على مدار الساعة

حضور الأعياد في كنانيش الشناقطة

16 يونيو, 2018 - 19:21
الباحث : يعقوب عبد الله أبنُ

 

حضر أدب العيد مبكرا في أدب الشناقطة، حيث ورد في ثنايا الدواوين المتعددة الأغراض، التي صدرت مطلع القرن الثاني عشر الهجري، وقد جمعنا لقطات حية من حضور العيد في الأدب الشنقيطي عموما، رتبناها تحت أربعة عناوين رئيسية:

أولا: الإغياء بأيام الأعياد في غرض التشبيه:  
اعتبر الشعراء أيام العيد أجمل تشبيه لأيام السعادة والأنس، لما يجرى فيها من مظاهر الاحتفال والاحتفاء والالتقاء بالأحبة، وقد تناوله الشيخ الأديب سيدى عبدالله بن محمد "ول رازك"  (ت1144 هـ)  في ديوانه من خلال مرثيته للأمير العادل أعمر اكجيل بن هد بن أحمد بن دامان (ت 1702م) فقال:
إلى أين من أيامه العيد كلها *** مأكله مصفوفة و مواعنه
كما أشار إليه أيضا في مديحيته للأمير محمد العالم بن السلطان مولاي اسماعيل في قوله: 
أمــــــــــــير ملوك الكفر أضحوا لسيفه *** كما تبتغى الذبح في عيدها الأضحى
وقد ورد غرض الإغياء أيضا في ديوان الشيخ محمد اليدالي الديماني (ت 1166هـ ):
ديمان في الناس تبر*** و غيرهم كالفخار
و يومـــــهم يوم عيد *** و لــيلهم كالنهار
و تناول الشاعر المفلق محمد بن الطلب اليعقوبي ( ت1272 هـ) نفس الغرض في شعره فقال: 
أوحش النيش بعد أتراب جمل *** ولـــــقد كـــان آهلا مــعمورا
فالـــديار التي بجــــنب قديس *** عاد معــــمور خيفها مهجورا
فلـــنا فـــي لــــواه أيـــامُ عيد *** عز من قد بدا بهن الحضورا
أما الشيخ محمد المامي بن البخاري (ت 1286 هـ) فقد أكد أن العيد اكتسب الذكر والزينة والفرح من المصطفى صلى الله عليه وسلم وذلك في مديحيته الشهيرة :
ومنــك اســــتفاد العــــيد ذكــــرا وزينـــة *** وصورة فرد للطوائف يهزم
وقد تناول الشيخ امحمد بن احمد يوره (ت 1340هـ) غرض الإغياء بالأعياد في قوله:
وذكـــــــرتنا بأزمــــــان لنا ســلفت *** كأن أيـــــــامها أيـــــــــام أعياد
كما أثاره الأديب الصالح محمد بن آدبه (ت 1957م ) في نص الرشيد الشهير الذي يقول فيه:
بَلْ امْكِـــيلْ البِــظانْ أَوَانْ *** الْحَـــــرْ أُتِنْزَاهْ الشُّبَّانْ
والْبِظَانْ أُخَوْضْ الْكِحْلاَنْ *** وِالنَّاسْ الرِّفَاعْ الرَّشِيدْ
وِبْلَــدْ زَادْ إِرْفُـودْ أَ زَوَانْ *** مَرْفُودْ أمَطْرُوحْ ابْلاَ كِيْدْ
رَفَّـــادُ مِصْطَادْ  أُفَرْحَانْ *** الْكَسْحَ كَاعْ إِعْلِيهْ ابْعِيدْ
