كلمة الإصلاح بالرغم من بعد إعلان الرئيس على الملأ بأنه سيكون رئيسا للفقراء في أول نجاحه منتخبا لرئاسة الجمهورية بصفة عامة، وبالرغم من عدم أي إشارة أثناء ما أنجز في رئاسته للجمهورية الإسلامية وهو كثير وكثير جدا ومتنوع كذلك إلا أنه خاليا تماما من أي خصوصية للفقراء فبالرغم من ذلك كله فإن كلمة الإصلاح لن تنسى تلك الحروف البيضاء التي ألقيت بذلك الصوت الشجي الخارج من القلب الداخل في قلب كل فقير وما أكثره وما أحوجه لكل شيء يقتات به، تلك الكلمة المفصلة التي لا يفهم منها أي معنى إلا أن على الفقراء أن ينتظروا حتى يتمكن السيد الرئيس من الرئاسة ويعرف مداخلها ومخارجها ويطأ بقدميه على جميع جوانبها ولا سيما المالية منها وما يمت إلى ذلك بصلة وهذا هو ما وقع بسرعة ولله الحمد في بداية مأموريته الأولى.
وبما أن تلك الكلمات عندها خصوصية لا تتشابه فيها مع أي خصوصية أخرى فإن كلمة الإصلاح لتبادر بالتذكير بتلك الكلمات وتود شرح تلك الخصوصيات التي لم يسجلها أي رئيس قبله وهي تدل بخصوصيتها إلى ما يلي:
أولا: هذه الكلمة الحاملة لهذه الرئاسة الخاصة بالفقراء لم ينطق بها أي رئيس قبله فلم يفرق أي رئيس في خطابه الأول بين الأغنياء والفقراء حتى بالوعد بذلك.
ثانيا: من المعروف أن التفات الغني والقوي ولو بالذكر على الفقراء يدل على ميزة إسلامية زرعها الله في قلب أي رئيس يهديه إلى تذكره بالنطق بها في ذلك الحين فعليه أن يحمد الله على توفيقه على ذلك التذكير.
ثالثا: من المعلوم أنه من تعاليم الإسلام أن الله تبارك وتعالى خص الفقراء بكثير من الرعاية والوصاية على الإحسان إليهم حتى أن المولى عز وجل ذكر في كتابه العزيز أنه سيعذب الكفار زيادة على كفرهم بعذاب خاص على عدم مراعاتهم لخصوصية الفقراء يقول تعالى: {وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون} ويقول تعالى: {ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين} ويقول تعالى: {كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحضون على طعام المسكين}الخ الآية أي عذابا بمجرد عدم الحض على طعام المسكين.
هذه معاملة المولى عز وجل للكافرين بشأن عدم اعتنائهم بمساعدة الفقراء فكيف سيعامل المسلمين الذين يؤمنون بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل على النبـيين من قبله فالمعروف أن من بين ما أنزل في شأن الفقراء قوله تعالى لرؤساء المسلمين: {وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه} فالحاكم في الدول الإسلامية بالرغم من نجاحه ظاهرة عن طريق انتخاب المواطنين له فهو خليفة عن الله حقيقة فالله يقول لآدم {إني جاعل في الأرض خليفة} الخ الآية كما قال تعالى لداوود الملك: {يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فأحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله}.
فهذه الخلافة وهذه الآيات التي تحض على إطعام المسكين تدل على أن عدم التحاض على هذا الإطعام تعذب البشرية كلها بسببه حتى ولو كانت تزيد على ذلك بالكفر بالله الواحد الأحد كما تقدم، فلأجل ذلك فإن تذكرة السيد الرئيس بكلمته الذهبية التي قال في شأن الفقراء بأنه سيكون رئيسا لهم يكون من أوجب الواجب على المواطن تذكيره بها.
