بسم الله الرحمن الرحيم و صلي الله علي نبيه الكريم
لقد علمت للتو بوفاة الأستاذ أحمد سالم ولد ببوط أول مبرز في القانون العام في موريتانيا. إنا لله وإنا إليه راجعون.
وبهذه المناسبة الأليمة فإني أتقدم بأصدق التعازي القلبية إلي أسرة أهل ببوط، إلى الجامعة الموريتانية، إلى موريتانيا، إلى مجتمع البحث العلمي، إلى كل الذين أعجبوا وتذوقوا الأسلوب السلس والممتع لفقيدنا العزيز.
لقد تعرفت على القانوني البارز والخبير الدستوري عندما حالفني الحظ لأكون أحد تلامذته في كلية العلوم القانونية والاقتصادية الموجودة آنذاك في المباني الأصلية للمدرسة الوطنية للإدارة حيث كانت تتقاسم معها القاعات والأساتذة.
لقد كانت سمعته قد سبقت رجوعه إلى بلده. كما أنها توطدت واتسعت لما عرف من أخلاقه وسعة علمه في مجالات القانون العام.
لقد برز في الوسط العلمي الجامعي بالتقدير المميز لأطروحة دكتوراه دولة التي أعدها تحت عنوان "بحوث حول مساهمة المجلس الدستوري في القانون الإداري" بإشراف من الأستاذ الفرنسي الكبير جورج فدل - Pr Georges Vedel - والذي أصر على تخليد هذا العمل برسالة خاصة به.
وقد كتب العميد فدل في هذه الرسالة على أنه خلال إشرافه مدة ربع قرن من الزمن على مكتبة القانون العام - الإشراف الذي مكنه من قراءة العديد من أطروحات دكتوراه الدولة في القانون العام ذات الجودة - فستبقي أطروحة الدكتور ببوط استثناء بالنظر إلى جودة تحريرها ودقة التحليل العلمي الذي طبعها.
وقد نشرت هذه الأطروحة في سنة 1987 بعنوان "مساهمة المجلس الدستوري في القانون الإداري" وبتقديم من العميد فدل نفسه.
وقد فضل الفقيد العودة إلى وطنه للمساهمة في مشروع الجامعة الوطنية قيد الانجاز وذلك رغم العروض المغرية التي تلقاها.
لقد اطلعت علي رسالة العميد فدل - بحكم موقعي الوظيفي آنذاك - في وقت لم تتمكن فيه المصالح المختصة في الإدارة حينئذ من تقدير ومعرفة تصنيفه في سلك التعليم العالي قيد الإنشاء.
كانت المرة الأولي التي تم لي فيها التواجد بجانبه بصفة شبه متواصلة خلال تلك الفترة التي شهدت إعداد القانون المتضمن للنظام الأساسي للموظفين وللوكلاء العقدويين للدولة من 1990 إلى 1993. ويمكن إن يعتبر الكاتب لهذا النص الأساسي في نظام المسار المهني للوظيفة العمومية.
وقد مكن هذا التقارب من إكمال الدروس التي تابعتها معه في الكلية من الجانبين النظري والعملي.
وحرصت فيما بعد على المحافظة على الصلة به لأسباب كانت أحيانا مهنية وفي حالات أخرى شخصية. ذلك لأنه رغم فارق السن والمستوى كان دائما يوليني عناية خاصة ويعرب عن استعداد تام كلما اتصلت به أو كلما التقينا وهذا ما عزز باستمرار الصداقة بيننا.
ويثبت مساره المهني - مستشار أو مكلف بمهمة في بعض الوزارات، عضو المجلس الدستوري، مستشار للوزير الأول، عدة مرات مراقب للانتخابات في الخارج - مدى تنوع وغنى تجربته.
كما توحي المقالات المنشورة في دوريات متخصصة ( بناه – Penant -، المجلة الدولية للعدالة الدستورية، مجلة العالمين الإسلامي والمتوسطي، المجلة الفرنسية للقانون الدستوري...الخ) وفي أعمال أخري مشتركة، بمؤهلات الباحث الفذ وتبرز جانبا من مساهماته في تطوير القانون الدستوري في موريتانيا وخارجها.
تم استدعائه عدة مرات من طرف سلطات البلد للمساعدة في إجراء مراجعات للدستور مما جعل البعض يجزم بأنه أبا للدستور الموريتاني أو على الأقل للنسخ المعدة منذ رجوعه.
لقد فقدت موريتانيا بهذه المناسبة الأليمة أحد أبرز خبرائها القانونين ومواطنيها القيمين.
رحم الله استأذنا الغالي و أسكنه فسيح جناته
نواكشوط 10 يوليو 2018