري،

·        و لا بعدم القدرة على استغلال مزايا المعارف المتدفقة بوتيرة لا تدرك بواسطة التعلم و المحاكاة و الاستخدام لأعقد الاختراعات و التطبيقات المعلوماتية (Applications Informatiques) و التكنولوجيا (Technologie) أو عدم الفهم الدقيق لأسرارها من الجزيئات "Particules" إلى الذرة "L’Atome" إلى الأقمار الصناعية "Satellites Artificiels" و دفق معلوماتها عن الحياة على الأرض و مكانها في الكون الرحب.

 

و في هذا السياق فإن موريتانيا، ذات الست و الستين عاما من الاستقلال، عامرة بالمتعلمين و الحرفيين و المهندسين و الفنيين و الخبراء و الجامعيين و الأكاديميين و الباحثين، و إن تواصل أهلها مع العالم على أشده و يجري عبر الأسفار و البعثات الدراسية و التكوينية و المعاملات التجارية و التبادل الثقافي و العلمي. و لكن المشكلة في البلد أعمق و أخطر من ذلك تتعلق بإحدى ظاهرتين استثنائيين:

 

أما الأولى فلأنها قد تكون تنتمي إلى دائرة أمم قليلة لا تزال تَعتزم، لجملة من الأسباب المختلفة منها السيكولوجي و منها الانتربولوجي، عدمَ الخروجَ عن أطوارها البدائية و ذلك من خلال عض المواجذ على منظوماتها السلوكية الراسخة في عقلياتها "التقاسمية"، "التفاضلية"، "التراتبية" التي تبقي باختيار إرادي و سبق إصرار متعمد على التفاوت الطبقي كوحدة قياس معلومة مؤصلة للإبقاء عليه. و مما لا شك فيه قطعا، أنه لا سبيلَ مع هذه الظاهرة، المخلة بتوازن المجتمع في العمق على الرغم "غطاء" الدين، و "رزمة" الأدبيات المجتمعية، البراقة في المظهر و الحادة في الوجه الخفي، إلى الالتحَام بـ"المقصورة" الأممية التي تستوي بداخلها الإنسانية في حماية الحقوق و تأدية الواجبات.

 

و أما الظاهرة الثانية فقد تكون في انتمائنا لشق من أمم قليلة تنبذ العمل، تعشق الكلام و تزدهي بزائف الأمجاد و لامع الحضارات المختلقة في الأذهان.. أمم متخلفة يضيع وقتها في المجون الكلامي المنظوم و المسجوع و التنظير اللفظي لأسباب التفاوت بين مكونات شعبها و شرائحه من ظلم و غبن و فساد و محاربة لأسباب اللحمة و المساواة التي يأمر بها الدين الحنيف و يبين مسالكها و يرسم أوجهها و يبسط لذوي الألباب كالسندس و الإستبرق حسن مآلاتها و طيب ملامسها.