كلمة الإصلاح دائما تقتصر في كتابتها أيام رمضان المبارك على الإشادة أو توضيح أو إظهار المكانة العظيمة من الأجر التي أودعها الله في الإنفاق في سبيله على الفقراء والمساكين ولا سيما إذا كان هذا الإنفاق واقعا في شهر رمضان المعظم.
وعليه فسوف أكتب حلقات في الموضوع نرجو من الله أجرها.
ومن هنا أبدأ بما جاء في الحديث الصحيح الذي يشيد بما كان يقوم به النبي صلي الله عليه وسلم من الإنفاق في شهر رمضان بالذات والذي كان يهيجه ويشرحه تدارس جبريل مع النبي صلي الله عليه وسلم للقرآن أيام رمضان، فقد جاء في الحديث: "كان رسول الله صلي الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلي الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة".
إن هذا الجود الذي هو السجية الثابتة في سلوك النبي صلي الله عليه وسلم كان يكثر ويشتد حين يستمع النبي صلي الله عليه وسلم للقرآن من جبريل، ومعروف أن النبي صلي الله عليه وسلم كان وقافا عندما يأمر به القرآن فذلك خلقه كما وصفه بذلك أقرب الناس إلى ملاحظة حياته اليومية وهي أمنا عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما عند ما سئلت عن خلقه فأجملت الجواب في إحالة السائل إلى كل ما جاء في القرءان فهو كان يمتثله أمرا أمرا ونهيا ونهيا، ولذلك علينا أن نتوجه إلى القرآن لننظر أو نستمع إلى ما جاء فيه من خصوصية فضل الإنفاق في سبيل الله على الفقراء والمساكين وفعل الخير بصفة عامة كما قال تعالى: {وما تفعلوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون} لندرك بذلك مغزى خصوصية شدة جود النبي صلي الله عليه وسلم بعد سماعه للقرآن، فعندما نعود للقرآن نرى أن الله تبارك وتعالي خص فضيلة الإنفاق في سبيل الله بخصائص لم يخص بها أي فضيلة أخرى حتى ولو كانت فريضة من أركان الإسلام، ولذا سوف نبدأ من خاصية الحث على القيام بهذا الإنفاق فهو الفضيلة الوحيدة التي جاء في القرآن ذكر العذاب في الآخرة لمن لم يقم بالحث علي هذا الإنفاق حتى ولو كان المعذب كافرا يقول تعالى: {أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدعّ اليتيم ولا يحض على طعام المسكين} وفي آية أخري: {كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحضون على طعام المسكين} ويقول تعالى: {وويل للمشركين الذين لا يوتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون}، ومن خصائص الإنفاق أيضا أن من حضره الموت وعاين ما سيلقاه من التفريط في جنب الله تعالى يطلب الرجوع إلى الدنيا ولكن لشدة ما نظر إليه ينتظره من العذاب على عدم الإنفاق والتصدق على مستحق الصدقة يقتصر طلبه في الرجوع إلى الدنيا لكي يتصدق وليكون بتلك الصدقة من الصالحين يقول تعالى: {وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن ياتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين} ومن خصائص الإنفاق أيضا أنه هو الفضيلة الوحيدة التي أشاد القرءان بعلانيتها وسريتها فعندما ذكر أن علانيتها يستحق صاحبها أعلي كلمة مدح تقولها العرب لفاعل ما يحمد عليه وهي "نِعم"، ذكر أن فاعل سرية الإنفاق خير من المستحق في المدح بكلمة "نعم" يقول تعالى: {إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتوتوها الفقراء فهو خير لكم ونكفر عنكم سيئاتكم والله بما تعملون خبير} وهذا المعني وهو الإنفاق في السر والعلانية هو الذي تكررت عباراته في القرءان مثل تكرر طلب التسبيح بالعشي والإبكار، يقول تعالى: {والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار} وفي آية أخرى: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} وذكر هذه الخاصية المتعلقة بالإنفاق وهي سريته مع الإشادة بعلانيته كما تقدم فإن فاعل سرية الإنفاق هو الذي جاء معدودا مع الجالسين في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله في قوله صلي الله عليه وسلم: "سبعة يظلهم الله بعرشه يوم لا ظل إلا ظله" وعد من بينهم "رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله".
ومن هنا أختم هذه الحلقة الأولى من الحض على الإنفاق بهذه الكلمات المتتابعة هكذا من قول الله تعالى: {وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون} صدق الله العظيم.