إن المتتبع اليوم لحال شعوبنا يلاحظ تزايدا للخطاب العنصري والفئوي والدعوة للنزعات الانفصالية الأمر الذي جعلني أتساءل بعد أربعة عشر قرنا عن أسباب ودوافع وجودنا على هذه الرقعة من الأرض ؟ ،لقد كنا و - مازلنا – حملة مشعل رسالة الإسلام واللغة العربية إلى هذا الموطن الإفريقي القصي، بعد قدوم المرابطين ،فدخل أبناء إفريقيا الإسلام أرسالا على أيدي أجدادنا الأوائل من مبشرين وتجار ومجاهدين وقادة طرق صوفية بارزين،وكتاب وباحثين إسلاميين وتوطن الإسلام واللغة العربية إفريقيا ووجدا الرعاية و الحماية في أحضان أبناءها المخلصين لهذا الدين و اللغة التي نزل بها، وأصبحوا أكثر غيرة على هذا الدين – ربما – من بعض حملته الأصليين.
ولهذا السبب صرنا نحن الموريتانيين خاصة موضع تقدير و احترام من طرف الأفارقة باعتبارنا المعلمين و المرشدين الذين كانوا السبب في هدي أبناء هذه البلاد للدين الإسلامي الحنيف،وأصبحوا جزءا منا و أصبحنا جزءا منهم نتعايش في مكان واحد، ويتنقل بعضنا إلى بلاد الآخر في حرية وأمن، ونشأت بيننا المصالح المشتركة عبر العلاقات التجارية والمصاهرة والاستيطان هنا وهنالك،نستبشر بالقادم منهم ويستبشرون بالقادم منا ،كان ذلك قبل دخول الاستعمار بقرون و استمر الحال كذلك بعده.
لقد كنا من أول من انتبه إلى الأهمية الكبرى و المكانة الخاصة التي تحتلها إفريقيا في المنظور العالمي،حيث تعد ثاني أكبر قارات العالم من حيث المساحة وعدد السكان، إذ تبلغ مساحتها 30,2 مليون كيلو متر مربع وهو ما يساوي 20,4% من إجمالي مساحة اليابسة ،ويبلغ تعداد سكانها حوالي 1,2 مليار نسمة وهو ما يساوي 14,8% من سكان العالم موزعة إلى 54 دولة 12 منها عربية.
و رغم ما قام به المستعمر من محاولات للتأثير الديني والثقافي والاجتماعي على مستعمراته، حافظنا بامتياز على ديننا الإسلامي الحنيف و حافظنا كذلك على لغتنا وثقافتنا العربية وشيمنا وتقاليدنا الحميدة.
ومازلنا متمسكين بروابطنا التاريخية مع إفريقيا ومنفتحين ايجابيا لمجمل التطورات التي حدثت في حقبة الاستعمار وبعدها من أجل دعم وتوطيد ارتباطنا الأبدي بالقارة السمراء، فكنا عضوا مؤسسا فاعلا في جميع المنظمات و التجمعات الإفريقية، على سبيل المثال :
الاتحاد الإفريقي الملغاشي في حدود 1962 تقريبا
منظمة الوحدة الإفريقية 25/05/1963
منظمة استثمار نهر السنغال 1972/03/11
المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا 28/05/1975
اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان و الشعوب 02/11/1987
اللجنة المشتركة لمكافحة آثار الجفاف في الساحل 1998
الإتحاد الإفريقي 26/05/2001
مجموعة الخمس/الساحل للتنمية والأمن- G52014
ومع احتفاظنا على المستوى الإفريقي حافظنا على خصوصيتنا وانتماءنا الوطني،و استطعنا أن نرسم لأنفسنا خطا معتدلا في علاقاتنا مع الشمال والجنوب وفي حياتنا وسياستنا الوطنية الخاصة ومع أننا جزء من إفريقيا نعتز بها وتعتز بنا، فنحن كذلك جزء من الوطن العربي الكبير الذي يشكل - في نظري - مع القارة الإفريقية كتلة بشرية متكاملة اقتصاديا وسياسيا مما يتيح للطرفين فرصة كبرى للتنمية المشتركة والتطوير الاقتصادي التجاري والصناعي في مختلف المجالات الحيوية فالوطن العربي وإفريقيا يمتلكان كافة مقومات التقدم، الكوادر والطاقات البشرية والنفط والمعادن والثروات الزراعية والسمكية و الأجواء المناخية الملائمة (خصوصا الطاقة الشمسية) و الشواطيء والمياه. مما يتيح للجميع فرصا اكبر للتقدم والنمو، مع احتفاظ كل بلد بخصوصياته المميزة واحترام كل طرف للآخر والقضاء على جميع مظاهر الشقاق و مخلفات العبودية و الميز العنصري والفئوي والنزعات الانفصالية وبناء جو من الإئتلاف والتآخي والسلم الأهلي المفعم بالمودة و التعاون للأهداف المشتركة مما يقتضي بنا جميعا التعاون ومد الأيدي بعضنا للبعض وتوفير ظروف العمل والإقامة للجميع دون أي مساس بحقوق الآخرين.
