كلمة الإصلاح ـ لإدراكها جيدا ـ وأحمد الله وأشكره على ذلك الإدراك أن كل ما جاء في القرآن حقيقة واقعية ستجدها كل نفس وفق ما جاء في القرآن ـ بالكم والكيف ـ ووجود هذه الحقيقة أمام كل نفس ما زالت حية قد تكون بعد لحظة أو ساعة أو يوم وعلى كل حال فكل شخص ملاقيها فورا بعد موته.
وهذه الحقيقة الواقعية منها أن جميع ما يلفظ الشخص من حرف وبأي لغة سوف يكتب بلفظه الذي خرج به من لسانه وبالنبرة الممثلة للقول خيرا أو شرا أو مقصدا، ونفس الشيء بالنسبة لفعله كما وكيفا أيضا وكذلك نفس الشيء لخطرات القلب، وهذا الشخص سواء كان ذكرا أو أنثى كبيرا أو صغيرا إلى آخر جميع الوضعية التي يكون فيها الإنسان.
والدليل على ذلك أكثر في القرآن من أن يستشهد به، ومنه قوله تعالى {وما تكون في شأن وما تتـلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه} الخ الآية وقوله تعالى {وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون}، ومن أصعب ما يلقى المسلم بعد موته تجاهله لهذه الحقائق وهو حي ويتمادى على ذلك حتى يأتيه اليقين.
ولا شك أن التحزب على التعاون على الخير مطلوب إسلاميا لأن اللفظ وهو التحزب جاء مصرحا به في القرآن ولكنه جاء في القرآن مضافا إلى الله وذلك في قوله تعالى {ألا إن حزب الله هم المفلحون} وهذه الإضافة هي التي جاء فحواها في قوله تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}، ومن ما يفزع المسلم أن الله قسم الأحزاب إلى قسمين فقط أضاف إليه أحدهما وأضاف الآخر إلى الشيطان وقال إنه من الخاسرين.
وهذا التعاون المأمور به هنا لا يكون مطابقا للطريق المستقيم الموضح أشكاله في القرآن ومبينا بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم أحسن تبيين إلا إذا كان تفكيره يتماشى مع ذلك الطريق المستقيم كما هو لأن ما جاءت به الديمقراطيات من تنظيم لأحزابها يجب أن يعرضه المسلم المتحزب على الإسلام فإن كان موافقا له فلا عبرة بالمسميات الديمقراطية من موالاة ومعارضة وما يترتب على ذلك ديمقراطيا لكن التحزب لا يبيح للموالاة أن تسكت على باطل وأن تمدح رؤساءها بما لم يفعلوا لأن هذه الفعلة هي التي نص القرآن على اعوجاجها في قوله تعالى {لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب} إلى آخر الآية المادح والممدوح.
فأغلب الموالاة لا يلاحظون في تدخلاتهم أن المدح شهادة وسوف يسألون عنها وأن الذم شهادة كذلك وسوف يسأل عنها الجميع ونفس الملاحظات تتوجه إلى المعارضة ذات العقيدة الإسلامية، وهذا يعنى أنه موجه إلى جميع الأحزاب الموريتانية والمعارضة لأنها كلها عقيدتها إسلامية، وبذلك يكون وصف كل حزب بأن مرجعيته إسلامية يعود معناها إلى أن عقيدته إسلامية فينتج عن هذا أن جميع الأحزاب في موريتانيا مرجعيتها إسلامية إذا كانت المرجعية تفسر بالعقيدة الإسلامية لأن الأحزاب التي تؤمن بالسلوك الإسلامي الديمقراطي في الدولة تكون مرجعيتها تخرج من مشكاة واحدة وهي الديمقراطية ولا توجد خصوصية في الأشخاص.
فالمرجعية الإسلامية التي يمكن أن يعرف بها حزب نفسه تعنى عدة مسائل منها: معاملة أصحاب الجرائم طبقا لما أمر الإسلام به في شأنهم من تنفيذ حدود الله على عباد الله فوق أرض الله وهذه المسألة لا تعنى إلا سلطان الدولة، أما جميع الأحزاب الأخرى فالذي يعنيهم هو نصح السلطان بتطبيق أحكام الله على عباد الله، ومن المسائل التي تحدد مرجعية الحزب الإسلامية هي أن يكون أي خلاف بين الحزب نفسه أو بينه وبين الأحزاب الأخرى أو الحكومة أن يرد هذا الحزب الخلاف إلى المرجعية الإسلامية المنصوصة في الشرع دون النظر إلى الحل الذي وضعته الديمقراطية إذا كانت تخالف الشريعة الإسلامية، ومن دلالة مرجعية الحزب أن لا يشترك مع أي حزب آخر في عمل لا يأمر به الإسلام ولا سيما إذا كان بدله واضحا في الإسلام فإن لم توجد هذه المسائل في الحزب فعقيدته إسلامية دون مرجعيته أما المرجعية الإسلامية التي يقوم بها الفرد في خاصة نفسه فذلك العمل الخاص لا تحسب مرجعيته الإسلامية على الحزب حتى ولو كان العامل له رئيس الحزب أو نوابه أو مجلسه الشورى، إذا وقع انفراديا فالعمل الجماعي في الإسلام معروف ومحدد وهو الذي ينطبق عليه قوله تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} وقوله تعالى {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} وجميع الديمقراطيات والقوانين والعادات والتقاليد والاتفاقيات لا تغير شيئا من مضمون هذه الآيات ولا تجعل عمل الفرد في ميزان أفراد الجماعة ولا عمل الجماعة في ميزان الفرد إلا إذا كان من ضمنها أو مساعد في العمل بأي وجه من وجوه المساعدة فقوله تعالى {ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد} هو الميزان الثابت الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وبناء على هذه الحقيقة الواضحة فإني أظن أن على كل حزب عقيدته إسلامية أن يتفاعل في عمله الديمقراطي مع التعاليم الإسلامية التي هي أكثر ديمقراطية من محدثات الديمقراطية المقننة في النظام الداخلي للأحزاب.
