على مدار الساعة

التعليم العالي الوطني.. وحصاد مسارات الأحادية

6 مارس, 2018 - 13:32
جامعة نواكشوط

مقدمة:

يمثل التعليم العالي والبحث العلمي ركيزة أساسية لأي عملية بناء حقيقية، تستهدف إحداث نهضة شاملة في كافة المجالات، وهو ما يستدعي حتما وجود إستراتيجية وطنية ذات أسس ومرجعيات متفق عليها بين كافة الفاعلين في الحقل الأكاديمي تضمن بذالك اضطلاعها بالدور المنوط بها في التكوين والتأطير والبحث العلمي، لكن الواقع المعاش حتى الآن ينبئ عن اختلالات قائمة في مختلف جوانب منظومتنا التعليمية سواء من في جانبها الأكاديمي والإداري أوفي جانبها الخدمي، والتي تفاقمت بشكل كبير في ظل إدارة وزير التعليم العالي والبحث العلمي للقطاع وحالة الارتجالية والفردية التي طبعت تسييره حتى الآن لهذا الملف الحساس، وسنحاول من خلال هذه الورقة التطرق بالتفصيل لأبرز هذه الاختلالات وفق المحاور التالية:

 

أولا - الجانب الأكاديمي:

باعتبار أهميته وحيويته وضرورة مواكبته للتطور العلمي الحاصل في مختلف المجالات سواء كانت علوما تجريبية أو علوما إنسانية أو دراسات إسلامية ظل الجانب الأكاديمي لمنظومتنا التعليمية قاصرا حتى الآن عن أداء دوره المأمول، على الرغم من مختلف التجارب التي قيم بها والتي من أبرزها اعتماد نظام L.M.D (ليصانص، ماستر، دكتوراه) في كافة مؤسسات التعليم العالي الوطني تقريبا، ويمكن إجمال أبرز المعوقات في هذا الجانب في:

1 - تقادم المناهج التعليمية وعدم وجود مراجعة حقيقة للمناهج التعليمية منذ البدء في تطبيق نظام L.M.D بحيث ظلت نفس المناهج التي كانت تدرس في النظام القديم هي التي تدرس في النظام الجديد.

2 - الغياب التام لمرحلة الماستر في كل من جامعة العلوم الإسلامية بالعيون، المعهد العالي للمحاسبة وإدارة المؤسسات، المعهد الجامعي المهني، المعهد العالي للتعليم التكنولوجي بروصو بحيث تدرس هذه المؤسسات مرحلة الليصانص فقط دون أن تتيح للطلاب الخريجين منها إمكانية إكمال دراساتهم العليا، وتعثر سير الدراسة فيها في بقية المؤسسات فمابين تعطل شبه تام في المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية وإغلاق التسجيل في الماستر منذ عامين، إلى تقليص الأعداد المقبولين فيها في كلية العلوم والتقنيات واعتماد معايير غير أكاديمية للقبول فيها (حرمان الطلاب من الدراسة بسبب عامل السن) في كلية العلوم القانونية والاقتصادية، فضلا عن غيابها في تخصصات اللغات في كلية الآداب والعلوم الإنسانية

3 - الغياب التام لمرحلة الدكتوراه في أغلب مؤسسات التعليم العالي الوطني.

4 - النقص الكبير في الكادر البشري القادر على تكوين وتأطير الطلاب في مختلف مؤسسات التعليم العالي الوطني.

5 - تقادم المكتبات وعدم وجود إستراتيجية لتطويرها وتحديثها والغياب الملحوظ للمكتبات الالكترونية عن أغلب مؤسسات التعليم العالي الوطني.

6 - عدم الاهتمام بالبحث العلمي وتشجيعه في الأوساط الطلابية.

 

ثانيا – الجانب الإداري:

رغم التحسينات التي قيم بها سابقا في هذا المجال باستحداث ترسانة قانونية ناظمة لعمل مختلف قطاعات التعليم العالي الوطني وحالة اللامركزية التي أحدثتها النصوص وتشجيعها لدمقرطة التعليم العالي، إلا أنه ومنذ تولي وزير التعليم العالي والبحث العلمي الحالي منصبه حرص على توجيه ضربات متتالية لدمقرطة التعليم العالي وعلى إبقاء كافة الصلاحيات في يده مما أنتج حالة من التعطيل لأغلب المجالس والهيئات وعجزها عن القيام بدورها، وارتهان تسييرها لتعليمات صادرة من الوزير، ويمكن إجمال أغلب هذه الإختلالات فيما يلي:

- إلغاء عملية اختيار عمداء الكليات ورؤساء الأقسام عن طريق الانتخاب واللجوء لاختيارهم عن طريق التعيين.