ويعيش العرب وإخوانهم الأفارقة نفس الواقع، حيث أنه رغم الإمكانيات والموقع الجغرافي الإستراتيجي لا تزال شعوبهم تعاني من المرض والجوع والاضطهاد والحروب الأهلية والتشرد والهجرة السرية حيث تموت سنويا أعداد كبيرة منهم في الصحاري وغرقا في البحر الأبيض المتوسط وتمتنع الدول المستعمرة سابقا عن استقبالهم فهم محاصرون داخل وخارج أوطانهم وذلك أمام مسمع ومرأى من الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان رغم أنهم يتشدقون بالحقوق الإنسانية والدفاع عنها.
إننا اليوم نعيش في عصر التكتلات الكبرى ولا يستطيع أي بلد -مهما بلغت إمكاناته- أن يحقق بمفرده ما يطمح إليه أبناؤه بل إنه سيظل مفتقرا للشراكة المتعددة و التضامن مع غيره وفي هذا السياق نثمن توقيع بلادنا -مؤخرا- على اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية، كما نثمن التوجه الجديد المغربي التونسي المتمثل في مد الجسور مع إفريقيا للتعاون في مجالات النقل والتصنيع وتعبيد الطرق وتسهيل التبادل التجاري عبر شبكات الطرق والمواصلات البرية والبحرية والجوية ذلكم هو التوجه الصحيح الذي ينبغي لنا أن نتبناه جميعا ونهتدي بهداه، فعلينا أن نركز على إفريقيا ونعطى للتعامل معها أولوية تامة ونمد جسور التعاون معها من أجل تكوين كتلة عربية افريقية اقتصادية و سياسية وازنة على المستوى الدولي على غرار التكتلات القارية والإقليمية الكبرى كالاتحاد الأوروبي وغيره.
فالإمكانات البشرية والمادية متوفرة - كما أسلفنا – والذي ينقص إنما هو الإرادة السياسية، وبالإضافة إلى المصالح السياسية والاقتصادية المشتركة مع إفريقيا ،فهنالك بالدرجة الأولى رابطة الدين الإسلامي الحنيف الذي كان الأصل الأول الذي ربطنا بإفريقيا وربطها بنا.
وهذا ما تؤكده النسبة العالية للسكان المسلمين في هذه القارة حيث تبلغ 51% حسب المهندس احمد سلامة في كتابه "إفريقيا قارة الإسلام" وتفيد تقديرات بعض الباحثين أن هذه النسبة تتزايد باستمرار إذ تقدر بحوالي 53% في الوقت الحاضر وربما أكثر،وحيثما وصل الإسلام تصل لغته التي نزل بها ، ومن واجب على العرب – حكومات وأحزاب سياسية وهيئات مجتمع مدني ونقابات وعلماء ورجال أعمال- مد يد العون والمساعدة لإخوتنا الأفارقة، وسيبقى الإسلام واللغة العربية أهم عوامل الوحدة و التكامل بين جميع سكان هذه القارة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها.
إننا اليوم نشاهد مدا متزايدا لحركة التعريب في إفريقيا وانتشارا مطردا للمدارس العربية في جهات القارة الأربع على أيدي شيوخ الطرق الصوفية والدعاة الإسلاميين والمثقفين البارزين الذين يرون في اللغة العربية سبيلا لازدهارهم السياسي والثقافي و لا ننسى من جانب آخر أن إفريقيا ظلت – ولم تزل – تقف إلى جانب قضايانا المركزية المصيرية خصوصا القضية الفلسطينية.
بقي أن نختتم إلى أننا اليوم في حاجة إلى أن نعير اهتماما خاصا لبعض قضايانا الداخلية الملحة ونطالب السلطات المختصة بإيجاد حلول عاجلة لها فسنوات الجفاف المتتابعة أتت على الأخضر واليابس وقضت على المواشي المصدر الأول الذي يعيش عليه نسبة 80% من المواطنين وتقلصت الزراعة المطرية في كثير من المناطق وأصبحنا على حافة مجاعة كبرى لا ندري ماذا ستكون عواقبها ولا بد لتلافي هذا الوضع من إيجاد حلول عاجلة تتمثل بالأساس في توفير الأعلاف بكميات معتبرة وبأسعار معقولة لمساعدة ملاك الحيوانات والمنمين وتشجيع الزراعة المروية وتوفير المواد الغذائية الضرورية وجعلها في متناول الجميع خاصة السمك الذي من الضروري توفيره في جميع الولايات والمقاطعات والبلديات والتجمعات السكنية وذلك عن طريق إنشاء مراكز تجارية دائمة مخصصة لهذا الغرض فليس من المعقول أن نكون الدولة الأولى التي تصدره إلى العالم وشعبها لا يستفيد منه غذائيا، والحد من الارتفاع المذهل للأسعار،وتوسيع دائرة الغطاء الصحي وتوفير المواد الصيدلية الجيدة ،وإيجاد مراكز عمل للشباب العاطلين والحد من هجرة الشباب و القاصرين إلى الخارج والعمل مستقبلا على تحقيق التوازن الاقتصادي والمعيشي بين مختلف المناطق من خلال سياسة لا مركزية مدروسة وفعالة.
و هذه كلها أمور ضرورية لتحقيق الحد الأدنى من العدالة والمساواة بين مختلف فئات المجتمع من شأنها أن تنمى جو وروح الوحدة و الوئام الضرورية لتحقيق التقدم و الاستقرار والسلم الاجتماعي الذي نطمح له داخل وطننا موريتانيا.
والله الموفق