المعارضة بعيدا عن التفسير العلمي لها واستعراض نماذج تاريخية منها مع أهمية التعريج على ذلك، هي تجل من تجليات الاعتراض على حكم سواء كان ذلك من حيث الشكل أو المضمون، أو بلغة أخرى المشروعية والشرعية.
ومنذ أن تخلى المهتمون بالشأن السياسي عن الحسم في ذلك الموضوع بالسلاح والتحاكم إليه شقت طرق سميت بالحل المدني، أو الطرق السلمية إلى الوصول إلى السلطة، ومن الطبيعي أن تكون بالساحة السياسية أطراف؛ طرف حاكم ومساند وطرف معارض لاختلال أو خطأ أو فشل مارسه الحاكمون، فيبدأ الصراع بين الفريقين على صاحب الكلمة وهو الشعب، والسؤال هنا مشروع: ما هو الثمن المقدم إليه؟ هل هو مادي (وهو ما يسميه البعض بالمال السياسي) أو هو معنوي؟ (وهو تاريخ من المصداقية وتبني مطالبه) والمرونة في نفس الوقت أساسية والفرصة جزما أكثر للحاكمين إذا وصلوا بإرادته وحققوا برامجهم الانتخابية وكانت تنموية بكل المقاييس وهو ما يحتاجه بلدنا وعاش الناس عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون، حينها الطريق مسدود على المعارضة إلا إذا فشلت دبلوماسيتنا في الخارج أو حدث فشل في التعاطي مع الملفات الاجتماعية فتلك نوافذ خطيرة على القائمين على الشأن العام وتعطي دفعا للمعارضة بلا شك.
وفي هذا السياق ونحن على وشك انقضاء مأموريات رئيس الفقراء – وهو من سمى نفسه بذلك – لا مناص من التعريج على المشهد السياسي، وسنصاب بصدمة إذا تناولنا طرق الوصول إلى السلطة حيث لا يختلف اثنان على أنه كان بسبب انقلاب على رئيس مدني منتخب وقبل اكتمال مأموريته وتصريحه الأول للإعلام (عزيز) محفور في الذاكرة، ولأن الأمر صار واقعا اعترفت المعارضة بحكم عسكري جديد، فما هي حصيلة الإنجازات؟
الفشل في التعليم بادٍ للعيان وفق تقارير مؤسسات دولية والواقع المعاش عنده خبر اليقين، فقد بدأت المأمورية الأولى بمدارس الامتياز والمدارس النموذجية، ونحن على أعتاب آخر سنة من المأمورية الثانية دون تعميم التجربة، وفي مجال الصحة، الصحة الاستعراضية ارتجالية وعلى حساب الصحة القاعدية، والبطالة أهم ما أنجز فيها تحويل أصحاب الشهادات العليا إلى سائق ثلاثي العجلات لنقل البضائع، وقصة الشوارع على أهميتها توقفت منذ فترة دون إنجاز طرق استراتيجية من شأنها تحريك عجلة الاقتصاد أو على الأقل التقليل من حصد أرواح الناس، والأمن مرت سنون على ترديه ولم نر حلولا جذرية من أجل إحلاله، فكان الحل ترخيص السلاح للمواطنين وذلك إرث ثقيل للقيادة القادمة، فنزع السلاح من أيدي المواطنين وبقاؤه في يد الدولة وحدها أمر سيكلفها الكثير وهذه مشاكل كبرى نستعرضها ونتجرعها بكرة وأصيلا بكل ألم ويأس ونراهن بعد الله على المعارضة لجبر النظام على معالجتها أو إزاحته عن إرادة دفة الحكم، وهي الملاذ الوحيد بعد الله للشعوب المغلوبة على أمرها لهز عرشه أو طرده كما حدث في تونس واليمن وليبيا ومصر والسنغال مع تعدد الأساليب، والشعب مل مواعيد النظام وأقرب ما يكون إلى المعارضة، فعلى المعارضة أن تقطع الصلة بالعسكر بعد تجارب عديدة في بلدان أخرى ومنها تجربة ساحل العاج سنة 1999 حين ظنت المعارضة أن روبر كي جاء لتخليصها من الحكم القائم، وتجربتها في بوركينا فاسو وتجربة مصر بانقلاب جمال عبد الناصر حين دعمته بعض القوى المدنية فكانت أكبر ضحاياه وأعادت الكرة في التفاهمات مع المجلس العسكري بعد سقوط نظام مبارك فكانت نفس النتيجة.
فعلى المعارضة أن لا تعطي العسكر فرصة لالتقاط أنفاسهم وترتيب حساباتهم وذلك من شأنه تمرير خيارهم، وتظل البلاد والعباد في نفس الدوامة، ومن حق المعارضة أن تتساءل ما الذي حمل بعض شعبها على الهجوم عليها وتسفيه جهوده والتقليل من شأنها، هل الأمر عائد إلى أخطائها هي؟ وإن حدث هذا فالاستفادة من أخطاء الماضي مهمة ومعينة على حسن إدارة المستقبل، أم أن الأمر عائد إلى المشككين، ففي هذه الحالة لا يعدو أمرين، أولهما أن المشككين لا يدركون دور المعارضة وهذا يحتاج إلى فترة من الوقت لتثقيفهم وشرحه لهم، أو أن الأمر عائد إلى طمع في فُتات مائدة النظام على حساب مصالح كبرى تستحق مزيدا من التضحية قد يكون مشاركة وقد يكون مقاطعة.
ومهما كانت النتيجة متى كانت المعارضة في أي بلد عدوا للوطن والمواطن؟ أليست المعارضة عبارة عن مجموعة من المتضررين من النظام بدءا بالحرمان من التعيينات مرورا بالإقصاء من الصفقات وانتهاء بالحملات الإعلامية من أجل تشويه ماضيها، وقد يصل الأمر إلى السجن أو إلى الإبعاد وكل أصناف المضايقة، وهذا ما حدث بالفعل مع معارضتنا.