بصرامة صادقة، يزينها أدب جم ولطف عفوي، اعتذر الشيخ محنض بابه ولد امين عن الهدية التي قدَّمها له الرئيس الغيني.
ولا إخال السيد ألفا كوندي تفاجأ بالأمر، فزهد الشيخ وعزوفه عن الدنيا في طليعة العوامل التي تحفز الكثيرين إلى تجشم عناء السفر للقائه والتماس دعائه والتعرض لنفحات بركته.
لكن ما فاجأ الرئيس الغيني هو الهدية التي أتحفه بها الشيخ والطريقة التي أحاطت بتقديمها.
ففي نهاية مقابلتهما، التي حضرها يعقوب ولد محمد موسى الملقب اليحيوي وهو تلميذ للشيخ و الحسن ولد مكناس وهو صديق لكوندي، ناول محنض بابه زجاجة عطر لولد مكناس طالبا منه أن يفك غطاءها ويفتحها قبل أن يقول له: رش منها على صدري أنا ثم على صدرك أنت ثم على صدر اليحيوي. وبعد ذلك قال له: قل لصاحبك أن لا ضرر في هذا العطر فبإمكانه استعماله.
فضحك كوندي واسترسل في الضحك قبل أن يقول للمرابط: أنا أثق بأن لا حافظ إلا الله كما ذكّرتني قبل قليل، وربما كان يتساءل في نفسه:
من لهذا الشيخ البدوي المنعزل بهذا الحس الأمني المرهف؟
ومن أين له هذه اللباقة البرتوكولية؟
ولو كُـتِـب للدار الفرنسية التي صنعت هذا العطر الفاخر أن تقتنص هذه اللقطة لحولتها إلى ومضة إعلانية لا تعوض!
وربما لم يكن يدور في خلد كوندي، ولا أي رئيس دولة آخر، أن يُجري مقابلة مع شخصية مرموقة في عريش فراشه المتواضع يلامس التراب ويختلط به، لا أريكة فيه ولا سجاد، ولا جدران له ولا نوافذ أو أبواب، ثم تدوم تلك المقابلة أكثر من ساعة وتنقضي كلها دون أن ينادى، ولو مرة واحدة، بصاحب الفخامة أو سيادة الرئيس، ودون أن تطرق مسمعه عبارة يُـشم منها رائحة تزلف أو تملق.
لم تقف غرابة المشهد عند هذا الحد، فلم يكن أحد يتوقع أن يتحول فناء ذلك العريش إلى مسرح للمراسم الرئاسية وأن ينتشر حوله الحرس الرئاسي ببدلهم العسكرية الداكنة وأسلحتهم المتطورة. أما أن تكسر طائرة بهديرها المجلجل سكون الدوشلية السرمدي وتحط بغورها الهادئ فذلك أمر لم يكن أحد يتخيله.