- تعطيل انتخابات تمثيل الطلاب في مجالس الكليات والمعاهد ومجالس إدارات الجامعات ومجالسها التربوية والعلمية منذ عامين.

- إلغاء تمثيل الطلاب في اللجنة الوطنية للمنح وتقليص عدد أعضائها وصلاحياتها.

- إلغاء تمثيل الطلاب في مجلس إدارة المركز الوطني للخدمات الجامعية.

- تعطيل عمل المجلس التربوي والعلمي لجامعة نواكشوط العصرية والمجالس التربوية والعلمية للكليات والمعاهد عبر التدخل المباشر في صلاحياتها سواء عن طريق التعليمات المباشرة أو عن طريق التعميمات الوزارية.

- إلغاء نتائج اجتماع اللجنة الوطنية للمنح (مارس 2015)، وتغيير معايير التنقيط بالنسبة للمنح الطلابية في الداخل والخارج.

- إلغاء منح المتفوقين من مرحلة الليصانص من كليات العلوم القانونية والاقتصادية، والآداب والعلوم الإنسانية والمعهد العالي للمحاسبة وإدارة المؤسسات (5 تخصصات من أصل 8) جامعة العلوم الإسلامية بالعيون، المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، وكذا المتفوقين في مسابقة الباكلوريا الوطنية شعبة الرياضيات.

 

ثالثا - الجانب الخدمي:

ونظرا لانعكاسه المباشر على عملية التحصيل العلمي للطلاب وخلق مناخ ملائم لهم يمكنهم من الدراسة في ظروف أحسن، ورغم استحداث المركز الوطني للخدمات الجامعية كمؤسسة عمومية تعنى بالجانب الخدمي فقط، حتى تتمكن الكليات والمعاهد من التفرغ لدورها الأكاديمي والتكويني، إلا أن سلسلة التراجعات التي حصلت في أدائه مؤخرا خاصة في ظل الإدارة الحالية جعلت علامات الاختلال واضحة وجلية في مختلف قطاعاته سواء في النقل أو السكن أو الإطعام وغيرها، وسنتعرض لها بالتفصيل فيما يلي:

 

أ – النقل الجامعي:

برزت الحاجة إليه بشكل كبير منذ الانتقال للمركب الجامعي الجديد مطلع العام الجامعي 2014-2015 إلا أن أزمة النقل ظلت مشكلا مؤرقا للطلاب المرتادين يوميا للمركب الجامعي الجديد فيما ظلت الحلول الجزئية التي يقوم بها المركز الوطني للخدمات الجامعية عاجزة عن توفير نقل ملائم للطلاب من وإلى المركب الجامعي الجديد الذي يضم ثلاث كليات (كلية العلوم والتقنيات، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، كلية الطب) ويبلغ عدد المسجلين فيها حوالي 8.000 طالب بينما لا يتجاوز عدد باصات النقل التي يوفرها المركز في أحسن حالاتها 30 باصا لـ5 خطوط نقل فقط داخل العاصمة مما ينتج عنه بالمحصلة:

- اكتظاظ شديد داخل الباصات.

- عدم توفر خطوط النقل في أغلب مقاطعات العاصمة خاصة في الأطراف.

- عدم مواءمة جدولة الرحلات مع الحصص الدراسية.

- حالات اختناق في بعض الأحيان خاصة في أوساط الطالبات بسبب الازدحام.

- عدم توفر معايير السلامة في أغلب باصات النقل.

- زيادة تعرفة النقل بنسبة 150% خلال العام الجامعي الماضي والحديث المتزايد من طرف القائمين على النقل الجامعي عن زيادات جديدة في التعرفة خلال العام الحالي.

 

ب – المطعم الجامعي:

افتتح المركز الوطني للخدمات الجامعية مطعما مؤقتا بطاقة استيعابية ل400 طالب فقط، ووجبات ضعيفة من القيمة الغذائية والكمية، وطوابير الانتظار الطويلة يوميا، ووعدت إدارته بحل تام للمشكل مع افتتاح المطعم الجامعي الكبير إلا أنه وعلى الرغم من مرور 4 سنوات على الانتقال للمركب الجامعي الجديد لم تجد هذه الوعود طريقها للتنفيذ مما أبقى المعاناة مستمرة حتى الآن للطلاب المرتادين يوميا للمطعم الجامعي.

