لا يختلف اثنان على أن التاريخ سيذكر للرئيس محمد ولد عبد العزيز أنه أول رئيس عربي قام بطرد السفير الإسرائيلي من بلده وبدون سابق إنذار، ودون حسابٍ للعواقبِ كذلك.
ولن ينس الموريتانيون أن أرضهم احتضنت أول قمة للدول العربية (رغم أن بعض الوفود كاللبنانيين مثلا، كانوا يُدِلُّونَ علينا بحضورهم وتنازلهم بالمجيء).. وأخرى للقارة الأفريقية جمعاء (وكانوا خيراً من سابقيهم) كل ذلك في عهد الرئيس ولد عبد العزيز، لكن لن ينس المواطنون كذلك و المغتربون بصفة خاصة الحيف الذي حَلَّ بهم، حيث كانوا أشقى الناس بقانون الإحصاء الجديد والحالة المدنية. وقد تطرَّق إلى حالتهم الصحفي أحمد فال ولد الدين في مقال له بعنوان: "الجواز المليوني.. وصناعة الروهنغا في موريتانيا".
وتعرض موقع العربي الجديد في بريطانيا كذلك لمعاناة المغتربين الموريتانيين في الخليج بسبب جوازات سفرهم في تقرير تحت عنوان: "معاناة موريتانيين بسبب جوازات سفرهم" ممَّا يُسلط الضوء على الضَّيم والإجحاف الذي تتعرض له الجاليات الموريتانية في الخارج.. حيث لم تعد المضايقة في المداخيل وحسب وإنما في الوظيفة حيث التهديد بالفصل أو حتى الترحيل في حالة عدم الالتزام بالمواعيد المحددة، وفي التقرير ما يكفي عن الإطناب.
النتيجة الحيَّة أن هذه الإجراءات أضَرَّت بمن في الخارج أيّما ضرر.. فنحن ولله الحمد، منتشرون في الأرض من الدول الإسكندنافية شمالاً إلى دول أفريقيا الجنوبية جنوباً.. ومن الصين شرقاً إلى الأمريكيتين غرباً وحتى أستراليا ونيوزيلاندا توجد فيها جالية وإن كانت لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، لكن الجاليات عُموماً لها حضور في البلدان التي تتواجد فيها.. فهل يغطي كل ذلك أربعة مكاتب في كُلٍ من المدينة المنورة وأبو ظبي وأبيدجان ومدريد.
ثم ما هو دور السفارات الموريتانية في بقية الدول إذاً!
لذلك ومن باب الإنصاف نأمل كمغتربين قد عانينا الأمرَّين من القوانين السالفة الذِّكر أن يُقَدِّم السيد الرئيس لِوِلايته، والتقديم هنا بمعنى التأخير، كما قال حاتم الطائي
ﺃَﻣَﺎﻭِﻱّ! ﺇﻥَّ ﺍﻟﻤﺎﻝَ ﻏَـﺎﺩٍ ﻭ ﺭﺍﺋِـﺢٌ *** ﻭَﻳَﺒْﻘَﻰ ﻣِﻦَ ﺍﻟﻤﺎﻝِ ﺍﻷَﺣَﺎﺩِﻳثُ ﻭَﺍﻟذِّكْرُ
وكما قال سيدنا عمر (رضي الله عنه وأرضاه) ﻟﺒﻌﺾ ﻭلد ﻫﺮﻡ بن سنان: ﺃﻧﺸدﻧﻲ ﺑﻌض ﻣدﺡ ﺯﻫﻴﺮٍ ﺃﺑﺎﻙ، ﻓﺄﻧﺸده.
ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻤﺮ: ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻟﻴﺤﺴﻦ فيكم ﺍﻟﻘوﻝ. ﻗﺎﻝ: ﻭﻧﺤﻦ ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺇﻥ ﻛﻨﺎ ﻟﻨﺤﺴﻦ ﻟﻪ العطاء.
ﻓﻘﺎﻝ: ﻗﺪ ذهب ﻣﺎ ﺃعطيتموه ﻭﺑﻘﻲ ﻣﺎ ﺃعطاكم.
يقصد بذلك قول زهير ابن أبي سلمى:
قد ﺟﻌﻞ المُبتغون ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻣﻦ ﻫﺮﻡٍ *** ﻭﺍﻟﺴﺎﺋﻠوﻥ ﺇﻟﻰ ﺃﺑوﺍﺑﻪ ﻃُﺮﻗﺎ
ﻣﻦ ﻳﻠق ﻳوﻣﺎً ﻋﻠﻰ ﻋِﻼّﺗِﻪِ ﻫَﺮِﻣﺎً *** ﻳﻠﻖ ﺍﻟﺴﻤﺎﺣﺔ ﻣﻨﻪ ﻭﺍﻟﻨدﻯ ﺧُﻠﻘﺎ
فالسيد الرئيس وكما وعد، لن يترشح لولاية ثالثة وذلك احتراماً للدستور واحتراماً لمكانته كقائدٍ تسنَّم بموريتانيا قمتيْ الهرمين، العربي والإفريقي.. فمِثلُه يُنظر لقوله ويُؤخذُ به في المحافل الدولية وليس المحلية فحسب.