فالمتتبع لأعمال السيد الرئيس في مأموريته الأولى وما فات من هذه المأمورية التي أوشكت على الانتهاء سوف نتذكر أنه بدأ بشيئين مهمين الأول هو وضع يده على أموال الدولة التي وجدها منهوبة نهبا طريقه مفتوحة أبوابها وهي مجرد التعيين على الوظيفة فمعنى ذلك أن هذه المؤسسة مهما كان دخلها من الإنتاج الداخلي أو المساعدة الخارجية حتى ولو كان منها السلف بالفائدة من الخارج فهي تعد ملكا خاصا لذلك المسؤول ولذويه وأصدقائه... الخ.
ولم تـقف هذه الفكرة غير المسؤولة إلا عندما رأوا أصحابها أنفسهم وراء القضبان لا يشاهدون إلا الزوار الحاملين لهم ما قل وزنه وثمنه وهكذا وقد أبلى في ذلك بلاءا حسنا، وهذه الخصلة قطعا من ما أعلنه أيام نجاحه في الرئاسة وهي اللحظة التي أعلن فيها أنه سيكون رئيسا للفقراء كما أعلن في تلك الخطبة أن موريتانيا غنية بمواردها الخاصة بها والتي كانت منهوبة من طرف من سبقوه للرئاسة، وتلك الأموال التي حصلت من أول حملة على الفساد لاشك أن الدولة صرفتها أو كثيرا منها في تشييد الطرق المعبدة في العاصمة بل وفي جميع عواصم ولايات الدولة وكذلك فإن الأموال التي تحصلت بعد ذلك عن متابعة الفساد واسترداد الأموال سواء الداخلي من تصرف الموظفين في الدولة مثل تأجير الدولة للعمارات حتى أصبح المفسدون يشيدون العمارات لتأجيرهم للدولة بأثمان غالية، وكذلك كثرة المؤتمرات داخل مؤسسات الدولة التي كان يذهب باسم تلك المؤتمرات كثيرا من مخصصات التسيير المرصودة للمصلحة العامة مع قلة فائدة تلك المؤتمرات إلى آخره.
ولكن جميع الحاصل من مردوديات ذلك الترشيد الذي من ورائه المراقبة الحازمة المرعبة للمفسدين فإن بعض ذلك ذهب لإنشاء مؤسسات أخرى مثل فتح الجامعات والمعاهد والمستوصفات بل والمستشفيات وباختصار فإن هذا الرئيس لم يخدم قبله أي رئيس موريتاني مخلصا كما خدم محمد بن عبد العزيز موريتانيا حيث خلقه الله عنده عزما وشجاعة وإقداما وتنفيذا يصلح للرئاسة من كل جانب داخليا وخارجيا، وتوقفت في أوصافه على القدرة الرئاسية عن وصفه بالإيمان الرئاسي لا لنقصان الإيمان العادي عندي فيه بل هو ولله الحمد من أمثل ضباط الجيش الموريتاني الذين خصهم الله من بين ضباط الجيوش العربية لأنهم علموا أن لا تناقض بين العمل بحقيقة الإيمان وخدمة الدولة بالمهنة العسكرية لأنها من أول المنصوص عليه صراحة من المسلم حيث أمر الله الدولة ككل بالاستعداد لحرب العدو أو لقتال الفئة الباغية من المسلمين إذا اقـتتل بعضهم مع بعض ولم يقبلا الصلح فيما بينهما فقال في الأولى {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} ومن المعلوم أن هذه الأشياء المذكورة كانت هي أقوى ما يعد للحرب والآن أصبح الأمر يتجه إلى القنابل الذرية والصواريخ العابرة للقارات، وأما الثانية فهي قوله تعالى {فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} الخ الآية.
فضباط موريتانيا ولله الحمد فهموا الجمع بين ذلك أما ضباط الدول العربية الآخرين فباعوا أعوذ بالعادل من عدله عمل دنياهم بعذاب آخرتهم ولا سيما المصريين والسوريين والعراقيين.
فلا شك أن الرئيس محمد بن عبد العزيز من أمثل ضباطنا الإسلاميين الفاهمين لعدم التناقض في الموضوع ولكن لم ننعته بعمق الوصف في ذلك لأن الله سيكتب على ما نكتب والإيمان محله القلب ولا يطلع على إخلاصه إلا الله تبارك وتعالى والرئيس يترأس في زمن مقنن تقنينا وضعيا وهو يعيش وسطه مع أنه لا يعنى امتثاله للوضعي أي شيء عند الله بدون إرجاع موقفه الصحيح لامتثال أوامر الله دون المحاباة لأي أحد أو دولة بخلاف أوامر الله.
