محمد بن عبد العزيز... اسم عزمت أن لا أدون حوله منذ عشر سنوات تزيد ثلاثا.. ذلك أني اعتقدت وأنا مصيب في ذلك أن إنساننا العادي أحق بالنصح وأمكن في الثأثير اعتقدت ذلك يومها وأنا أبصر انهيار الحزب الجمهوري وانكشاف عاصفة الانهيار عن أسماء بدلت لأساليب وتصرفات رست ومضامين أرسى وعلاقات أثبت فهمت أن الاستفادة أحرص على صاحبها من أن يتركها لعاصفة ليل.
انكشف المشهد عن ناخبين أذكر منهم الشاعر المتملق والمثقف المداهن، والعلمي العصامي الراكع والفقيه المخادع، ومستوردي البضائع الرديئة والأدوية المزورة والمنتهية الصلاحية.. يقدمهم بعض المشيخة وحملة الرتب العسكرية السامية وفتيات جهل يحكمن وكان مشهد خزي امتحانات المعهد العالي والجامعة و من هم على قنطرة الثانوية.. أنكى وآلم وأشد إلجاما لي أن أفكر في أمر السلطة.. ثم جاءت الطامة الكبرى مع الانتخابات الموالية: تزكية الصالحين لأركان الفساد، واصطفافهم إلى جنبهم، لقاء ناخبيهم ولما تعلم لهم توبة.
لكني هذا اليوم الرابع من العشر الأواخر من رمضان وجدتني في بين يراعة ومهرق بعد أن سمعت خبرين انتشرا في النت أولها ختام مسك لقانون يأمر بإنشاء لجنة شرعية لمطابقة عمليات المصرف المركزي لضوابط الشريعة الإسلامية بتوجيه من الرئيس والثاني رد من الرئيس على جراح نقل له مقدار الحرج في مشاهدة مصاب ينزف عرقوبه: "أمتلك العلم والفن اللازمين لإنقاذه.. بيد أن قفازا ومشبكا وإبرا وطهورا وسلكا مناسبا لا تتوفر لي في الحالات المستعجلة فيجيب الرئيس"ادفعها من جيبك"..
بُعْدَ ما بين الكلمتين "اتقوا الله" في وجه أعتى القلاع المستعلية على أوامر الله في هذا البلد، في وجه واحد من آخر جيوب الكفر و"الكلمة الأخرى "ادفعها من جيبك" في وجه العلم والفن والصبر وفعل الخيرات.. للأولى أخوات منها قطع العلاقات مع إخوان القردة والخنازير، وإعلان رفض علمنة الدولة، وتصريح السياحة الموفق ومرفق معالجة مرضى السرطان... ومشروع المحظرة الرائد وللثانية أخوات: إرهاق الأمة بالمكوس، وعزل الصالحين وتسييب الموازين، وتخوض في مال الله بغير حق، وإقطاع الغني قبل استغناء الفقير.
إن كان قالها الرئيس"ادفعها من جيبك" فقد ساءت كلمة تخرج من فم من تجبى إليه ثمرات مرابط النعمة والزويرات وبائعو الخضار والماء في سيزييم وملح وكل الحوانيت وكل المستوردات والأجانب دون أن أذكر اسنيم وتازيازت وكل حاويات الميناء فضلا عن القروض الخارجية بأرقامها الصدمة وهدايا الدول ومساعدات الأشقاء وثمن المخالفات والموافقات.
كلمتان تشداني إليها وبقوة وحُق لهما ذلك فقد ثأرت لي الكلمة الأولى من يأس شيوخي الأوَل "الإمامين بداه البوصيري ونافع ول حبيب" رضي الله عنهما وأدخلهما في الصالحين بما ترجما لي بقوة قول الله عز وجل عن قانون الإسلام "ومهيمنا عليه"، ورزأتني الكلمة الثانية في نبلاء أهل فن وغياث رقبت باكورة علمهم وفنهم تزهر رغم شظف عيش وقطع مؤونة بين أحضان "أنتا ديوب" ودروب إفريقية وسوسة وتشردا في الدار البيضاء و"صردنة" في الرباط وغربة في باريز وشتاتا في عمان ودمشق.
