الأخبار (منت احميديت – الحوض الشرقي) – بملامح يطغى عليه الحزن، ووجه يخفي ألما لا تخطؤه عين رائيه، يتجول الطفل موسى واكي بين المتجمعين من سكان قرية "منت احميديت" التابعة لمقاطعة جكني بولاية الحوض الشرقي، في المكان المخصص لنقاش الشؤون العامة قرب مسجد القرية.
لا يتصرف واكي كما يتصرف نظراؤه من الأطفال، فهو لم يبش للسيارة القادمة للحي، والتي أبهجت الأطفال، كما لم يبتسم للكاميرا، كحال غيره، وإنما ظلت ملامحه على حال واحد، وفضل في أحايين كثيرة الاقتراب من كبار السن، والتجول في محيطهم دون لمس أحدهم بشكل مباشر.
قد لا تسمح سني الطفل موسى واكي له بالإحاطة بالأحداث المؤلمة التي واكبت ماضيه القصير بمنطق الزمن، المحمل بآلام ومآس متعددة، لكن مظهره العام وطريقة تعامله تقول إن حظا – قد يكون وافرا – من تأثير هذه الأحداث تسلل إلى نفسيته، وانعكس على تعامله وملامحه.
فَقَدَ الطفل موسى واكي ذي الأعوام الثلاثة أمه في وقت مبكر من حياته، ولم يكن رحيلها حدثا عاديا، وإنما غادرت الحياة وهو تحاول توفير السبب الأول للحياة لعائلتها، وهو مياه الشرب من بئر قريبة من القرية، في منطقة تشكل المياه فيها سلعة لا تقدر بثمن، أثناء استخراجها للماء سقطت في البئر وفارقت الحياة.
ترك الحدث المأساوي أثره في نفوس كل ساكنة الحي سوى الطفل الألصق به وهو موسى واكي فقد كان حينها صغيرا، لا يدري شيئا عن ما يجري حوله، ورغم عدم إحساسه بالحادث فقد كانت له بصمته على حياته، بدءا من البحث عن حاضنة بديلة، وليس انتهاء بفقد رعاية الأب الشاب الذي أصيب بصرع متلاحق، لا يغادره إلا ليعاود مجددا، لا يستبعد السكان أن يكون له علاقة بالحادث السابق.
سيدي محمد واكي والد الطفل موسى واكي في عقده الرابع من العمر، ورغم ذلك فهو عاجز عن حمل ابنه ذي الأعوام الثلاثة بسبب مرض الصرع الذي أصيب به، وذلك بعد أقل من عام من مغادرة زوجته ووالدة ابنه الحياة.
يقول سيدي محمد واكي إنه يود لو وجد من يساعده هو وابنه للعلاج من المرض الذي أقعده، ويتهدد حياة ابنه، ويحاول جاهدا رفع ابنه عن الأرض لضمه إلى صدره لكن قواه تخونه فيستسلم، منحنيا على الطفل الصغير.
يحاول سكان القرية الصغيرة الواقعة غير بعيد من الحدود المالية تعويض الطفل موسى واكي عن فقد الأم ومرض الأب، لكن جهودهم لا تحقق غايتها، إذ تعجز عن إخراج واكي من حالة شروده، أو انتزاع ابتسامة من شفيته.
تقول كافلة الطفل واكي إنه يشتكي من شيء ما، فهو يتوجع في بعض الأحيان، كما ظهر ورم على الجانب الأيمن من رقبته، معبرة عن أملها في أن تجد مساعدة لعرضه على الأطباء وعلاجه، فوضعها المادي لا يسمح لها بذلك.
واكي - كالمئات من أقرانه في القرية - لا يتوفر على أوراق ثبوتية موريتانية، رغم ميلاده لأب موريتاني، وعلى الأراضي الموريتانية، وتلك مشكلة تؤرق العديد من سكان القرى الحدودية، وتشكل حاجزا يحول بينهم وبين ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، والعمل في مناطق خارج أماكن سكنهم الأصلية.