متى يستقيم الظل و العود أعوج؟
في كل موسم استحقاقات تلبس السياسة في اليمن ثوب القبلية الضاربة في عمق النفسية اليمنية منذ ما قبل الإسلام. و لكنها الممارسة التي نضجت مبكرا مع ميلاد الدولة الحديثة و قد تأثرت بكل تيارات الوعي التي عرفها العالم قبل الحرب العالمية الأولى و قد أثرت في مجريات الحرب العالمية الثانية.
و هي التيارات الفكرية التي ولدت نتيجة التحولات العميقة المولودة من مخاضات وعي متلاحق و إثر عمليات قيصرية كانت تسارع موتها قبل الأوان حتى ظهرت أسماء لمعت في فن التعاطي السياسي و تبنتها لوسطيتها و وطنيتها كل الأطراف اليمنية و اتخذتها قدوة و مرجعا في العمل السياسي الرفيع.
و هو الوعي الذي جعل لاحقا القبيلة في خدمة الفكر حتى تفرقت دماؤها بين التوجهات الأيديولوجية من القومية و الاشتراكية و الشيوعية المذهبية الدينية لاحقا من شيعية و سنية و طائفية داخل المذهبيات السائدة. و بهذا فقد نفت القبيلة في اليمن عن نفسها صبغة التآمر على البلد بهدف التفرد بخيراته و بسط يد النفوذ إليه بموازين القوة التي تفرض الجزية الإنتمائية بالخضوع لسلطانها.
و في بلدان العالم تسارع نخب أغلب الشعوب، و بعيدا عن منطق الانتماء الضيق إلى العرق أو اللون، إلى التناقس السياسي عند كل الاستحقاقات الديمقراطية التجديدية و التناوبية و ذالك عبر:
· برامج تنموية محبكة الإعداد،
· و خطابات توجيهية مستقاة من متطلبات الواقع و تطلعات الشعوب المشروعة،
و هي لا تنشد في الأمرٍ ود المواطن بالانتماءات الضيقة أو غنائيات الحواري العذبة في عرض اليم، و إنما تفعل بما تكشف عنه من المستويات، المقنعة، العلمية، المجربة، المعلومة و الفكرية المؤثرة الواعية، و بالإنجازات الميدانية المنتجة.
فأي نائب في العالم الناجح ديمقراطيا يتم اختياره إلا أن يكون عارفا بجهته التي رشحه سكانها لأجلها؟ و أي عمدة لا يعرف مدينته و حاجيات سكانها و متطلبات ازدهارها و يملك الكفاءة على تقدير إمكانياتها التي تمكن من تحقيق ذلك بحسن الاستغلال و الحرص على الوصول إلى ذلك الهدف؟
أليس عمدة مدينة لندن ملونا من أصول آسيوية. لكنه اختير من طرف الشعب لأنه أعرف الناس بمدينته و لقدرته المعلومة على إدارة شأنها بجدارة عالية؟
أليس الرئيس الفرنسي ماكرون شابا تغلب على من هم أكبر منه سنا و أطول تجربة في المجال السياسي بفضل خطابه التجديدي و ما يمتلك من المواهب التخطيطية و التسييرية و الخطابية التي أبان عنها في الحكومة قبل الترشح؟
و أما ما يجري عندنا فـ:
· قدح في الديمقراطية،
· و إساءة إلى البلد،
· و إجحاف بنبل مقاصد السياسة،
· و هدر لموارد البلد التي تنفتح لها، بلا وازع أخلاقي أو ديني، كل شهية و توظف إليها كل أفعال السطو و السلب و المكر و النفاق و التزلف و ما شاكل من أمراض القلوب.
حقيقة مرة لكنها... حقيقة ماثلة يترجمها ما يجري اليوم من سباق محموم على ظهور جمال التخلف المكري، و على مطايا القبلية و العشائرية و الشرائحية بكل أوجه سلبيتها السيباتية.
فلا برامج تذكر و لا خطابات تحمل معالم الجد و الوعي و التصحيح و البناء للحاضر و علامات الاستشراف للغد.
سباق باسم العشيرة و القبيلة و الشريحة التي تجمع للمناسبة شتتاها في كل الجهات و تعلن عن ذلك بكل فخر و اعتزاز في وسائل الإعلام المتواطئة و شبكة التواصل الاجتماعي المدجنة و عبر إحياء موروث "السيبة" بكل وقاحة.
فهل يستقيم الظل و العود أعوج؟