جميل أن تتصف الأمة بميراث من الأخلاق لا تنضب روافده و بمجد تليد يحمل كل علامات العظمة الرفيعة، كما هو بديع أن يتصف البلد بانسجام مواطنيه مع قيم المدنية العالية و بالإخلاص لرفعة الوطن و علو شأنه بين الدول. و على النقيض من ذلك أن لا ترى امة مساوئها و تتغاضى عن مكامن ضعفها و تظل تحتمي بالخرافة و أسطورة المجد الكبير عن مثالب المضي فلا تبني خطة مجتمعية للتغيير.
و انطلاقا من هذه المسلمات فإنه بات من الحتمي الذي يأخذ صبغة الواجب أن ندرك أنه من الأمور التي باتت لا تخطئها العين المجردة، بل و أصبحت من المسلمات "المسكوت"عنها بقوة "العادة"، أننا جئنا في هذه البلاد - من أحضان "السيبة" إلى الدولة المركزية و ما تمليه من الصرامة - بجرعة زائدة من الجرأة السافرة على أشد الأمور خطورة و أكثرها تعارضا مع تعاليم الدين الحنيف، بمعتقد
أننا لا نأت، بعصمة مبتكرة، المخالفات و لا نقوم بمُخل الخلق، و لا نخرق النظام، و لا نجافي الأعراف، و لا نحترم المواثيق و ننقض العهود، لأننا نملك إلى كل ذلك القدرة العجيبة على قلب الحقائق و تحويل الواقع إلى آخر مغاير.
و بموجب هذه الوضعية السائدة التي سحبناها بقوة هوانا "السيباتي" ثم طبقناها على الواقع اليومي و المسار الزمني و الأحوال بكل جوانبها و تفاصيلها، و جعلناها منطقا محرم التجاوز و المناقشة، فإن جرأتنا التي تعدت كل حد و وقف دونها كل وصف و نعت إلا حراك الزمن تأخذ جميع الأشكال التي تحلو لها و حتى طالت بمنطق القوة التي اكتسبت:
- احتلال الأماكن العمومية من ساحات و أرصفة و ملتقيات و مفترقات طرق بلا تردد أو خوف،
- البيع نهارا جهارا للمواد الغذائية المنتهية الصلاحية و الأدوية المزورة و كل مغشوش من الصناعات الرديئة عند كل ركن غير مرخص في الأسواق و نواحيها،
- رمي القمامة و تكديسها في كل مكان و في منتصف الطرق و قارعاتها،
- قضاء بعض الحاجات عند عجلات السيارات و على جنبات المباني و في الساحات العامة،
- التدخل السافر بقوة المنطق العشائري – القبلي - العصاباتي- السياسوي في التعيينات الاعتباطية داخل الإدارات و المؤسسات العمومية و لحصول الصفقات الكبرى،
- التهور و الظلم و الاستبداد بقوة النفوذ بلا وازع ديني أو أخلاقي،
- تبييض الأموال دون توجس أو خوف من متابعة أو مساءلة أو عقاب،
- تشييد الإمارات بدون رخص أو قياسات هندسية،
- الدعوة الفجة و التكفير المجاني.
- قبول انتشار الجريمة على نطاق تتسع دائرته باضطراد،
- انتشار مظاهر التزلف و النفاق و الوشاية كأنماط عادية من الحراك الأدبي.
و العجيب الغريب أن البلد الذي يتسمى بالجمهورية الإسلامية لا يعير في منظومته الدينية و ترسانته الجزائية و مسطرته التعاملية مثل هذه الخروقات الأخلاقية و المدنية و الإنسانية أي اهتمام و كأن الاسم يكفي للتغطية عليها و تكذيب كل ادعاء على واقع معيش و اعتباره زيفا و كذبا و مساسا.. فالشعر و التراث يعجان بما يشبه ذر الرماد في العيون أو طلي الزغب فوق الجرب.