إِجُــــوهْ إِمِلْـــــيانْ أُكُمَانْ *** اعْلِيـــهُمْ مَافِيــهُمْ رَشِيدْ
عَلاَّهْ المَــــنَّانْ إِعْلَ ظَانْ *** لُكْصُــورْ أُوَسَاهْ الْمَجِيدْ
أَيَّــــامُ بَــــاطْ أَيَّامْ أَعْـيَادْ *** ولْيَــــالِيه أُدَوَّارْ الْغـــِيدْ
فِيهْ الغِيدْ إِعْــلَ كَثْرَ زَادْ *** إِلِّ تِتْحــــَفَّلْ يَـــوْمْ الْعِيدْ
وقد ورد أيضا في شعر الشيخ الأديب المختار بن حامد(ت 1993م) وذلك حين يقول : 
و زغردت الملاح مغردات *** و غــردت الرجال مع الملاح
فكان اليــــــوم فيها يوم عيد *** كعيد الفطر آو عيد الأضاحي
كما وجد الأديب محمدفال بن عبد اللطيف وجها للشبه بين هلال الفطر وراتب الموظف فقال:
ما أصغر الهلال في ليلة *** ثالث شوال على قولة
كأنه مــــــن صغر إذ بدا *** راتب من يعمل للدولة
ثانيا: التهنئة بالعيد
تناول شعراء شنقيط غرض التهنئة بالعيد، سواء كان ذلك بمناسبة جلوس خليفة على عرش، أو  انتصار زعيم في حرب أو قدوم شخص مهم أوغير ذلك. وقد هنأ المؤرخ الأديب المختار بن حامد سفيرمصر بمناسبة النصر في حرب اكتوبر فقال:
عش يا سفير مصر *** واهـــنأ بعيد الفطر
واحي لجـبر الكسر *** واسعد بطول العمر
وارفع لواء النـسر*** لمـــصر رمز النصر
وأشاد أيضا بالسفير العراقي، بمناسبة تخليده لعيد بلاده الوطني في انواكشوط فقال:
لــقَّى لنا أهـــلا ولَقَّى مرحبا *** في دعوة الجفلى بفندق مرحبا
نعم السفير سـفير بغداد الذي ***مع بالغ الترحيب بالغ في الحبا
فهو الحكيم مُحنكا وهو الجذيْــــــــل محــككا وهو العذيق مرجبا
أما الشيخ الأديب محمد فال بن عبد اللطيف، فقد وظف تزامن عبور القناة مع عيد الفطر فقال:
أرقت لذكرى تزيل الكرى *** و يمنـعها القرب أن تذكرا
بذكرى بأســـــــماعنا حلوة ***  على مــثلها صائم أفطرا
عبور الكــماة لمــــتن القناة ***  بعزم الثباة وحزم العرى
وقد طرق العلامة الأديب محمد سالم ولد عدّود (ت 2009م ) غرض تهنئة الخلفاء بالأعياد فقال:  
معاويُ إنــــي لــــــست بالمـــتزلّف *** و لــــست لقرض الشعر بالمتكلّف
و لكنـــها أعيــــاد قــــومي تلاحقت *** فما تقذف الأفراح في القلب يقذف
هـــنئيا لـــك العــــيدان فاسلم لثالث *** بكـــانون يحــيي ذكره كل منصف
ربـــيع و تشـــرين المجـــيد تعانقا *** و قد وقــــفا في الصفّ أكرم موقف
ليستقــــبلا كانونك المشــرق الذي*** يطـــل على الآفــــاق إطلال مشرف
لبــــست من العـــــيدين أبهج حلّة *** فأبـــل و أخــــلف ثم أبــــل و أخلف
ثالثا:السجال الشعري "لكطاع":