وأعود لألخص أيضا وأقول أن رئاسة الرئيس محمد بن عبد العزيز لموريتانيا سوف لا يتبين لموريتانيا أنها كانت مثالية داخليا وخارجيا إلا عندما تنتهي هذه الرئاسة المرعية حق رعايتها، والاستثناء الوحيد عندي هو عنوان هذا المقال ألا وهو أن هذا الرئيس قال بلسان فصيح وبلغة واضحة أنه سيكون رئيس الفقراء ولا شك أنه هو والمواطنون يعرفون ما يطلق عليه هذا الوصف ولا سيما في موريتانيا.
فالشعب الموريتاني كان قبل هذه الأعوام التي يعيشها شعبا قنوعا لا يعول أحد منه إلا على نفسه وأولاده بصفة خجولة أما جميع الأقارب الآخرين فلا يعول منهم أحد على أحد إلا أن السؤال كان الدهر عقيما به في موريتانيا ولكنه مع الأسف انطلق ظهره في الولادة على جميع أشكال التسول وبجميع ألوانه وصغيره وكبيره بل إننا إذا كنا نلقب بمليون شاعر أصبحنا نلقب بمليوني متسول في الشوارع وفي المنازل والمساجد والمكاتب بل وكل مكان يمكن أن يجمع بين اثنين فواحد منهما سائل والآخر مسؤول، ومن الملفت للنظر أن هذه الظاهرة التي هي أكبر عيب توصف به الدول فنحن أصبحت عندنا مثل الصلاة في المساجد ومن المخجل أيضا أن مواطنينا بجميع أشكالهم أصبح مكان سكناهم المفضل هو ملتقي الطرق حيث يكون الأجنبي إجباريا عليه أن يتوقف عند الضوء الأحمر حتى يسمع بأذنيه الحالة الاجتماعية المزرية لمواطنينا ولو كانت كذبا أو مبالغ فيها ويشهد الجميع أن هذا طرأ لموريتانيا في زمن هذه الرئاسة.
ولا شك أن هذا الرئيس خاصة عنده من الإمكانيات من موارد الدولة ما يجمع بينه وبين شيئين يجب الجمع أخلاقيا بينهما: ألا وهما رؤية الفقراء لأي علامة ولو بسيطة يجعلونها دليلا لرئاسة الرئيس عليهم التي فهموها وانتظروها في المأمورية الأولى والآن أوشكت المأمورية الثانية أن تنتهي قبل أن تبدأ المأمورية الأولى لرئاسة الفقراء، والثانية أن ينشئ مؤسسة خاصة بالفقراء لا يرضى غير فقير أن ينتفع منها ولا يمكن لفقير يقوم بالسؤال أن يمتنع من الانتفاع منها ويترك السؤال في الشوارع لأن ربع الشعب أصبح سؤالا كله.
فمن المعلوم أن المواطن لا يمكنه أن يستفيد إلا بمؤسسة خاصة به فجميع المنجزات الكثيرة والكثيرة حقا والمتنوعة كما ذكرت سابقا لا ينتفع بها إلا الأغنياء أو أغنياء الدرجة الأولى والثانية والثالثة من الفقراء التي تتحرك للبحث عن الرزق.
فأول إنجاز للرئيس هو تعبيد الطرق وبعد ذلك شراء المعدات الغالية للمستشفيات وبعد ذلك إنشاء الجامعات والمراكز الطبية في أكثر المدن الموريتانية وكذلك إنشاء المقاطعات إنشاء من غير أصل مثل: الشامي وانبيكت لحواش الخ.
هذا كله لا يعلم به الفقراء إلا في الإذاعة ولا ينتفعون منه حتى أن خفض الأسعار الذي ينتفع به الفقراء تبعا لغيرهم لم تفكر الحكومة فيه مرة واحدة منذ أول رئاسة هذا الرئيس إلى الآن.