بدأت سيطرة الملف الأول علي مع دخولي المحظرة قبل نحو ثلاثين سنة 1410 حين سد قول فقهاء يومئذ الباب في وجه أماني أسلمة "السلطة والمال والإعلام" ضربة لازب. وبدأ يسيطر الملف الصحي علي بعد أكثر من عشر سنوات حين كلفت أن أنجز تحقيقا صحفيا عن مشكل الصحة في موريتانيا في شهر كان اعتذاري عن الإكمال بسبب تعدد المسؤولين. وكنت أفكر في تمديد شهر وزيارة مستشفى ومستوصف ومقابلة طبيبين، أغلقت الصحيفة وحملت معي الصحف فإذا بي في غمرة أعقد ملف وأعماه.
"مريض يقرر وقريب يراوغ وسائح يتمارض ووزارة تتقاعس وطبيب أرهق نفسه بكثرة المستقبَلين ورنين الهاتف والتسارع للفتوى، وأدوية تخير لها أدنى كمية من مادة الدواء، ثم حفظت بين لفح وندى فضلا عن مهرة أطباء أكفاء يعطيهم قيمهم جهلةٌ وعجائز ومستنفعون ويشرف على تنفيذ مساطر دوائهم أشباه أميين ويرفع ذكرهم هجو الرئيس أو مدحه فضلا عن انعدام المختبرات والتحاليل في شعب يستسهل أمر البضائع الرديئة والمستعملة وفقهاء لم يفقهوا بعدُ شيئا".
ومنذ ذلك اليوم وأنا أزيد في تلك الدراسة وأنقص فيتكشف لي من خبايا زواياها المعتمة ما يهول، طفت مستشفيات وأطباء نواكشوط وروصو ونواذيب والطينطان ولعيون وتونس والمغرب والسعودية وجل مستشفيات السنغال.. إلخ ودور المرضي المجانية في الدار البيضاء وأخواتها في دكار افاس ومدينة وحي التحرير في مشاهد صادمة مزعجة.. في أكثر من ألف مقابلة منها العفوي التلقائي والمرتب المزور.
إن إعمال الطبيب والمريض والوزارة للمسطرة الاستشفائية الصحيحة شرط في الصحة كما أن إسلام المصرف المركزي شرط في إسلام المصارف التي تحبوا على طريق الأسلمة وإقامة للحجة على من لم يذعن لله وقد آن للمصارف المذعنة لأمر الله أن تنقذ الناس بمعاملاتها الميسرة ومضارباتها المبصرة وقرضها الحسن، من فوضى بعض أهل "نقطة ساخنة" المرهقين الجاهلين ومرابحتهم العائدة على الأصل بالبطلان.
إن استسلام المصرف المركزي لحكم الله وخضوعه لقوله هو ما يهمنا وإن لم يكن ذلك مستلزما صحة كل عقد وابتعاده عن الربوا في كل معاملة.. كما لا يستلزم إعمال الطبيب للمسطرة الصحية التي نطالبه بها شفاء مريضه. لكن يهمنا أن يستوفي الطبيب شروط الاستقبال يهمني أن يكتب اسم المريض من بطاقة تعريفه – التي هي إحدى أهم المشاريع المنجزة – ثم يفتح ملفا صحيا برقم وعنوان ثم يغلق هاتفه ويستمكن في جلسته ويسمع ثم لا يعجله شيء عن مسطرته الاستشفائية ويتشدد في شروط مساعديه.. إن في المستشفى أو في العيادات الخاصة..
وأخيرا .. إن على لجنة خطؤها رسم بإعلان حرب الله ورسوله وعلى أطباء خطؤهم إعدام نفس كأنما قتل خطؤهم الناس جميعا أن يشدوا أحزمتهم ولا يضيعوا أنفسهم وأن يأخذوها بقوة.