دائما يكون العيد فرصة، لإنتاج سجالات أدبية شيقة، فقد تصيب أحد الأدباء خَلَّةٌ، فيرسل نصا ظريفا لأحد أصدقائه أو أقاربه الأدباء طالبا منه سدها، ومن أدبيات هذا اللون من السجال أن يمتنع المطلوب من سداد العوز ظاهريا، لكي لا يفقد السجال نكهته وأريحيته. ومن أجمل الأمثلة على ذلك "لكطاع" الذي جرى في المذرذرة يوم عيد الأضحى سنة 1997، بين الشقيقين الأديبين محمد والرجال ابني أحمد بن الميداح، وسنكتفي بطلعتين منه اتكالا منا على شيوعه وذيوعه في الأوساط الأدبية، يقول محمد  مخاطبا اعل الملقب الرجالَ:

ابــــهمِّ ياعْـــلِ فـيكْ وُ ذيكْ *** عـــادَ فـــــيَّ كاعْ و راجيكْ
ونعرف عنْ همِّ صالحْ فيكْ *** و لا يَشطــَنْ كــــاع إلَجَاتْ
مــــنّ دَراعَ كَطـــْ اعـــليكْ *** مَعْــــنَيْتْ انـــْدوَّرْهَ فِالفاتْ
و اتْرَاكَ بَـــاشْ انْتَمْ انْــشِيدْ *** و انْعَـــايِلْ ثِـــقَّ و اشْوَيَّاتْ
اتْعَـــاوُنْ زَادْ افْــحَالْ الْعيدْ *** اخِفْ الْ يَبك  ـ وُ وكِيَّـــاتْ
فأجابه العميد الرجالَ بقوله: 
دَراعَ عَــــــنْدِ مَوجُودَ *** و اتْــــراكَ بيــــهُمْ مَرْفُودَ
لَــــفَّامْ وُ عَـنْدِ مَعْهُودَ *** رُبطَ من نَعْلْ اطْـرَ مَا فاَتْ
اكثِرْ فالنَّاسْ و مَنْكُودَ *** صِرَّ عَكْبِتْ ظَركْ و شِيَّاتْ
فالعـــيدْ اتْعاَوُنْ مَكْرودَ *** عَنْ خَاطيكْ انتَ وُ وكياتْ
غَيرْ اصَّ نعــطيكْ انفادَ *** مــــرْيَ ذَ كَــــاملْ بالثَّباتْ
مـــــَزالْ إحَــــــانِ لِرَادَ *** لَـــــمْرْ الاَّ للــوَاحِدْ فالذَّاتْ
وفي نفس السياق يأتي "اكطاع" الأديب الحسن بن سيد ابراهيم مع والده محمدن حين خاطبه قائلا:
مِتْــــحَرْكِ نِبْغِ بِالعَجْلَ *** دَرَّاعَ فـِــــالعِــيدْ أتْبَكِّ
وِمَّلِّي مَا تَگْلـــَعْ شِ لَ *** رَيْتْ امْعَ دَرَّاعَ تــركِ
فأجابه الوالد عميد الأدب الشعبي ( ت 2006) بقوله:
دَرَّاعَ تَجـــْبَرْهَ وِتْزِيدْ *** ابتْرْكِ يَغِيرْ اتْحَرْكِ
مَا يَعْطِ دَرَّاعَ فِــالعِيدْ *** الْحَدْ أُلاَ يَعْطِ تَرْكِ