لذلك ومِن باب المسؤولية كما قال نبيُّنا صلى الله عليه و سلم؛ (كُلُّكم راعٍ و كُلُّكم مسؤول عن رعِيَّتِه) وكذلك حُسناً للختام وطِيباً للذِّكر يَجدُرُ بمن هو في مركزه أن يَنظر إلى مواطنيه الذين اضطروا للترحال، تحملهم الآمال وَهنَةً وتَحُطُّهم العقباتُ أخرى.. أن يَنظر إليهم بعينِ الإخاء والمُساواة والتشجيع والتعاطف... فيكفيهم من العناءِ هَمُّ الاغتراب.. كما قال ابن زُريق البغدادي في الهائية؛
ﻳﻜﻔﻴﻪ ﻣﻦ ﻟوﻋﺔ ﺍﻟﺘـﻔـﻨـﻴد ﺃﻥَّ ﻟـﻪ **** ﻣﻦ ﺍﻟﻨَّوﻯ ﻛـﻞَّ ﻳوﻡٍ ﻣـﺎ ﻳﺮﻭِّﻋُـﻪُ
ﻣﺎ ﺁﺏَ ﻣﻦ ﺳـﻔـﺮٍ ﺇﻻَّ ﻭﺃﺯﻋـﺠَـﻪُ *** ﺭﺃﻱٌ ﺇﻟﻰ ﺳﻔﺮٍ ﺑﺎﻟﺮّﻏـمِ ﻳﺘـﺒـﻌُـﻪُ
فما الداعي لأن نتكبَّد من المشاق، ذرعُ الأرض إلى نواكشوط، لا لحاجة سوى استخراج أو تجديد جواز سفرٍ من البديهيات في نظام أيِّ بلدٍ أن يتم بالنسبة للمغترب في السفارة أو القنصلية التي تمثله في بلد الإقامة.
طلبٌ مثلُ هذا ليس من المُحال وليس من أحلام اليقظة (أحلام الظهيرة كما يسميها البعض) كذلك.
حتى لا يخرج علينا من يريد أن يتقوت بمصائبنا ويجعل منها مندوحةً لعيشِه.
حيثُ أنَّ هناك من نحى نحو الشاعر الفاطمي حين ضرب مصر زلزالٌ هلك بسببه من هلك و تشرَّد من تشرَّد، فقال ذلك الشاعر في مدح الحاكم:
ﻣﺎ زُلزِلتْ ﻣِﺼﺮُ ﻣِﻦ ﻛﻴدٍ ﺃَﻟَمّ ﺑِﻬَﺎ *** ﻟﻜﻨﻬﺎ رَقَصتْ ﻣِﻦ عَدلِكُم ﻃﺮﺑﺎً
تخيَّل مدى الانتهازية عندما يُمدح على الجُثثِ في الزِّلازل، فماذا يُرجّى بعد ذلك!
فعندنا ومن باب التَّزلف المذكور ذهب ببعضهم الجهل أن جعل من رئيسِ الدولةِ رَباً، يُطعِمُ من جوعٍ ويُؤَمِّنُ من خوف.. والعِياذُ بالله.
تعالى الله عن هذا القول سبحانهُ علواً كبيرا.
فمِن مثلِ هؤلاء يُذهَبُ بالحقوقِ كُلّ مذهب.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ختاما، نرجوا كمغتربين أن لا نكون كمن يَكدِمُ في غيرِ مَكدِم، أو يَشكو إلى الغربانِ والرَّخَمْ.
وقديماً قيل؛ من أقعدتهُ نكايةُ الأيام، أقامتهُ إغاثةُ الكرام.
نرجوا من أصحاب المروءات أن يجعلوا من التخفيف عن المغتربين مطلباً وطنياً، حتى نشعر أن لنا وطنا فيه من يغار على حقوقنا من أن تُضيَّع، ونحن متأكدون من ذلك ولله الحمد، فمن رصد مليار أوقية كاحتياطي للحالات المرضية المستعجلة، حتى تُعالجَ بالمجَّان، يستطيع أن يستصدر قراراً بعودةِ السفارات لخدمة المواطنين، فموريتانيا ليست لمن في الداخل فقط، من ساكِني الولايات الذين تُحُمِّل عنهم تكاليف السفر إلى العاصمة وكُفُوا المؤونةَ بأن فُتِحت لهم المكاتب في عواصم ولاياتهم، حتى يتمكنوا من الحصول على جميع الوثائق المُتاحة بما فيها جوازات السفر.
فإن نُظر إلى أهل الداخل بنظرةِ الحُنُوِّ هذه وخيف عليهم تكبد المشاق وشد الرِّحال إلى العاصمة، فمَن في الخارج أولى وأحق لبُعد المسافة وارتفاع التكاليف، فكلنا أبناء هذا الوطن سواءً المهاجر أو المُقيم.. والحق أحق أن يُتَّبع.