ونظرا إلى ما تقدم في فحوى الأسطر أعلاه فإني أود أن أناقش مع كل مسلم يعتقد أنه معتنق حقا للعقيدة الإسلامية لأطرح عليه هذا السؤال وهو ما معنى كلمة الإسلام السياسي عند من يعتقد معناها، فإذا كان معناها عنده أن كل من يحاول مواءمة قوله وفعله وتفكيره في تسيير الدولة بما يتماشى مع ما يأمره به الإسلام فهذا واجب على كل مسلم يدعى أن عقيدته إسلامية فإن لم تكن عقيدته تشمل مطالبته بمواءمة جميع أقواله وأفعاله وتفكيره للإسلام فعليه أن يبين مصدره لهذه العقيدة المبتورة من الإسلام، فالله يقول لمن طفف الميزان إذا باع لغيره يقول لفاعل ذلك {ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين} فهذا يقال له الإسلام الاقتصادي ويقول الإسلام في شأن المحافظة على الأمن: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتـقم طائفة منهم معك ولياخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم} الخ الآية وهذا الإسلام الدفاعي والأمر بأخذ الحيطة مراعاة للأمن ساعة القتال.
وهناك الإسلام الاجتماعي {يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا} الخ الآية ومن ذلك قوله تعالى {يأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب} الخ الآية، كما أنه من خصوصية الشؤون الاجتماعية {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم}.
وكذلك الإسلام الثقافي {اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم} {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} ومنه قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ومنه الإغراء على التعلم {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون} إلى آخر ما في القرآن من ألفاظ الإسلام الثقافي فماذا بقي إذن من الحياة التي يمارسها الإنسان أي إنسان في حياته خارج عن تعاليم الإسلام حتى ينحصر إسلامه في العمل السياسي.
فنحن نقرأ في القرآن أن الله خلق بعضا من الإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها وبديهي أن عدم الفقه بهذه العقول وعدم الإبصار بهذه الأبصار الخ ليس معناه إلا عدم الانتفاع بهذه الآلات لما خلقت له في الإنسان من إدراك لما وراء انتفاعهم بها في الدنيا لأن ذلك مشاهد انتفاعهم به فعلمنا أن المراد عدم انتفاعهم بما وراء ذلك من الحقائق التي تدرك بهذه الآلات لمن ألفى السمع وهو شهيد.
وعليه فإني أجدد لكل مسلم يتلفظ بكلمة الإسلام السياسي ويعتبر مفهوم اللقب لهذه الكلمة أن يبين لنا أي تحرك للإنسان أي إنسان لا يضاف إلى الإسلام إما إيجابا أو سلبا وسوف يناقش معه أمام الله طبقا لما جاء في الحديث المتفق عليه: "لا تزال قدما عبد حتى يسأل عن أربع: عن شبابه فيم أبلاه وعن عمره فيم أفناه وعن علمه ماذا عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه"، فماذا بقي من حياة الإنسان مستثنى لا يسأل عنه أمام الله؟ حتى يعرف بالإسلام السياسي.
وملخص هذا المقال ما يلي:
أولا: هو أن كلمة التحزب أو الانخراط في أي حزب وكلمة الديمقراطية والسير في طريق الديمقراطية كل ذلك لا تناقض فيه مع الإسلام إذا كان يتماشى مع أوامر الإسلام ونفذ بنية امتثال أوامر الإسلام إذا توافق معها.
لأن المسميات والاصطلاحات لا عبرة لها فالله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم.
ثانيا: أن قول بعض الأحزاب إن مرجعيته إسلامية لا تجعل عمله إسلاميا إلا إذا كان جميع أقواله وأفعاله وتفكيره يتماشى مع ما أمر به الإسلام كالحب في الله والبغض في الله الخ.
فامتثال الأوامر الديمقراطية دون عرضها على الإسلام لا تغير من الواقع شيئا، ومعنى ذلك أن جميع الأحزاب الموريتانية بما أن عقيدتها إسلامية ينطبق عليها أن عقيدتها إسلامية ولا ينطبق عليها أن مرجعيتها إسلامية إلا إذا كانت ترجع في جميع حياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلى ما جاء في الإسلام.
ثالثا: كل مسلم ينطق بكلمة الإسلام السياسي ومعناها عنده أن هناك عملا يضاف للإسلام وعمل في حياة الإنسان لا يعنى الإسلام فعليه أن يبين الدليل على ذلك أو يتوب من تلك الفكرة المبتورة عن الإسلام ويتوجه إليها سؤال الله الذي خاطب به أمثاله {أفـتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض} إلى آخر الآية.