فعندما كان البنزين يزداد ثمنه فكان السعر يزداد على الفقراء وكان السعر يزداد كل شهر وعندما انخفض البنزين إلى الحضيض وكان الفقير يركب من الترحيل إلى العاصمة طلبا للرزق بمائة أوقية فاستقر السعر على أعلى ثمن له من البنزين وارتفعت التسعرة من مائة واحدة إلى أربعمائة من الضواحي إلى العاصمة.
والآن حان للفقراء أن ينادوا على رئيسهم من جديد في رأس مأموريته الأولى بالنسبة لهم ويقترحون عليه قبل نهاية مأموريته الرئاسية الثانية للدولة أن يبدأ مأمورية رئاسته الأولى للفقراء بأن يستدعى وزير الاقتصاد والمالية ويكلفه بالتفكير في إنشاء مؤسسة خاصة بالفقراء ويقدر لكل أسرة فقيرة خمس مائة أوقية فقط تمسك عليها رمق حياتها فكم من فقير مات في الأحياء من الجوع لم يعلم به إلا جيرانه.
فموت الفقير من الجوع يبدأ أولا بالمرض الذي هو السل ويبدأ تنهار قوته فظاهره كأنه مات بالمرض ولكنه مات من الجوع، وهذا المبلغ يضرب في 400 ألف فقير تقريبا ويفتح بهذا المبلغ مطعما لا يدخله إلا من يحمل بطلقة فقير من البلدية فيعطى فيه للفقير مجرد خبزة صغيرة ويكون إدامها ماء ما يطبخ من حبوب القطان الكثيرة.
فهذا المطعم سوف لا يدخله إلا من خاف على نفسه الموت من الجوع.
ومن جهة أخرى فإن الله أعطى لموريتانيا هذا البحر المليء من السمك فعلى الرئيس أن يكلف وزير الصيد بفتح ميناء للسمك خاص بالفقراء ويفتح لهذا الميناء أسواقا في الترحيل في كل أنحاء انواكشوط ويكون ثمنه مخفضا جدا ولا يشتري منه إلا من يحمل شهادة فقر، وكذلك يخفض سعر كمية خاصة من كلوريا تباع في أسواق الفقراء إلى آخر محاولة ضمان عدم الموت جوعا.
وكذلك يتحمل صندوق الضمان الاجتماعي دواء كل من أتى بوصفة طبية مع شهادة فقر تصدرها البلدية فكثير من الدول يعالج حياة فقرائه بهذه الوضعية.
وبناء على هذا يلزم كل متسول أن يذهب إلى هذه المؤسسات للأكل منها ويحرم عليه الوقوف في الشارع العام أو المساجد لأجل التسول.
السيد الرئيس إذا تداركتم هذه الأفعال الخيرية قبل انتهاء مأموريتكم وتركتم هذه الحسنات تكتب في سجلكم فقد تداركتم الخير الكثير الذي سيلاحقكم أجره في يوم البعث عندما يقول الله تبارك وتعالى {فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون} ويقول أيضا {وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين}.
وإن ذهبتم والحال على ما تركتم والفقراء يتذكرون فقط أنكم قلتم أنكم سوف تكونون رئيسهم فسوف تكونون وقفتم ضد بعض الأصوليين الذين قالوا إنه لا يمكن أن ينزل الله آية فيها حكم وينزل آية أخرى تنسخ حكمها قبل أن يعمل به ولو مرة واحدة لأن هذا يعد عبثا والعبث يستحيل على الله.
فأنتم إذا ذهبتم قبل أن تبينوا رئاستكم لفقير واحد فسوف تكونون مؤيدين للمذهب المرجوح.
ومن هنا أذكركم بأن عمل الخلفاء الراشدين كان موجها تحسسه الدائم لمعرفة الفقراء في المدينة وما يحتاجون إليه من الضروريات والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ".
وفي الأخير أسأل الله أن يعينكم على ما بقي من رئاستكم والحياة بعدها قائلا: {فلله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء}.