قد يكون العنوان مستفزا وغير محترم وليس من عادتي أبدا استخدام قاموس الشتائم. طيلة حياتي لم أقم بشتم أحد، حتى بائعة المثلجات التي صفعتني على الخد وأنا صغير لم أقل لها شيئا، مع أن صفعتها كانت قوية للغاية وجعلتني أسمع طنينا يشبه طنين الجرس. أما الشرطي الذي بعثر وضعية قميصي أمام مدخل الفندق؛ ودفعني خارجا في يوم ممطر من شباط لم أشتمه أيضا، بالرغم أنني لم أكن أريد سوى رؤية ابتسامتها فقط؛ فاكتفيت ليلتها بكتابة قصيدة كئيبة وحرقها بعد ذلك، كما يمكنكم أيضا أن تسألوا التلاميذ الذين درستهم على مدى خمس سنوات؛ لم أشتم منهم أحدا، لا أحب الشتائم مطلقا، فأنا حمامة سلام بيضاء. لكن؛ عندما أخبرني صديقي القاطن في الداخل عن أحوال الناس هناك مع الجفاف وتقتير الحكومة وما يشاع من احتكار التجار للعلف، لم أجد أي عنوان مناسب لما سأكتب سوى: " تبا للحكومة "، رغم أنني فكرت في أن العنوان الأنسب هو: " تبا لنا جميعا ".
في حديث شريف متفق عليه؛ ما فحواه؛ أن امرأة عذبت في هرة حبستها لم تطعمها وتسقها عندما حبستها، ولم تطلق سراحها حتى تأكل من خشاش الأرض.
مع بداية هذا الصيف بدأ معظم ملاك المواشي يشدون رحالهم لعبور الحدود والتوغل بداخل المراعي الخصيبة في الدول المجاورة رغم ما يصاحب ذلك عادة من نفوق الأنعام من طول المسير؛ بالإضافة إلى مشقة الاغتراب ودفع الضرائب، بيد أن بعضهم تريث عندما سمع جعجعة الحكومة وهي تقول بلسانها بأنها خصصت مبالغ ضخمة تقدر بمليارات الأوقية لتوفير العلف والقمح وأن الصيف مهما تطاول أمده سيكون بردا وسلاما على الناس، هذا بالإضافة أيضا إلى صغار المنمين- وهم الغالبية - الذين لم يبرحوا قراهم وتحمسوا لوعد الحكومة أيما تحمس، فلا طاقة لهم في تحمل تكاليف النزوح عن ديارهم وتعريض مصدر رزقهم الوحيد لمخاطر الأسفار البعيدة.
عندما بلغ الصيف ذروته وأجدبت الأرض والجيوب؛ وحان وقت الجد وبلغ الإنهاك من المواشي ما بلغ، وآن أوان تدخل الحكومة، أخذ لسان الحكومة في التلعثم، فنكصت على عقبيها وتولت عند زحف الجفاف، فلا أثر للمليارات التي تحدثت عنها في السوق. وفي خدعة ناعمة رفعت الحكومة تعريفة الجمركة عن العلف، بيد أن الذي حصل بعدها أن أسعار العلف ارتفعت نحو عنان السماء وصار سعر خنشة العلف 1500 أوقية جديدة في مناطق عدة من الداخل، لعيون على سبيل المثال لا الحصر.
رغم صعوبة العثور على النقود على صغار المنمين في أيام الرخاء والمطر ينهمر، فإن العثور عليها أيام القحط أشبه ما يكون بالبحث عن حليب العصافير، ومع كل ذلك فإن المنمي إذا تحصل عليها وذهب للسوق لن يجد علفا ليشتريه حتى، والنقود الجديدة من البلاستيك؛ ولا تصلح علفا للمواشي بكل تأكيد.
الحقيقة المؤلمة أن الحكومة حبست ملاك الأنعام بداخل زنزانة من الوعود المزيفة طيلة الصيف؛ فلا هي وفرت لهم العلف؛ ولا هي تركتهم يذهبون لدول الجوار بداية الصيف كي تأكل أنعامهم من خشاش الأرض هناك.
ربما يكون العلف مسجونا في مخازن التجار ولا يريدون إخراجه حتى يرتفع سعره أكثر وليس الجشع أمرا غريبا على تجار هذه الأرض سواء منهم الصغير والكبير. فهذا الوطن أصبح مجرد غابة موحشة، الحياة فيه أصبحت جد مكلفة وتعيسة وبائسة.
الأسعار والضرائب ترتفع كأنها تتسلق السلالم، المريض يخاف المستشفى لتكلفة العلاج الباهظة، الطالب يخاف من التخرج لأنه لن يجد عملا، والموتى تحولت مقابرهم لمكب لقمامة الأحياء، والفقراء يزدادون بؤسا؛ والأغنياء يزدادون جشعا. النخبة هنا مثيرة للشفقة، عندما تقابلهم في الأسفل بعيدا عن عدسات الكاميرا تقول في نفسك وبكل حسرة ماذا أنتظر هنا؛ على أن أهاجر بسرعة إلى السنغال مع أول شحنة للكهرباء...
الديمقراطية التي عندنا بائسة جدا، لأنها ببساطة شديدة مزيفة وصورية، لم نتعب في الحصول عليها؛ إنها تحمي المفسدين وتعطيهم حصانة لا يستحقونها، لم تحمي هذا الشعب من الظلم وسرقة أمواله، فقط منحته حرية غثة بالإضافة لحرية الكلام مع أن الكلام وحده لا يؤذي؛ خاصة إذا كان خاليا من ملح الصدق والجدية..
على هذه الحكومة أن تحترم نفسها على الأقل وتتحمل كامل مسؤوليتها قبل نفوق هيبتها ونضوب المياه داخل وجهها، فهذا البؤس لا يمكن أن يستمر، ومحاولة إيهام الناس بأن كل شيء بخير لم تعد تنطلي على أحد. أيتها الحكومة عليك أن تفعلي شيئا حسيا بدل مشاهدة أخبار الطقس.
معظم الأسر في مدن الدواخل تعيش على العائدات من بيع الأنعام لا دخل لهم غير ذلك، وهو ما جعلهم يؤثرون البقاء في الأرياف والمدن رغم ما يكابدونه من هشاشة التنمية وشح المشاريع الصغيرة. إن لم تفعلوا شيئا لهم فسوف تستيقظون بداية العام القادم على العاصمة وقد زاد سكانها عدة أضعاف مضاعفة، وسنصبح بدل الجمهورية الإسلامية الموريتانية، جمهورية نواكشوط الإسلامية.
أقول لملاك الأنعام عليكم بالصبر؛ فرحمة الله قريبة جدا منكم، لكن وبعد انقشاع هذه المحنة؛ استقبلوا كل قادم إليكم يتوسل أصواتكم في الانتخابات برشقه بفضلات البقر اليابسة؛ أما تلك الرطبة فلطخوا بها ثيابهم....
نقلا عن صفحة الكاتب على فيسبوك