 

ج – السكن الجامعي:

على الرغم من انتهاء الأشغال في السكن الجامعي بالمركب الجامعي الجديد إلا أن الطلاب حتى الآن وفي عامهم ال4 من الانتقال للمركب الجامعي لم يستفيدوا منه وبقيت استفادة الطلاب محصورة على السكن القديم الذي لاتتجاوز طاقته الاستيعابية حوالي 90 طالبا من أصل حوالي 15.000 طالب يحق لهم الاستفادة من السكن الجامعي.

 

د – المنح الدراسية:

ويمكن تقسيمها إلى قسمين:

- المنح الخارجية:

وقد عانت هي الأخرى من تقليص كبير بسبب قرارات وزير التعليم العالي والبحث العلمي التي استحدثها سواء عن طريق إلغاء نتائج اجتماع اللجنة الوطنية للمنح (مارس 2015) أو عن طريق رزنامة التنقيط التي استحدثها والتي أقصت عددا كبيرا من الطلاب ممن تغربوا لدراسة تخصصات لا تكاد توجد في أغلب مؤسسات التعليم العالي الوطني.

- منح الداخل:

لم تسلم هي الأخرى من عملية الانتقاص والتقليص فقد عانى طلاب السنة الثالثة ليصانص من اقتطاع منحهم رغم قرار تعميمها عليهم من طرف رئيس الجمهورية كما حرم طلاب مرحلة الماستر من المنح، ليتم الإجهاز عليها أخيرا بتغيير معايير إسنادها بقرار وزاري وهو مايعني حرمان ما يزيد على 60% من الطلاب المتوفرة فيهم المعايير من حقهم في المنحة وبالتالي عمليا القضاء على أية مساعدة يمكن أن يستفيد منها الطالب خلال مرحلة الدراسة.

 

هـ - المساعدة الاجتماعية:

عمد وزير التعليم العالي منذ العام 2015 إلى إلغائها وحرمان الآلاف من الطلبة الذين لا تتوفر فيهم معايير المنحة من مساعدة تمكنهم من مجابهة ظروف الدراسة والمعيشة الصعبة.

 

رابعا – الحريات الفردية داخل الحرم الجامعي:

عانى الطلاب في الآونة الأخيرة من موجة استهداف غير مسبوقة للحريات الفردية والجماعية داخل الحرم الجامعي حيث تحول من فضاء للحرية والابتكار وملتقى للأفكار والحوار إلى كنتونات أمنية تحكم عليها الشركات الأمنية قبضتها وتمتلئ بكاميرات المراقبة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تعرض النشطاء النقابيون لحملات تشهير وتشويه بل وصل الأمر حد التهديد بالطرد من الدراسة إن أقدموا على أي فعل نقابي داخل الحرم الجامعي بل وخارجه وفي وسائل النقل من وإلى المركب الجامعي الجديد، ليتحول العمل النقابي بالمحصلة إلى جريمة تعاقب عليها الإدارة حتى إن لم تجد في النصوص الناظمة للتعليم العالي مايعتبرها جريمة أو يعاقب عليها.

 

هذا فضلا عن سياسة الحل الأمني التي انتهجها الوزير أمام المطالب الطلابية البسيطة والعادلة حيث استدعى الشرطة لقمع كافة الاحتجاجات الطلابية على مدى السنوات الأخيرة لتقوم بالتنكيل بهم وضربهم وسحلهم وتعذيبهم واعتقالهم مما نتج عنه عشرات الإصابات والإعاقات المؤقتة والدائمة للطلاب، كل هذا من أجل تركيع الطلاب وكسر إرادتهم وردعهم عن المطالبة بحقوقهم.

 

خامسا – خاتمة

بالمحصلة فإن التعليم العالي الوطني بحاجة ماسة لجهود الفاعلين فيه جميعا من طلاب وأساتذة وعمال حتى ينهض من كبوته ويخرج من دوامة المشاكل التي أحدثتها سياسات وزير التعليم العالي والبحث العلمي الفردية وقراراته الارتجالية التي أنتجت اختلالات عميقة لن يتم التغلب عليها مالم يتداعى كل الغيورين على سمعة ومصلحة هذا القطاع الهام والحساس من أجل انتشاله والنهوض به حتى يؤدي دوره الطلائعي على أكمل وجه.

 

الجبهة الطلابية للدفاع عن الحقوق والمكتسبات:

- الاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا.     

- الاتحاد المستقل للطلبة الموريتانيين.

- اتحاد الطلبة الوطنيين.

- اتحاد الوفاء الطلابي.

- الاتحاد الحر للطلبة الموريتانيين.