في هذا الوطن يأتي الفرح على استحياء كعذراء ويأتي الحزن سافرا كفاجرة. (أدهم شرقاوي)
في أكناف دولة (الشعار) وبفعل الدولة العميقة: أكل رجل من الجوع أصابعه إلا أنه تحسبا لنصرٍ "ما" ترك السبابة والوسطى!
فحكمَ على نفسه والله قاضٍ أمره، أن تكون الدولة في عمقها خادما للدولة العميقة… ومن ذلك أن هرع وزير التجهيز والنقل الموريتاني إلى ولاية لعصابة مكلفا بالتحسيس والتعبئة للإحصاء الانتخابي، في اليوم الموالي لحادث سير مرعب ومعقد الأسباب، متشعب الأوجه على طريق الأمل.
فصرخ مبحوح منطق ما…. أما كان من المفترض أن يكون (الحادث) على أقل تقدير سببا في مساءلة الوزير ولو رياء للناس!؟ أما من شيء حدث يتطلب أو يلزِم جهة ما مجرد عنوان… فتح تحقيق!!
شاحنة بحمولة أطنان زائدة تقطع مائة كيلو متر على مرتفعات كثيب "الأمل لتلقي بحمولتَيْها (وزنها ووزن الحمولة) على سيارة صغيرة، فتنقطع السيارة ومن فيها لساعات عدة عن هذا العالم!! دون نجدة! ولا مغيث! حتى تنعي المارة أسرة بكامل أفردها، و ينتشر الفزع وتراتيل الوجع بين الناس كمناشير الإخلاء في الحروب، وفي اليوم الموالي تواصل ماكنة الدعاية عملها ويبعث بالمسؤول الأول عن الفاجعة إلى الداخل لتلقين الخطاب السياسي، للفئات الأكثر بؤسا، وكأن أمرنا مكتوب عليه أن يظل في غيبية "القضاء والقدر" ولا تلازم لسلطة فرعون بمسؤوليات فرعون!!! ومن يسعى لعيش كريم فلينتحر قبل أن تنال منه الدهشة…..!!! أي شعب هذا الذي يزرع الصمت ويتجرعه سُماً فلا يموتُ ولا يحيى!!
يقال إن الكابوس هو حلمك بأن الحقيقة الكاملة أصبحت معروفة.
إن الحقوق التي لا يعي أصحابها حجمها، تبقى مغيبة حتى تتعفن من الكتم وتتآكل في درج الانتهازيين فتصبح يوما على هيئة هِبات حكومية أو برامج انتخابية وهي في الأصل حق تكفله الوثيقة الأسمى وأعراف الأنسنه! إن الأمن والرغيف والتعليم حقوق ولا منةَ لأحد علينا في توفيرهم..
ما حدث يوم أمس على "طريق" الأمل لم يكن مجرد حادث سير، سببته رداءة شريط الزفت المسمى طريقا! أو تجاهل قوانين السير، إن ما حدث يسمى (حادث ما قبل الحادث) ثم (الحادث) (فحادث ما بعد الحادث).
فكيف تنعدم الرقابة وتتفشى الرشوة إلى الحد الذي تقطع فيه شاحنة الشؤم، كل تلك المسافة دون رقيب ولا حسيب وغيرها مئات الشاحنات بحمولة هي أضعاف الحمولة المسموح بها؟ أليس هذا حادث بحد ذاته؟ وماذا عن سائقي الشاحنات متى وأين استوفوا شروط سياقة الأوزان الثقيلة!! ثم ألم يكن الحادث الجلل والمصاب الأعظم في أربع ساعات قضتها أسرة كاملة تحت وطأة الحديد ورحمة الثقيل من الوزن، حيث لا وسيلة للإسعاف ولا سبيل حتى لموت يريحهم من بأس الحديد!!! وصل الضحايا الثلاث إلى المشفى أحياء في النزع وفيه قضوا إلى رب رحيم.. أليست معاناتهم بعد الحادث حادث آخر، في جمهورية القصور المشيدة لاستغلال الشعار و"القصور الوطني" والتقصير المشين في حق تلاثة ملايين نسمة تمتلك كل مقومات الحياة الكريمة...!
والغني عن الذكر هنا هو إحصائيات الوفيات الناتجة عن حوادث السير والتي على ضعف مواكبتها لحالة الطرق، سجلت في العام المنصرم وحده ما يربو على 400 حالة وفاة!!!
إن أعمال الصيانة الجذرية لطريق يزيد عمره على الأربعين سنة لن تفي غرض أقل مستويات السلامة، في ظل تجاهل قوانين السير، أحرى صيانات الترقيع الموسمية التي لا يتجاوز عمقها طلاء الرصيف وردم الحفر!!
إن حكاية المواطن الموريتاني لا تحتاج ذلك السيناريو السميك: ولِدَ... فتعذبَ، ثم ماتْ.
ما ضر حكومتنا لو كذبت علينا بفتحها تحقيق حول الحادث!!! واستدعت إدارات الحماية المدنية واتحادية النقل لتدارك الوضع مستقبلا، ما ضرَّ رئيس الجمهورية لو طلب وزير نقله في اجتماع عاجل يطلب فيه تقريرا مفصلا عن حالة الطرق "السريعة" في البلد!!! لو أنه كلفَّ نفسه بزيارة موقع الحادث ليرى بعينه كيف قضى ثلاثة مواطنون!!! ويتأمل في آلامهم لأربع ساعات قبل الموت.. ما ضرَّ فخامته لو أشعرنا - كذبا - أنه "يكترث" !!! هيهات... آثر الرئيس خيارا آخر وهو ضرورة تواجد وزير التجهيز والنقل في لعصابة لأن مهمته ببساطة لا علاقة لها بالتجهيز ولا بالنقل بل التحسيس والتحسيس فقط!
رجل بعد مضي ساعات العذاب الأربع كان من المنقذِين... مدَّ بيده إلى أهل الضحايا قائلا: هذه تفاحة خضراء وجدناها بين الأم وابنتها، ولم يمسسها شيء غير قطرات الدًّم هذه... ترى بأي أرضٍ نبتت؟