رابعا: نصوص من أدب الاستقلال

احتُلت موريتانيا من طرف الفرنسيين مع بداية القرن العشرين، وكجميع الغزاة فقد جلب الفرنسيون معهم أعيادهم، وطقوسهم الدينية، التي من أهمها أعياد الميلاد ورأس السنة.  وقد دأب الشباب في سينلوي "اندر" على تنظيم احتفالية بمناسبة رأس السنة يسمونها "فنال"، حيث يصنعون باخرة من الورق المقوى، ويوقدون الشموع بداخل هيكلها، ويختارون في كل سنة سيدا وجيها من أهل المدينة، يطلقون اسمه على "فنالهم"، فينطلقون ليلة العيد حاملين الشعلة يجوبون الشوارع صادحين باسمه وفضائله ومدائحه حتى يصلون إلى بيته، فيعلقونها على باب المنزل الخارجي، ويكون السيد عادة في استقبالهم، مع الوجهاء والأصحاب والأقارب، فيرحب بهم ويقدم إليهم مبلغا نقديا معتبرا، فيشكرونه ويتركون الباخرة موقدة حتى يتآكل ورقها.
وذات مرة سمى الشباب "فنالهم" على أحد وجهاء المدينة، لكنه لم يكرم وفادتهم، بل صدهم وأوصد دونهم بابه، وكان  الترجمان الأديب محمد بن ابنو المقداد (ت 1943م)، حاضرا، فاعتذر إلى الشباب عن فعلة صديقه، ودفع  لهم المبلغ المطلوب، وكتب أبياته الرائعة الشائعة: 
رد هـــــذا الفـــــتى فنـــــالا فنالا *** كل عــــــــــــار إذ رد ذاك الفنالا
فالفتى من يصون بالمال عرضا *** ما الفتى من يصون بالعرض مالا
وبعد حصول بلادنا على عيد استقلالها الوطني سنة 1960، أصبح غرض التغني بالنضال والتحرر من نير الاحتلال، مألوفا عند الشعراء، وقد طرقه الأديب الشاعر أحمدُّ بن عبدالقادر  سنة 1966 في رائعته الجميلة:
فرحة الــعيد أيقـــظت ذكـرياتى *** من صــميمي وحركت خطراتي
حول ماض عشناه دمـعا وحزنا *** وانتفـــضنا منـه انتفاض الكماة
واستقـــلت بلادنـا وانتــــصرنا *** باتحـــاد الصفـــوف والجبـهات
كما صور لنا الأديب الأريب محمد بن محمد اليدالي (ت 1990م) بعض مظاهر الاحتفالات المخلدة لعيد الاستقلال مطلع السبعينات فقال: 
هَذَا لــَسْتِقْلاَلْ اسْتِقْلاَلْ *** انْكَزْ ابْلَقْوَالْ أُ لَفْعَالْ
الْــحَـــمْدُ لِلَّهْ أُ لاَ قَــــالْ *** مِنْ زَيْنُ عَنْدِ بَعْدَانَ
مَاهُ نَعْرَفْ وَقْتْ الزَّوَالْ *** إمْرَ مِنْشَالَ عَجْلاًن
تِتْلَفَّتْ وِتْخَــرَّصْ طَيَّارْ *** مِنْخــــَلْعَ مِنُّ فَتْرَانَ
مِنْهِيَّ؟ رَاهِ مِنْ لَنْصَارْ *** إِجْـــــنَاتْ أُمِنِّ زَدَانَ
ونختم هذه الجولة في دواوين شعراء الشناقطة، بنص جيد السبك، كتبه الأديب  المصطفى بن المختار السالم التندغي: 
سُبْـــحَانَكْ يَالْحَــــيْ الــــدَّياَّنْ *** يَذَ مِــــنْ تِـــقْلاَبْ الـــزَّمَانْ
عِــتْ اتْشـُـوفْ امَّاتْ إِجِرَانْ *** حَاسِيـــهُمْ لَكْــصَانِ مَتْرُوكْ
عَاكِبْ كِنْتْ اتشُوفْ الفِرْكَانْ *** اعْلِـــيهُمْ مِـــنْ ذُوكْ أُ ذُوكْ
مَا تَيْتْ اتشُوفْ الذَاكْ اتْبَاْن *** ألَا تَيْتْ اتْشُوفْ اتْبَانْ الذُوكْ
يَــغِيرْ اشْـــتَكْلَعْ مُــوريتَانْ *** دَوْلَ عَــــادْ ألاَهُ مَـــْملُـــــوكْ
وبـْــنَ كَبـــتَالْ افْـــلَوْطاَنْ *** بَلْ اخْــــلاَكِتْ بُــــوكْ أبُـبُوكْ
فـُــوكْ ابِـــنْبِ عَادْ البُنْيَانْ *** وِالفُـــوكْ اعْلَ زِيرَاتْ أَجُوكْ
ومن الطريف أن "ابنب" كانت تطلق على الغور المسمى حاليا ب بوحديدة، أما زيرات أجوك فهي دار النعيم اليوم.