على مدار الساعة

نواكشوط: ميلاد عاصمة موريتانيا

17 يناير, 2017 - 14:45

لم تعرف قبل الإعلان عنها عاصمة للجمهورية الإسلامية الموريتانية نهاية الخمسينيات من القرن الماضي حين عقد بها اجتماع لأول حكومة موريتانية في ظل الاستعمار في خيمة مفتوحة يوم 12 من يوليو 1957 قبل أن يصدر قرار من قبل وزير المستعمرات الفرنسية بنقل العاصمة من "سانلوي" السنغالية إلى نواكشوط يوم24 يوليو 1957 لتكون عاصمة للإقليم الموريتاني ثم تم وضع حجر الأساس لهذه المدينة الوليدة في 05 مارس 1958م لتنتقل من مجرد قرية صغيرة في الريف الموريتاني تقطنها بعض القبائل الموريتانية إلى أهم المدن الموريتانية و أكبرها على الإطلاق وعاصمة لدولة الاستقلال

 

الموقع والسكان

تقع نواكشوط في أقصى غرب موريتانيا وعلى شواطئ المحيط الأطلسي و بين خطي طول 15.9 و عرض 18.08 و ترتبط بأغلب المدن الموريتانية بشبكة من الطرق البرية أهمها طريق الأمل الذي يربطها بمدينة النعمة عاصمة ولاية الحوض (محافظة) الشرقي في أقصى الشرق الموريتاني و يمر على أكثر من ثماني مدن رئيسية: (واد الناقة..بوتلميت - ألاك – مكطع لحجار- كرو - كيفه- الطينطان – لعيون - تمبدغة ) في البلاد على طول أكثر 1200 كلم، وطريق أطار الذي يربطها بولايتي "إينشيري" و "آدرار" وطريق نواذيبو الذي يربطها بالعاصمة الاقتصادية، هذا فضلا عن طريق – بوكي- كيهيدي - سيلبابي الذي يربطها بمدن الجنوب الشرق وطريق لكوارب الذي يربطها بمدينة روصو عاصمة ولاية(محافظة) ترارزة في الجنوب.

 

 

 

و يبلغ عدد سكانها أكثر من مليون نسمة (وهو ما يقارب نحو ثلث سكان البلاد )وتتوزع إداريا إلى تسع مقاطعات : هي "تفرغ زينة" الأحدث بين المقاطعات و تقنطها الطبقة الارستقراطية من كبار التجار و رجال الدولة و النفوذ و"عرفات" الأكثر كثافة سكانية وتوجد بها محطة الكهرباء الرئيسبة ، و "لكصر" الأقدم من بين جميع المقاطعات و بها يوجد مسجد الإمام بداه و محظرته ويتبعها إداريا القصر الرئاسي ومعظم المباني الحكومية و "السبخة" و "الميناء" القريبتين من الشواطئ و "تيارت" و "دار النعيم" و "توجنين"و " الرياض " في الشرق و الشمال والجنوب الشرقي.

جدل الهوية

لم تكن "نواكشوط" ترتبط في السابق بأي قيمة حضارية أو ثقافية في الوجدان الشعبي الموريتاني على خلاف العديد من المدن التاريخية الأخرى مثل "شنقيط" في الشمال و "ولاتة" في الشرق وهو ما جعل الجدل بشأن اختيارها عاصمة للجمهورية الإسلامية لا يتوقف، إذ يعتبره كثيرون مؤامرة فرنسية لمنع ارتباط الدولة الحديثة بأي قيمة تاريخية للمجتمع الموريتاني علما أن الرئيس المختار ولد داداه (أول رئيس لموريتانيا) يقول بأن اختيار نواكشوط كعاصمة كان موفقا لكونها تقع قرب الرباط الذي أقامه مؤسسو دولة المرابطين قبل أكثر من ثمانية قرون (على خلاف بين المؤرخين في الموقع).

 

لكن نواكشوط حظيت بعد ذلك بقيمة ثقافية سامية لارتباط ذكرها بعد نشأتها بعالمها المجاهد المرابط بداه ولد البوصيري رحمه (توفي 2009) الذي يعتبر أحد الآباء المؤسسين للعاصمة وظل لسنين طويلة فيها مفتيا للجمهورية وكانت محظرته (مدرسة تقليدية) في حي "لكصر " محط أنظار طلاب من موريتانيا وخارجها وتخرج على يديه جيل كثير من أبناء موريتانيا.

 

استقطاب السكان

أدى الجفاف الذي ضرب البلاد في سبعينيات القرن العشرين إلى تدفق مئات الأسر باتجاه العاصمة الوليدة وهو ما ضاعف بشكل كبير وسريع أعداد السكان وشكل عبئا على السلطات و أدى في النهاية إلى انتشار الأحياء العشوائية و أحياء الصفيح في أطراف المدينة وتسبب في انتشار الفقر وانعدام البنية التحتية في أكثر من نصف العاصمة وضعف كبير في توفير الخدمات الأساسية الضرورية.

 

احتكار الدولة

ومع مرور الوقت باتت العاصمة نواكشوط تتوفر على مركز تجاري هام و على ميناء بحري تعتمد عليه في استقبال السفن الكبيرة بني على أيدي الصينين مطلع الثمانينات من القرن الماضي فضلا عن الجامعة الوحيدة في البلاد التي أنشئت 1981م كما يوجد بها المطار الدولي الوحيد في الدولة و بها توجد مختلف الوزارات والمصالح الحكومية والبعثات الدبلوماسية ما جعلها تحتكر شبه عموم المنشآت و المصالح الإدارية والاقتصادية و المستشفيات الكبيرة في البلد عن مختلف المدن الموريتانية الأخرى ولم تفلح مع هذا الواقع محاولات تطبيق اللامركزية الذي تبنته العديد من الحكومات المتعاقبة، ومن أهم معالمها مسجد المدينة المنورة(السعودي) ومسجد (المغرب) وقصر الجمهورية ذي اللون الرمادي وقصر المؤتمرات الذي يستقبل المؤتمرات والملتقيات الدولية وسوق العاصمة (كبتال) *وشهدت السنوات الأولى من العشرية الثانية من القرن الحالي وضع حجر الأساس لمدينة ساحلية في نواكشوط تحمل اسم "رباط البحر".

 

في مواجهة أخطار بيئية

غير أن الجدل الذي علا بشان الهوية ليس المأخذ الوحيد على اختيار العاصمة فقد اعتبر اختيار نواكشوط على شواطئ المحيط خطرا محدقا في المستقبل على الحياة في العاصمة حيث تقع في وجه تهديد جدي بالغرق إذا ما ارتفع منسوب البحر وهو أمر يعزز من احتمال حدوثه ظاهرة الاحتباس الحراري إذ يقع أكثر من 50% من أحياء العاصمة تحت مستوى البحر ارتفاع سطح البحر.

 

على أن خطر الغرق ليس الوحيد إذ تواجه المناطق الشرقية والشمالية من العاصمة تهديدا آخر لا يقل خطورة وهو زحف الرمال الذي لم تنجح سياسات الحكومات المتعاقبة في وقفه حتى الآن وبات يهدد العديد من الأحياء والمنشآت علاوة على الفوضى المعمارية وانعدام المساحات العمومية والساحات الخضراء التي تمثل متنفسا للمدن الكبيرة .